

رينيته راينسفي في دراما عن مجتمع منغلق يتسمّ بالاهتمام المتقطّع.
من الناحية التقنية، «أرماند» ليس فيلم رعب شعبي. من الناحية التقنية أيضاً، ليس فيلم رعب على الإطلاق. لكنّ المخرج هالفدان أولمان توندل يُريد منا أن نتساءل عمّا نحن بصدد مشاهدته منذ اللحظة الأولى.
في البداية، نرى، من خلال لقطات قريبة خانقة ومذعورة، امرأة تقود سيارتها بسرعة جنونية على الطريق. إنّها تتحدّث بلهفة على الهاتف مع شخص يُدعى أرماند، وتسأله إن كان بخير. من الواضح أنّ هناك شيئاً خاطئاً.
بعد ذلك، ننتقل إلى مدرسة، حيث تنزلق الكاميرا ببطء عبر الممرّات، وكأنّها شبح يراقب المكان الذي نحن -وهي- على وشك دخوله. تُعزَف الموسيقى المشؤومة. هناك شيء سيّئ يلوح في الأفق.
ماهية هذا الشيء السيّئ تستغرق بعض الوقت للكشف عنه، وهو ليس وحشاً (ليس بالضبط)، بل يتمحور «أرماند» حول الطريقة التي يؤدّي بها الأذى، عندما يستمر عبر الأجيال، إلى جعل المجتمعات منغلقة على ذاتها. الغرباء يُهدِّدون النظام القائم، ويجب التعامل معهم وفقاً لذلك. هذا هو الموضوع الذي يجعل الفيلم يبدو وكأنّه رعبٌ شعبي. لكن خلال معظم مدّته، يبدو «أرماند»، الذي كتبه أيضاً توندل، أشبه بدراما واقعية، من النوع الذي تصبح فيه المدرسة رمزاً للمجتمع ككل، تماماً كما في فيلم «غرفة المعلّمين» عام 2023. إليزابيث (رينيته راينسفي)، المرأة في السيارة، هي أم عزباء لطفل يُدعى أرماند، يبلغ من العمر 6 سنوات، وقد ارتكب فعلاً مقلقاً بحق زميل له في الصف.
والدا هذا الزميل، سارة وأندرس (إلين دوريت بيترسن وإندري هيلستفيت)، في طريقهما أيضاً إلى المدرسة لحضور اجتماع بشأن الحادثة. مدير المدرسة (أويستين روجر) والمستشارة المدرسية (فيرا فيليوفيتش) قرّرا تعيين معلّمة مبتدئة تُدعى سونا (ثيا لامبرشتس فاولن) لإدارة الاجتماع. يبدو أنّها قد تكون غير مؤهلة لهذه المهمّة.
هناك الكثير من الجلوس والحديث في الفصول الدراسية، والكثير من التوقفات حتى يتمكن الناس من الذهاب إلى الحمام أو الاعتناء بنزيف الأنف. يتقدّم الاجتماع بشكل متقطّع، وهو أمر مزعج للشخصيات بقدر ما هو مزعج للجمهور: في اللحظة التي يبدأ فيها النقاش، يتوقف الحاضرون، ينهضون، يذهبون إلى مكان آخر. ننتقل معهم داخل وخارج الفصل، ذهاباً وإياباً عبر الممرات، حتى يبدأ المكان في الظهور وكأنّه متاهة، فيؤدّي كل ممرّ إلى مكان يبدو مألوفاً بالفعل.
هذه اختيارات جريئة من جانب توندل، إذ يعتمّد على الأسلوب الإيحائي المراوغ، ممّا يجعلنا نُخمِّن باستمرار مواقف الشخصيات تجاه بعضها البعض (كَون توندل حفيد إنغمار بيرغمان، وليف أولمان يبدو مناسباً لهذا النوع من البنية السردية). ببطء، تتدفّق معلومات إضافية تغيّر نظرتنا إلى كل شخصية. نحن مجرّد متفرّجين، نعيد تقييم أحكامنا ونتساءل لماذا أصدرناها في المقام الأول.
أفضل عنصر في «أرماند» هو نجمته الرئيسة: رينيته راينسفي، في دور إليزابيث، تبدو وكأنّها تنتمي إلى عالم مختلف عن بقية الموجودين في المدرسة، وهذا هو لُبّ الموضوع ويتناسب مع الشخصية: إليزابيث دخيلة، ممثلة ناجحة تجعل الآباء الآخرين ينظرون إليها بارتياب.
راينسفي تتمتع بجمال لافت، وتستطيع أن تستحضر البؤس والمكر في اللحظة عينها، كما أنّ ابتسامتها قادرة على أن تكون مستفزة أو مشجّعة في آنٍ واحد. كانت رائعة في دور امرأة نرجسية تتعلّم شيئاً عن النضج في فيلم «أسوأ شخص في العالم» عام 2021. وهنا، هي جذابة بالقدر عينه، لكنّها أيضاً متفجّرة، لأنّها تردّ على الاتهامات الموجّهة إلى ابنها بضحكة عاجزة تستمر لما يبدو وكأنّها ساعات. إنّه أداء جسدي وديناميكي يُظهر مدى براعتها، وعندما تكون على الشاشة، فإنّها تخطف الأنظار.
أمّا بقية الفيلم، فهو ذو إثارة متقطعة. تُمثل إليزابيث، كشخصية تُخشى وتُرغب في الوقت نفسه، تهديداً للمجتمع، فيردّ عليها بالطريقة عينها. يُجسّد الفيلم هذه المشاعر بشكل ملموس، إذ يقف الأشخاص قريبين جداً من بعضهم البعض، أو يتلامسون بطرق تبدو غريبة. أحياناً يكون من الصعب معرفة ما إذا كنا نشاهد الواقع أم الخيال، وهذا يبقي الأمور مشوّقة لفترة.
لكن بمجرّد أن تتضح القصة الحقيقية، تبدأ هذه الاختيارات في التكرار. الشخصيات، بطريقة ما، محاصرة. لكن من دون توتّر كافٍ للحفاظ على الاهتمام، يصبح الجمهور محاصراً أيضاً.
في النهاية، يتسلّل نوع من الخمول السردي. يبدو «أرماند» إلى حَدٍ كبير وكأنّه تجربة شكلية مثيرة للاهتمام: محاولة لدمج الواقعية والسوريالية في أكثر الأماكن عادية، لكن بطريقة تستحضر رعباً قديماً.
المشكلة أنّه من السهل جداً رؤية كيف تتشابك أجزاء القصة لتشكيل هذا السرد، ومن الممل الاستماع إلى شخصيات تقول ما نتوقع أن تقوله. كما أنّ هناك القليل جداً من البصيرة التي تجعل الأمر يستحق العناء.








