وحّدت إيران الميليشيات لمواجهة إسرائيل، لكن بينما تقصف إسرائيل «حزب الله»، فشل الباقون حتى الآن في المساعدة.
كانت الفكرة بسيطة: عندما تندلع حرب كبيرة مع إسرائيل، ينضمّ جميع أعضاء شبكة الميليشيات المدعومة من إيران في الشرق الأوسط والمعروفة باسم «مِحوَر المقاومة» إلى القتال، في هجوم منسّق نحو هدفهم المشترك، وهو تدمير الدولة اليهودية.
وضعت إيران الاستراتيجية واستثمرت موارد هائلة لبناء قدرات كل مجموعة قتالية وربطها ببعضها البعض. لكنّ استجابة «المِحوَر» في الوقت الذي تقصف فيه إسرائيل «حزب الله» في لبنان في الأسابيع الأخيرة - وتقتل العديد من قادته وتغتال زعيمه - كانت ضعيفة حتى الآن، ممّا يشير إلى أنّ «المِحوَر» أضعف وأكثر تفتّتاً ممّا كان يتوقّعه كثيرون في المنطقة، وأنّ إيران تخشى أن يؤدّي توسيع الحرب إلى جعل إسرائيل توجّه قوّتها النارية نحو طهران.
ويوضح علي ألفونه، زميل بارز في معهد دول الخليج العربي في واشنطن، أنّ «كان ما يسمّى بـ«مِحوَر المقاومة» منذ البداية أكثر أو أقل خيالاً دعائياً لزيادة هيبة الجمهورية الإسلامية».
في السنوات الأخيرة، أشار ألفونه إلى أنّ أعضاء الشبكة حقّقوا بعض الانتصارات العسكرية الصغيرة، «لكن عندما يتعلّق الأمر بمنافسين أكثر جدّية أو فاعل دولي مثل إسرائيل، فإنّها لعبة مختلفة».
وجمعت إيران المِحوَر من مجموعات مسلّحة تتشارك العداء تجاه إسرائيل والولايات المتحدة، لكن حتى ذلك الحين كانت تقاتل معارك محلية أكثر. وتصنّف الولايات المتحدة معظمهم كمنظمات إرهابية.
كان أعضاء «حماس»، الذين هم في الغالب لاجئون فلسطينيّون أو من نسلهم، يقاتلون إسرائيل بشكل مباشر لعقود، آخرها في غزة.
في سوريا - الدولة الوحيدة العضو في المِحوَر إلى جانب إيران - حافظت حكومة الرئيس بشار الأسد على حالة حرب رسمية مع إسرائيل، لكنّها أبقت الحدود المتنازع عليها هادئة.
كما دعمت إيران الميليشيات المناهضة لإسرائيل في سوريا والعراق، فسلّحت بعض المجموعات التي قاتلت الولايات المتحدة بعد غزوها عام 2003، ثم قاتلت تنظيم الدولة الإسلامية. وعندما اكتسبت هذه المجموعات نفوذاً سياسياً، منحت إيران نفوذاً في السياسة الداخلية للعراق.
لكنّ «حزب الله»، الذي تشكّل في لبنان بتوجيه إيراني مباشر في أوائل الثمانينات، كان منذ فترة طويلة العضو الأقدم في المِحوَر، وزعيمه المغتال مؤخّراً، حسن نصر الله، كان الرابط الذي ساعد في إبقاء المِحوَر موحّداً. بسبب تاريخه الطويل واتصالاته الوثيقة بإيران، حيث تلقّى العديد من قادته تدريباتهم، يتمتع «حزب الله» بمهارات تكتيكية قتالية أفضل وتسليح متفوّق مثل الصواريخ الموجّهة.
وعلى عكس الإيرانيِّين، يتحدّث المقاتلون اللبنانيّون العربية، ممّا يسمح لـ«حزب الله» بإرسال خبرائه لمشاركة المهارات مع المجموعات الأخرى، مثل تحسين قدرة «حماس» على بناء الأنفاق، وزيادة قدرات الصواريخ والطائرات المسيّرة للعراقيِّين والحوثيِّين. كما طوّر نصر الله علاقات شخصية مع قادة المجموعات الأخرى، فكان بمثابة مستشار ونموذج يحتذى به.
