
تشهد الحدود اللبنانية-السورية تحولاً جذرياً مع تصاعد التوترات بين الإدارة السورية الجديدة ومسلحي عشائر بعلبك الهرمل. على الرغم من مرور أكثر من عقد على اندلاع الأزمة السورية في 2011، لا تزال هذه الحدود تشهد تحديات سياسية وأمنية كبيرة تؤثر على الاستقرار في لبنان والمنطقة ككل.
منذ سقوط نظام الأسد، سعت الحكومة السورية الجديدة إلى تعزيز سيطرتها على المناطق الحدودية، بما في ذلك المعابر الشرعية وغير الشرعية، في خطوة تهدف إلى إعادة ترتيب الواقع الأمني والسياسي في المنطقة. في المقابل، لا تزال عشائر بعلبك-الهرمل ترفض الاعتراف بهذه الحدود، إذ عاشت هذه العشائر لسنوات تحت سيطرة شبه مستقلة بعيدة عن السلطات اللبنانية. ومع تنامي عمليات التهريب عبر هذه المعابر، أصبحت المنطقة عرضة لتصعيد أمني قد يهدد استقرار لبنان.
شهدت الأيام الماضية اشتباكات عنيفة بين القوات السورية والعشائر في المنطقة، ما دفع الجيش اللبناني إلى التدخل للحد من التصعيد والحفاظ على الأمن. هذه التطورات تعكس تصعيداً عسكرياً قد يعيد إلى الأذهان الأزمات السابقة، مثل حادثة معربون الشهر الماضي، والتي كانت على وشك أن تتحول إلى أزمة أمنية كبيرة لولا تدخل الجيش اللبناني السريع. ويُتوقع أن تشهد المرحلة القادمة مزيداً من التوترات التي قد تؤثر على العلاقات اللبنانية-السورية بشكل أكبر، مما يستدعي تدخلاً سياسياً عاجلاً من الحكومة اللبنانية لتحقيق تسوية.
علاوة على ذلك، هناك تحدٍ آخر يتمثل في تعزيز السيطرة السورية على المعابر الحدودية، ما يحد من نفوذ حزب الله في هذه المناطق. وقد أدى هذا إلى تغيير في المعادلة الأمنية في لبنان، حيث يقلل من قدرة الحزب على التحرك بحرية كما كان في السابق. ومن المحتمل أن يؤدي هذا التصعيد العسكري إلى تداعيات كارثية على المدنيين، ما قد يعمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة.
في خضم هذه التحديات الحدودية، يظل الوضع السياسي الداخلي في لبنان موضع اهتمام، خاصة مع تشكيل الحكومة الجديدة بقيادة نواف سلام. حيث سجل لحكومة سلام تطوراً مهمًا من خلال كسر الهيمنة السياسية التي كانت قد سادت في الماضي، مما أثار الآمال في تحقيق إصلاحات سياسية من شأنها أن تعيد الثقة في الدولة. الحكومة الحالية التي تضم وزراء تكنوقراط، تواجه العديد من التحديات، أبرزها تطبيق القرار 1701 في الجنوب اللبناني، وهو قرار دولي يشمل نشر الجيش اللبناني في مناطق معينة وتحديد دور "حزب الله". يتطلع نواف سلام إلى ترسيخ مسار سياسي جديد يعيد لدولة لبنان دورها في إدارة شؤونها العسكرية والسياسية بعيداً عن الهيمنة الإقليمية.
اكد البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي على ضرورة التمسك بالحفاظ على السيادة اللبنانية وتجنب الانزلاق إلى مرحلة الانحطاط. دعا الراعي إلى تبني الحياد كسياسة لحماية تعددية المجتمع اللبناني، مما يعزز الانفتاح ويحمي لبنان من التأثيرات السلبية الإقليمية والدولية.
استقبل الرئيس نجيب ميقاتي المبعوث الخاص للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، في دارته مساء اليوم. نقل الوزير عطاف خلال اللقاء رسالة من الرئيس تبون تعبر عن تقديره للجهود التي بذلها ميقاتي لتعزيز العلاقات بين البلدين. من جانبه، جدد ميقاتي تمنياته للجزائر بالازدهار والتوفيق، مشيدًا بدعمها المستمر للبنان في مختلف المجالات. كما أعرب عن تقديره لمبادرات الرئيس تبون خلال فترة رئاسته للحكومة الجزائرية، لا سيما في تقديم المساعدات للبنان خلال العدوان الإسرائيلي ودعمه الدبلوماسي في مجلس الأمن الدولي.
على المستوى الدولي، رحبت فرنسا بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، مشيرة إلى استعدادها لدعم لبنان في مواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية. كما أبدت استعدادها للمساعدة في تنفيذ الإصلاحات اللازمة لتحقيق الاستقرار، ما يعكس التزام المجتمع الدولي في دعم لبنان في مرحلة جديدة حاسمة.
بينما تعيش المنطقة تحديات أمنية وسياسية معقدة، يبقى السيناريو الأكثر احتمالاً هو الحاجة إلى تسوية سياسية تشمل التنسيق بين السلطات اللبنانية والسورية لإعادة ضبط الوضع على الحدود. في حال استمرار النزاع، قد يزداد التصعيد العسكري ويتوسع إلى مراحل أكثر تعقيداً، مما قد يفتح المجال لتدخلات إقليمية ودولية.








