مع عودة ترامب وضعف «حزب الله» إيران تعتمد نبرة تصالحية
مع عودة ترامب وضعف «حزب الله» إيران تعتمد نبرة تصالحية
فرناز فصيحي- نيويورك تايمز
Friday, 29-Nov-2024 06:19

بينما تواجه إيران تحدّيات داخلية وخارجية، أصبح خطابها العدائي تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل أقلّ حدّة، مشيرةً إلى رغبتها في تقليل المواجهة.

في منتصف أيلول، أرسلت إيران مسؤولاً كبيراً إلى بيروت لحَثّ «حزب الله» على قبول وقف إطلاق النار مع إسرائيل. في الوقت عينه تقريباً، التقى سفير إيران لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرفاني مع إيلون ماسك، في بادرة تجاه دائرة الرئيس المنتخب دونالد ج. ترامب. واليوم الجمعة، ستَعقِد محادثات في جنيف مع دول أوروبية حول مجموعة من القضايا، بما في ذلك برنامجها النووي.

تمثل هذه الديبلوماسية الأخيرة تغييراً حاداً في النبرة مقارنة بأواخر تشرين الأول، عندما كانت إيران تستعد لشنّ هجوم انتقامي كبير على إسرائيل، مع تحذير نائب قائد الحرس الثوري الإيراني قائلاً: «لم نترك أي عدوان من دون ردّ خلال 40 عاماً».

يرتبط هذا التحوّل الإيراني من اللهجة الصارمة إلى النبرة التصالحية في غضون بضعة أسابيع، بالتطورات الداخلية والخارجية.

وكشف خمسة مسؤولين إيرانيين، أحدهم عضو في الحرس الثوري، ومسؤولان سابقان، أنّ قرار إعادة النظر في النهج الإيراني جاء نتيجة فوز ترامب في انتخابات 5 تشرين الثاني، مع مخاوف من زعيم غير متوقع سبق له أن انتهج سياسة «الضغط الأقصى» ضدّ إيران خلال ولايته الأولى.

لكن أيضاً، كان هذا القرار مدفوعاً بالقضاء الإسرائيلي على «حزب الله» في لبنان، الذي يُعتبر أقرب وأهم حلفاء إيران المسلّحين، وبالأزمات الاقتصادية في الداخل، إذ انخفضت العملة بشكل مستمر مقابل الدولار، وتلوح في الأفق أزمة طاقة مع اقتراب الشتاء.

أجبرت هذه التحدّيات إيران على إعادة تقييم نهجها، واعتماد استراتيجية لتهدئة التوترات، وفقاً لمسؤولين إيرانيّين مطّلعين على التخطيط، الذين طلبوا عدم الكشف عن هويّتهم لعدم تخويلهم التحدّث علناً، ممّا قد يعرّضهم إلى الخطر.

وأضافوا أنّ إيران أوقفت خططها لضرب إسرائيل بعد انتخاب ترامب، لأنّها لم تكن ترغب في تصعيد التوترات مع الإدارة الجديدة التي كانت بالفعل تعيّن مرشحين لمجلس الوزراء يعادون إيران ويؤيّدون إسرائيل بشدة. ومع ذلك، وجدت إيران بعض الجاذبية في خطط ترامب المعلنة لإنهاء الحروب في الشرق الأوسط وأوكرانيا.

وحتى قبل إجراء الانتخابات الأميركية، أرسلت إيران إشارات إلى إدارة بايدن بأنّها، على عكس مزاعم بعض المسؤولين الأميركيّين، لم تكن تخطّط لاغتيال ترامب.

وأوضح وزير الخارجية عباس عراقجي يوم الأربعاء، أنّ إيران ترحّب بالهدنة بين «حزب الله» وإسرائيل، مضيفاً أنّ «طهران تحتفظ بحقها في الردّ على الغارات الجوية الإسرائيلية على إيران الشهر الماضي، لكنّها ستأخذ في الاعتبار التطوّرات الإقليمية مثل وقف إطلاق النار في لبنان».

وترى سانام وكيل، مديرة شؤون الشرق الأوسط في معهد تشاتام هاوس البريطاني للأبحاث السياسية، أنّه من الواضح أنّ إيران تردّ على التغييرات المقبلة في واشنطن، وكذلك على المشهد الجيوسياسي المحلي والإقليمي المتغيّر الذي تواجهه الآن.

وأضافت وكيل أنّ «كل هذا اجتمع، والتغيير في النبرة يتعلق بحماية مصالح إيران».

النظام الإيراني الغامض، الذي تهيمن عليه الانقسامات الفئوية، يمكن أن يؤدّي أحياناً إلى رسائل مختلطة للجمهور الخارجي واختلافات حادة داخلية، على رغم من أنّ الكلمة النهائية دائماً ما تكون للمرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي.

توفّي الرئيس المتشدّد إبراهيم رئيسي هذا العام، وتمّ انتخاب المعتدل مسعود بزشكيان في تموز ليحل محله، مع تفويض بإجراء بعض الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والتعامل مع الغرب. ويتمتع بزشكيان بنفوذ كبير على السياسة الداخلية وبعض التأثير في الشؤون الخارجية.

بعد أيام فقط من الانتخابات الأميركية، التقى السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني، مع إيلون ماسك، الملياردير ورجل الأعمال الذي يتمتع بتأثير على ترامب، في مقر إقامة السفير في نيويورك، لمناقشة خفض التوترات مع إدارة ترامب المقبلة. ووصف مسؤولان إيرانيان الاجتماع بأنّه واعد.

