
يروي أحدث أفلام روب تريغنزا، الذي تدور أحداثه في قرية نروجية تحت الاحتلال الألماني، قصة مدبِّرة منزل مكلّفة بالتجسّس على كاهن.
«مكان الصيد» هو استكشاف بصري مذهل للمقاومة، بما في ذلك مقاومة كاتبه ومخرجه، روب تريغنزا. تدور أحداث الفيلم في قرية نروجية تحت الاحتلال الألماني خلال الحرب العالمية الثانية، فتتقاطع مسارات شخصيات عدة في عالم يلفت الأنظار بجماله الطبيعي ومخاطره المبطنة.
كل شيء هنا يبدو عادياً في الظاهر، بما في ذلك أحد السكان الأثرياء الذي، في وقت مبكر من الفيلم، وأثناء تجمع في منزله، يحيّي ضيفه المميّز قائلاً: «صداقتنا تعود إلى زمن بعيد، كنّا دائماً في الفريق نفسه». ثم يرفع كأسه، داعياً الحضور لفعل المثل، ويُشيد بضيفه، وهو ضابط نازي.
صُوِّر الفيلم بطريقة رائعة على شريط سينمائي بواسطة تريغنزا، وهو مُقسَّم إلى قسمَين واضحَين. يبدأ الفيلم في مضيقٍ بحري في مقاطعة تيليمارك النروجية الجنوبية. إنّه فصل الشتاء. الثلج يغطي الأرض بكثافة، ويَكسو الغابة المحيطة والقمَم الوعرة بطبقة ناعمة، ممّا يمنح القرية مظهراً كأنّه مأخوذ من بطاقة بريدية.
على رغم من أنّ تريغنزا لا يوفّر الكثير من المعلومات التاريخية، فمن الجدير بالذكر أنّ تيليمارك هي مسقط رأس فيدكون كويزلينغ، رئيس الحكومة النروجية خلال الاحتلال، الذي أصبح اسمه مرادفاً للخيانة. كما أنّها الموقع الذي دارت فيه أحداث فيلم الحرب «أبطال تيليمارك» (1965) للمخرج أنتوني مان، ويؤدّي كيرك دوغلاس دور عالم فيزياء نروجي يتحوّل إلى مقاتل بطولي في المقاومة.
الحبكة البسيطة في «مكان الصيد» تكاد تكون ثانوية مقارنةً بالصورة السينمائية العامة للفيلم، وهي تُركّز على آنا (إلين دوريت بيترسن)، امرأة في منتصف العمر تصل إلى القرية حاملة حقيبة واحدة ومن دون أي تفسير. في وقت لاحق، يقترب منها الضابط النازي هانسن (فرودي وينثر)، وهو نروجي يربطها به ماضٍ غامض. يقول لها بنبرةٍ تهديدية: «هل يمكنني الحصول على هذه الرقصة؟» قبل أن يُذكّرها بأنّها رفضته ذات مرّة. يبدو أنّه يحمل ضغينة، لكنّه أيضاً صاحب السلطة. وعندما يأمر آنّا بالعمل كمدبّرة منزل للكاهن الجديد، هونريش (الذي يؤدي دوره أندرياس لوست بأسلوب كاريزمي هادئ)، والتجسس على تحرّكاته، تمتثل للأمر.
تدور معظم أحداث الفيلم حول العلاقة بين آنّا، وهانسن، وهونريش، وهو كاهن لوثري ألماني. وبينما تستمر الحياة في القرية، يهتم الكاهن بالمجتمع الذي يبدو بارداً تجاهه - إذ يُحذّره بعض السكان من البلدة - بينما تراقبه آنّا والضابط من كثب.
في سياق الأحداث، يبدو أنّ تريغنزا يُشير مباشرة إلى فيلم أنتوني مان، لاسيما في مشهد داخل كنيسة الكاهن. وعلى نطاق أوسع، يُقدّم فيلم تريغنزا رؤية مضادة للأساطير الوطنية التي تحوّل التاريخ إلى ترفيه سينمائي، والناس إلى أبطال أسطوريِّين.
على رغم من أنّه يستخدم بعض عناصر السرد التقليدي - تُطلق النيران، وتُوجّه الضربات، وتُقطّب الجباه - إلّا أنّه مهتم أكثر بتفكيك القوالب المعتادة بدلاً من مجرّد إعادة تدويرها.
من هذه الناحية، فإنّ الشخصية الأكثر إثارة في «مكان الصيد» هي، بشكل غير مباشر، تريغنزا نفسه، الذي يُلفت الانتباه طوال الفيلم إلى أسلوبه الإخراجي، إذ يلعب بالألوان والدرجات المختلفة للواقعية، ويمزج بين المشاهد الطبيعية والأسلوبية التي تكاد تلامس الطابع الرمزي. يظهر أسلوبه بوضوح منذ المشهد الأول، حين تظهر صورة غريبة لسفينة صَيد شبحية تطفو وسط ضباب البحر. وسرعان ما تصل آنّا، وتتحرّك الكاميرا خلفها وهي تنزلق نحو البلدة، فتبدو كأنّها تطفو في الهواء، وكأنّها هي الأخرى شبح.
مع تطوّر الحبكة الضئيلة، يلمّح تريغنزا إلى وجود تشابهات بين الكاهن والضابط النازي، اللذَين يظهران في أحد المشاهد الغريبة وهما يصطادان جنباً إلى جنب. تبدو الصورة وقد جُرِّدت من ألوانها الطبيعية، لتُغمر في لون أخضر باهت - كما لو أنّ العالم نفسه يشعر بالغثيان - قبل أن تتحوّل فجأة إلى درجات الأحمر البرتقالي الناري. بينما يقف الرجلان متحدّثَين حاملَين صنّارات الصَيد («لا شيء يعضّ الطُعم اليوم؟»)، تدور الكاميرا حول القارب، في حركة ترسم خطاً واضحاً حولهما. قد يكون أحدهما أكثر تعاطفاً من الآخر، لكنّ تريغنزا يوحي بأنّهما مرتبطان بطريقة ما.
في القسم الثاني من «مكان الصيد»، الذي يبدو مختلفاً بشكل لافت، يكشف تريغنزا عن بعض الغموض المحيط بوصول آنّا. في هذا الجزء الأقصر بكثير - بينما تستمر الشخصيات في التجوّل، وتواصل الكاميرا أسلوبها المترنّح والمغناطيسي - يُقدّم المخرج فجأة فصلاً تأمّلياً ذاتياً يُزيل الغلاف السردي للفيلم.
كجزء من محاولة لتسليط الضوء على الطبيعة الاصطناعية للفيلم، قد لا يكون هذا التحوّل، الذي يحمل صبغة بريختية، بالقوة البصرية والفكرية عينها مقارنةً بكل ما سبقه. ومع ذلك، يظل تريغنزا مُخرِجاً مستقلاً أصيلاً يستحق المتابعة دائماً؛ فعندما يكون هو خلف الكاميرا، يأسر انتباهك منذ اللحظة الأولى.








