وأيَّ حكومةٍ تريدون؟
وأيَّ حكومةٍ تريدون؟
الوزير السابق جوزف الهاشم
Friday, 31-Jan-2025 06:36

حضرةَ المسؤولين في لبنان: قادةً وأحزاباً ونوابَ برلمان...

هل يقتضي في كلِّ امتحانٍ دستوري أنْ نكون نحن وحدَنا بين كلِّ دول الأرض مسخرةً ديمقراطية للأمم؟

أَكلّما استحقّ عندنا استحقاقٌ رئاسي أوْ حكومي، نغرق في بحرٍ من الظلمات، ولا تقوم لنا قيامة حتى يبشِّرَ اللهُ «زكريّا» بأنّ زوجته العاقر «أليصابات» ستلدُ مولوداً؟

بعد الإستنجاد بأهل الأرض وأهل السماء لإنجابِ رئيسٍ للجمهورية، هل جاء الآن دور الحكومة؟

إذاً... أيَّ حكومة تريدون، لأيِّ دولةٍ ولأيِّ لبنان؟

هذا اللبنان الذي وصَفوهُ بأنّه «أعلى قمّةٍ في التاريخ (1)...» أيَّ حكومةٍ لهُ تريدون...

وعلى صورة أيّ حكمٍ وأيّ حكّامٍ وأيّ نظامٍ وأي حقوق إنسان تريدون حكومة لهذا اللبنان؟

على صورةٍ أيّ دولةٍ من خَلْف الحدود وما بعدَ بعدَ الحدود، وعلى غرار أيّ نظام من أنظمة الظلمِ والإستبداد والقتل وكمّ الأفواه والإغتيال والسجون والمقابر الجماعية؟

حيال هذا اللبنان، الذي يكاد ينشطر حصصاً ويتوشّى بدخان الحرب، ألا يزال هناك من يحارب من أجل المكاسب، ومن يطالب بالحصّة الوزارية الأكبر، وبالوزارة السيادية الأشهر، والوزارة التي تُعرف بالبقرة الحلوب؟

على صورة أيّ حكومة تريدون هذه الحكومة... على مثالِ ما سبَقَ من عهدٍ، فإذا الحكومة حكومات: حكومةٌ للبلاط، وحكومة للخارجية، وحكومة للعدل، وحكومة للطاقة، وحكومة للدفاع، وحكومة للسلم، وحكومة للحرب؟

الذين يهوّلون على الرئيس المكلّف بحجْبِ الثقة عن الحكومة بهدف اغتنام الغنائم، فإنّ هذه الحكومة لن يكون مثولُها أمام المجلس النيابي، بل أمام الوطن الذي تدمّر، والشعب الذي تقهقر، وأمام القرى المنكوبة في الجنوب حيث لا تزال تُنتشلُ جثامينُ الشهداءِ من تحت الركام، لعلّ هناك ترتعش الجثامين الحكومية مهابةً وتستشعر حجم المسؤولية.

للمرّة الأولى يكون رئيس الجمهورية جوزاف عون من الجنوب، والجنوب مدمّى...

وللمرّة الأولى يكون رئيس الحكومة نواف سلام من خارج التقليد السياسي، ومن أعلى محكمة دولية حكمت على إسرائيل بعدم شرعية وجودها...

وللمرّة الأولى يقول رئيس جمهورية في لبنان: «أنا جئتُ لأبني دولة لا لأبني لي عرشاً سياسياً»، كأنما يخاطب الذين اغتصبوا الدولة وأقاموا على ركامها عروشاً لهم، والذين نهبوا خيرات البلاد بالحرام لتصبح الدولة معهم كأنّها طفل الخطيئة.

وللمرّة الأولى يحظى هذا الحكم برعاية دولية شاملة، وبدعم شعبي لبناني عارم في لبنان وسائر المشرق والمغرب.

ومن النادر أن يتكوكب رؤساء المذاهب الدينية في لبنان، كلّهم جميعاً حول سيّد العهد يباركون مؤيّدين، يتمنّون لهُ التوفيق والنجاح في تطبيق مضامين خطاب القسم.

بذلك، يمكن هذا الحكم أن يقود مسيرة إنقاذ لبنان، وأن يوفّق بين المرحلة التأسيسية للنظام ومرحلة حكمٍ تأسيسي يشكّل قاعدةً أساسيةً جديدة للحكومات اللاحقة.

إنّها فرصةٌ من شأنها أن تبدّد هواجس اللبنانيّين تحقيقاً لما يتوخّون من طموحات الحياة الكريمة وإنسانية الإنسان.

أفَما آن لهذا الشعب أنْ يمزّق الكفَنَ عن الجسد، لتكون لهُ دولةٌ كمثل سائر شعوب العالم الحرّ، ويكون له وطن كمثل ما يكون لعباد الله من أوطان؟

إنّ صوت الشعب من صوت الله - حسب المبدأ الروماني - ومَنْ يتنكّر للشعب يتنكّر لله...

إلّا إذا كان السياسيون عندنا يؤمنون مع ذلك الفيلسوف الألماني «نيتشه»، بأنّ الله قد مات.

theme::common.loader_icon