من هو كاتب رؤيا يوحنا؟
من هو كاتب رؤيا يوحنا؟
طوني نجم
جريدة الجمهورية
Thursday, 23-May-2013 23:57
عندما أبحر بولس متوجّهاً إلى أورشليم في نهاية رحلته الرسولية الثالثة (53-58 م.)، مرّ أمام شواطئ ولاية آسية، وتوقف في مرفأ مدينة ميليتس، ثم أرسل يستدعي شيوخ الكنيسة في أفسس.
فلمّا قَدِموا إليه قال لهم: "... خذوا الحذر لأنفسكم ولجميع القطيع الذي جعلكم الروح القدس قوّامين عليه لترعوا كنيسة الله التي اكتسبها بدمه. وأنا أعلم أن سيدخل فيكم بعد رحيلي ذئاب خاطفة لا تُبقي على القطيع، ويقوم من بينكم أنفسكم أناس ينطِقون بالضلال ليقتادوا به التلاميذ في إثرهم" (رسل، 20: 28-30).

ويقول المؤلف :"لقد تحققت نبوءة القديس بولس، إذ إنني في كتابي المنشور بالفرنسية تحت عنوان L’Apocalypse "apocryphe" de Jean، أي "رؤيا يوحنا المنحولة"، تمكّنت من تقديم الكثير من الحجج والبراهين التي تؤكّد أن "رؤيا يوحنا" الموجّهة أصلاً إلى الكنائس السبع في آسية، هي نصّ مدسوس على كتب "العهد الجديد"، وأن كاتبها انتحل صفة القديس يوحنا الرسول، وأيّده في زعمه جماعة من أصحابه المتهوّدين مثله.

ويتابع خبّاز: "الجدير ذكره أن "رؤيا يوحنا" قُبلت في روما ومعظم كنائس الغرب بدءاً من أواخر القرن الميلادي الثاني، أما كنائس الشرق فتحفّظت حولها. فقد أكّد ديونيسيوس، أسقف الاسكندرية (248-264 م.)، أن كاتب "رؤيا يوحنا" هو شخص آخر غير يوحنا بن زبدى، كاتب الإنجيل الرابع ورسول المسيح، وذلك نظراً لاختلاف الأسلوب الأدبي بين النصّين.

أضف إلى ذلك أن "رؤيا يوحنا" لم ترد ضمن لائحة الكتب المقدسة التي اعترف بها مجمع اللاذقية (حوالى 360 م.). ولهذا الأمر أهمية كبرى، لأنّ اللاذقية هي إحدى المدن السبع التي وُجهت اليها الرؤيا (3). كما حُذفت "رؤيا يوحنا" من الترجمة السريانية المسمّاة "بسيطة" (فشيطتو) العائدة للقرنين الرابع والخامس.

ونذكر من آباء الكنيسة الشرقية الذين تحفّظوا على "رؤيا يوحنا"، القديس يوحنا الذهبي الفم (345 -407 م.)، والقديس كيرللوس، أسقف أورشليم (351 م)، الذي حذف "الرؤيا" من لائحة الكتب المقدسة.

ولكن، بعد قرون عديدة من التردد والجدل حول موضوع "رؤيا يوحنا"، حُسم هذا الأمر نهائياً، فأقرّت كنائس الشرق والغرب بقانونية "رؤيا يوحنا" وصحّة نسبتها الى يوحنا الرسول، تماشياً مع تقليد كنيسة روما وخضوعاً لأوامرها".

فما الجديد الذي يقدّمه المؤلف في كتابه المذكور أعلاه؟.

لقد كُتِبَت "رؤيا يوحنا" بشكلها الحاضر، في أواخر عهد الأمبراطور دوميتيان (حوالى سنة 95 م.). ولكنها كانت في الأصل ثلاثة نصوص مستقلة، قام بجمعها في كتاب واحد شيخ مُتَهوِّد اسمه يوحنا (3). وقد عمل يوحنا المذكور على إعادة صياغة تلك النصوص من جديد، فتلاعب في معاني الرموز الأصلية إضافةً وحذفاً، وحرّف الكلام عن مواضعه بحيث أصبحت معاني الرؤيا لغزاً محيّراً حتى على القديسين أنفسهم.

أما النصوص الأصلية الثلاثة، فهي التالية:

1 - النص الأول: الرسائل إلى الكنائس السبع في آسية (رؤيا 1: 4 حتى 3: 22). هذا النص هو ذو طابع يهودي-نصراني باطني. وكان موجهاً فقط إلى كنائس ولاية آسية الرومانية، وهو يحتوي على تلميحات تاريخية allusions historiques مرتبطة بواقع تاريخي معيّن في تلك المنطقة. وفي اعتقادنا أن هذا النص كُتب حوالى سنة 63 ب.م. على يد أحد المتهوّدين الذين كانوا يحاربون بولس الرسول ويعتبرونه رسولاً كاذباً.

- النص الثاني: هو رؤيا تتناول آخر الأزمنة، وتشمل الفصول 4 لغاية نهاية الفصل 9. هذه الرؤيا هي يهودية-نصرانية لأن محورها هو الحمل الذي يرمز إلى يسوع المسيح. وهي تخلو من التلميحات التاريخية. وفي اعتقادنا ان يوحنا أضاف هذا النص الرؤيوي بغية إضفاء طابع يهودي-نصراني على النص الثالث المذكور أدناه الذي يحوي على رؤيا ثانية، يهودية الطابع.

3 - النص الثالث: هو رؤيا يهودية تشمل بشكل عام الفصول 10-22. محور النصّ: حرب نهاية الأزمنة ضد الإمبراطورية الرومانية. كُتب هذا النص الرؤيوي في مطلع سنة 66 ميلادية أي قبيل اندلاع الحرب اليهودية الأولى ضد الرومان (66-70 م.)، وهو حافل بالتلميحات التاريخية التي تتمحور حول نيرون قيصر، ومدينة روما، والامبراطورية الرومانية، وحرب نهاية الأزمنة.

كاتب هذا النص متأثر جداً بمخطوطات البحر الميت، إذ إننا نجد الكثير من التشابه بين هذا النص الثالث من الرؤيا وبين مضمون عدد من مخطوطات قمران التي اكتُشفت بين السنوات 1947-1956 في عدد من المغاور الكائنة بالقرب من الشاطئ الشمالي الغربي للبحر الميت.

لقد نجح يوحنا، كاتب الرؤيا، بدمج هذه النصوص الثلاثة مع بعضها البعض مكوِّناً منها نصّاً موحَّداً. كما نجح بنشر رؤياه حوالى سنة 95 ميلادية مع زمرة من تلامذته المتهوّدين الذين أشاعوا أن كاتب الرؤيا هو يوحنا الرسول.

وقد أضفى كاتب الرؤيا على نصّه الجديد الموحّد صبغة مسيحية أضلَّ بها عدداً من آباء الكنيسة وشارحي الكتاب المقدَّس. لكنه رغم كل ذلك ترك ثغرات تثبت أصوليته وطابعه المتهوِّد المتأثر بالفكر القمراني.
theme::common.loader_icon