فيما يعاني النازحون في مراكز الإيواء المحليّة من الاكتظاظ والاتكال شبه المطلق على المبادرات الفردية، وما يتبع ذلك من تأخير وفوضى، قرّر البعض الآخر مغادرة لبنان كلياً حتى انطفاء نيران الحرب الملتهبة. وفي المبدأ، وعلى الرغم من الضربات لقطع طرقات المنافذ البرية، فإنّ أرقام وزارة الهجرة والجوازات السورية تُظهر نزوح 100900 لبناني عكسياً، إعتاد قبلها لبنان على استقبال النازحين من سوريا إليه.
غير أنّ المشهد الأكبر يأتي في إطار العراق، حيث تُقدّم تسهيلات كبيرة إلى اللبنانيين الهاربين من الحرب وأصوات الغارات ومشاهد الدمار. ومع حجم التسهيلات واتساع النزوح نحو العراق، صار توطين اللبنانيين في العراق عنواناً بارزاً على الساحة السياسية.
ومن هذا المنطلق، خصّ المتحدّث باسم وزارة الهجرة في العراق علي عباس جهاكير "الجمهورية" بحديث، ألقى فيه الضوء على وضع اللبنانيين الضيوف في العراق وما يٌقدّم لهم.
ويقول جهاكير، إنّ تسجيل اللبنانيين الوافدين إلى العراق قد بدأ بالفعل، والفرق الجوالة تتنقل بين المدن والمحافظات لإدخال أسمائهم إلى قاعدة بيانات كبيرة، لافتاً إلى أنّ الأرقام تُظهر وصول ما يزيد عن 13 ألفاً و600 لبناني وفق آخر تحديث. علماً أنّ الرقم غير نهائي وهو مرجّح للارتفاع أكثر، لأنّ التسجيل أولاً لم ينتهِ، وثانياً لأنّ النزوح اللبناني إلى العراق مستمر.
أمّا عن مناطق وجود اللبنانيين بكثرة، فيؤكّد جهاكير أنّ المدن المجهزة بالبنى التحتية اللازمة، خصوصاً على صعيد الفنادق، هي أكثر ما تستقبل اللبنانيين اليوم. ولهذا فإنّ مدينة كربلاء في المقدّمة وبعدها النجف، مع الإشارة إلى أنّ نينوى وبغداد وديالى وغيرها تستقبل النازحين أيضاً.
السفر ونقطة الانطلاق
ومع ارتفاع أسعار تذاكر السفر والاعتماد شبه الكلّي على رحلات طيران الشرق الأوسط، فإنّ النزوح براً من لبنان إلى سوريا ومنها إلى العراق، هو المسار الذي يعتمده اللبنانيون الذين قرّروا الاستقرار في العراق إلى حين هدوء الأوضاع وانتهاء الحرب.
وفي السياق، يشير جهاكير إلى أنّ المطار كان يستقبل سابقاً اللبنانيين القادمين من لبنان، غير أنّ النزوح اليوم بثقله الأكبر يأتي عبر المنافذ البرية مع سوريا، حيث ينطلق الوافدون من مقر السيدة زينب عبر رحلة طويلة إلى العراق وتحديداً إلى منفذ "القائم". وعلى سبيل المثال فإنّ 7 باصات قد انطلقت بعد ظهر الأحد لاستقبال وافدين لبنانيين من سوريا إلى العراق، وهذا يدلّ إلى استمرار حركة الاستقبال.
تسهيلات كبيرة
ولا يتوقف الدعم العراقي على إعفاء اللبنانيين من دفع تأشيرة الدخول أو الدخول بلا جوازات سفر، وهو ما يوافق عليه جهاكير الذي يؤكّد بدوره أنّ الدولة العراقية تقدّم أماكن الإقامة بالمجان للبنانيين بالإضافة إلى 3 وجبات غذائية يومياً وخدمات صحية أساسية، وحالياً تستعد المدارس لاستقبال التلامذة اللبنانيين.
وأمام هذه التسهيلات والاستقطاب السريع، بدأت التساؤلات عن احتمال وجود خطة لتوطين اللبنانيين في العراق، فيما ذهب البعض الى الحديث عن تغيير ديمغرافي في لبنان.
ومن جهته، لا يقرأ جهاكير الواقع بالطريقة عينها. فهو يشدّد على أنّ مجلس الوزراء العراقي سمّى اللبنانيين بالضيوف لقطع الطريق أساساً على هذه الادعاءات. ووفقاً لما يقوله، فإنّ تسمية الضيف تعني أنّ اللبنانيين سيعودون حتماً إلى بلدهم لبنان عندما تُصبح الظروف ملائمة لذلك وتنتهي الأزمة.
ولم ينسَ جهاكير الإشارة إلى أنّ العراق يعاني أساساً من أزمة اقتصادية، وهو ليس في وارد التوطين، مشدّداً على أنّ هذه المبادرة تأتي انطلاقاً من الواجب الديني الإسلامي والأخلاقي والإنساني. ويؤكد أنّ العراق جاهز لاستقبال جميع اللبنانيين بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية والسياسية.
وفي إطار الحديث عن الاستقطاب الكبير للبنانيين، يلفت جهاكير أيضاً إلى أنّ دولة العراق بدأت إجراءات جديدة، انطلاقاً من اجتماع عُقد ظهر الأحد، وبناءً عليه تقرّر تقديم الدعم اللّازم لمراكز الإيواء الآمنة في سوريا ولبنان، وبالتالي فإنّ ذلك سيؤدي حتماً الى انخفاض نسبة النزوح في اتجاه العراق وفقاً لما يتوقعه القيّمون على الخطة.
بدأوا العمل
وكما في لبنان، أطلق العراقيون مبادرات لدعم اللبنانيين الوافدين. حيث فتحت المدارس المحلية في العراق أبوابها لاستقبال الطلاب اللبنانيين مجاناً. وكذلك، يشير جهاكير إلى أنّ عدداً من اللبنانيين الوافدين بدأ بالفعل العمل خصوصاً في القطاع الخدماتي من فنادق ومطاعم وغيرها.