في إيران، ابتهجت الفصائل الإصلاحية والمعتدلة بهذا الخبر. لكنّ المحافظين انتقدوه بشدة، واصفين السفير بالخائن، ممّا يُبرز نوع الصراع الداخلي الذي تواجهه الحكومة بشأن التعامل مع أي شخص في دائرة ترامب، الذي انسحب من الاتفاق النووي الإيراني في 2018، وفرض عقوبات صارمة على البلاد، وأمر باغتيال الجنرال قاسم سليماني في 2020.

في مواجهة ردّ فعل عنيف بشأن الاجتماع مع ماسك، أصدرت وزارة الخارجية الإيرانية نفياً بعد ثلاثة أيام، قائلةً إنّه لم يحدث أبداً. وفي الأسبوع الماضي، وبعد أن وجّهت وكالة تابعة للأمم المتحدة لوماً لإيران بسبب منعها من مراقبة برنامجها النووي، ردّت طهران بتحدٍ قائلة إنّها تسارع برنامجها النووي، بينما أصرّت في الوقت عينه على أنّها «مستعدة للمشاركة البنّاءة».

وأوضح مسؤولون إيرانيّون كبار علناً، أنّ إيران منفتحة على المفاوضات مع إدارة ترامب لحل القضايا النووية والإقليمية. وهذا بحدّ ذاته تغيير في الموقف الإيراني خلال الإدارة الأولى لترامب، إذ رفضت التفاوض مع واشنطن، وأكّدت أنّ سياساتها الإقليمية وتطوير أسلحتها هي أمور تخصّها وحدها.

ويرى حسين موسويان، ديبلوماسي إيراني سابق ومفاوض نووي يعمل الآن باحثاً في شؤون الشرق الأوسط والنووي في جامعة برينستون، أنّ «إيران الآن تتحلّى بضبط النفس لإعطاء ترامب فرصة لرؤية ما إذا كان بإمكانه إنهاء حرب غزة واحتواء نتنياهو»، مشيراً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي. وأضاف: «إذا حدث هذا، فسيفتح الطريق أمام مفاوضات أوسع بين طهران وواشنطن».

لأكثر من 13 شهراً بعد هجوم «حماس» في 7 تشرين الأول 2023 على إسرائيل، أصرّت إيران والقوات المتحالفة معها في لبنان وسوريا واليمن والعراق على أنّها لن تتوقف عن مهاجمة إسرائيل طالما كانت إسرائيل في حالة حرب في غزة.

لكنّ الخسائر الفادحة لـ»حزب الله» أثارت قلق إيران، التي تمارس تأثيراً كبيراً على المجموعة اللبنانية. كما أفادت وسائل الإعلام الإيرانية بتزايد الاستياء بين أكثر من مليون شيعي لبناني نازح، الذين ينظرون إلى إيران كحامية وراعية لهم.

في تقييم صريح بشكل غير مألوف، إعتبر مهدي أفراز، مدير مركز أبحاث في جامعة باقر العلوم الإسلامية المحافظة، خلال مناقشة في الجامعة، أنّ إيران قلّلت من تقدير قوة إسرائيل العسكرية، وأنّ الحرب مع إسرائيل ليست «لعبة على البلاي ستيشن». اتصل أصدقاؤنا من سوريا وقالوا إنّ اللاجئين الشيعة اللبنانيّين الذين يدعمون «حزب الله» يلعنوننا من أولنا إلى آخرنا، أولاً إيران، ثم الآخرين. نحن نتعامل مع الحرب وكأنّها مزحة».

وأرسل خامنئي، الذي أظهر درجة من البراغماتية عندما بدا أنّ بقاء النظام الإيراني في خطر، مستشاراً كبيراً، علي لاريجاني، وهو سياسي وسطي مخضرم، إلى بيروت في منتصف تشرين الثاني. ووفقاً لمسؤولين إيرانيّين، سلّم لاريجاني رسالة من المرشد الأعلى إلى قادة «حزب الله»، مفادها: «حان الوقت لقبول وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، وستساعد إيران «حزب الله» على إعادة البناء وإعادة التسلّح».

بعد أقل من 48 ساعة، أعلن لبنان عن اختراق في المفاوضات: وافق «حزب الله» على إبقاء قواته بعيداً من الحدود الإسرائيلية، وهو شرط سبق أن رفضه باعتباره غير مقبول.

في الوقت عينه، واجهت إيران أزمات اقتصادية وطاقوية متزايدة في الداخل. وأعلنت الحكومة عن قطع يومي للكهرباء لمدة ساعتَين، ممّا أثار غضب الجمهور واتهامات من النقاد بأنّ صراعاتها الإقليمية مكلفة للغاية بالنسبة إلى الإيرانيِّين العاديِّين.

وأعلن پزشكيان، الرئيس، الذي وعد بالتعامل مع العالم لرفع العقوبات وتحسين الاقتصاد، في اجتماع مع مسؤولين في قطاع الطاقة الأسبوع الماضي، أنّه يحتاج إلى «إخبار الجمهور بصدق عن وضع الطاقة»، مضيفاً أنّ البنية التحتية للطاقة في إيران لا يمكنها تلبية احتياجاتها.

وأكّدت طهران أنّها سترسل ديبلوماسياً متمرّساً ومفاوضاً نووياً سابقاً، مجيد تخت روانجي، للقاء مسؤولين من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، الدول التي رعت مع الولايات المتحدة اللوم على برنامج إيران النووي.

وأوضح ناصر إيماني، محلل قريب من الحكومة، في مقابلة هاتفية من طهران، أنّه «لا شك أنّه في إيران، بين كبار المسؤولين والأشخاص العاديّين، هناك رغبة حقيقية لإنهاء التوترات مع الغرب والتعايش. التعاون مع الغرب لا يُنظر إليه على أنّه هزيمة، بل يُعتبر ديبلوماسية تجارية ويمكن القيام به من موقف قوة».

theme::common.loader_icon