لهذا السبب، فإنّ سلسلة الهجمات السريعة التي شنّتها إسرائيل على «حزب الله» خلال الأسبوعَين الماضيَين - إذ فجّرت الآلاف من أجهزته وأجهزة اللاسلكي وقتلت العديد من قادته الكبار واغتالت نصر الله بقنابل ضخمة جنوب بيروت - هزّت أعضاء المحور الآخرين بشدّة. ويبدو أنّهم لم يكونوا مستعدّين لاحتمال تعرّض «حزب الله» إلى خسائر فادحة.
ولا يزال من غير الواضح سبب عدم مساعدتهم لـ«حزب الله» في الأسابيع التي كانت إسرائيل تُصعِّد فيها هجومها أو في الأيام التي تلت مقتل نصر الله، لكن يبدو أنّ هناك اعتقاداً راسخاً بينهم بأنّ «حزب الله» يمكنه الصمود أمام إسرائيل. وتردُّد إيران في إصدار ردّ فوري - على الأقل حتى الآن - تركهم غير واضحين بشأن الخطوات العسكرية التالية.
في سوريا، انتظر الأسد يومَين بعد وفاة نصر الله لإصدار بيان نعي له، على الرغم من أنّ «حزب الله» أرسل آلاف المقاتلين لصَدّ المتمرّدين الذين هدّدوا حكومته قبل بضع سنوات فقط.
أمّا «حماس»، فهي منهكة جداً من حرب دامت قرابة العام مع إسرائيل في غزة. فيما أطلق الحوثيّون في اليمن والميليشيات في سوريا والعراق هجمات استهدفت إسرائيل أو القواعد العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، لكن هذه الهجمات تمّ صدّها إلى حَدٍّ كبير.
حتى إيران نفسها، مؤسِّسة المِحوَر، لم تتخذ حتى الآن أي إجراء واضح لإنقاذ «حزب الله» أو الانضمام إلى القتال. وتحدّث الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، لقادة العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، أنّ حكومته تريد تهدئة التوتّرات والتعاون مع الغرب. واقترح المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، أنّ «حزب الله» عليه أن يُحدّد مساره الخاص إلى الأمام.
وأضاف خامنئي: «جميع قوات المقاومة تقف إلى جانب «حزب الله». سيكون «حزب الله»، على رأس قوات المقاومة، مَن سيحدّد مصير المنطقة».
وتبدو طهران ممزّقة بين الرغبة في الانتقام من إسرائيل والخوف من أن يؤدّي ذلك إلى هجوم إسرائيلي مباشر على إيران.
وأقرّ كاوا حسن، زميل غير مقيم في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز ستيمسون: «إنّهم في مأزق استراتيجي، لأنّه إذا لم يفعلوا شيئاً فسيُضعفهم ذلك أكثر ويُضعِف مصداقيّتهم وردعهم». لكن إذا رَدّ الإيرانيّون، فإنّه قد يخاطر باستفزاز إسرائيل في وقتٍ تبدو فيه «مستعدة جداً لملاحقتهم».
وقد قدّم الخبراء تفسيرات مختلفة للردّ الضعيف - حتى الآن على الأقل - من حلفاء «حزب الله» الإقليميِّين.
كان التحالف دائماً فضفاضاً، إذ تركت إيران إلى حَدٍّ كبير أعضاء المِحوَر أحراراً في اتخاذ قراراتهم الخاصة، حتى عندما كان ذلك يعني بدء معارك تسبّبت في صداع لإيران. وخالف الحوثيّون نصيحة إيران وحاولوا السيطرة على كل اليمن، ولم تنسّق «حماس» مع إيران قبل أن تشنّ هجومها في 7 تشرين الأول على إسرائيل الذي أشعل الحرب في غزة.
منذ وفاة نصر الله يوم الجمعة، أعلن قادة مجموعتَين مسلحتَين في العراق لصحيفة «نيويورك تايمز» إنّهم لم يتلقّوا أي تعليمات من إيران حول كيفية الردّ. وتحدّث أحدهم بشرط عدم الكشف عن هويّته حتى لا يُغضِب راعيه، بقوله إنّ الجميع ما زالوا في حالة صدمة من مقتل نصر الله.
وأوضح توماس جونو، الذي يدرس الشؤون العامة والدولية في جامعة أوتاوا، إنّه طالما أنّ العنف بين إسرائيل وخصومها كان منخفض المستوى، يمكن لإيران الحفاظ على «صورة أنّ مِحوَر المقاومة كان، إذا لم يكن منتصراً، على الأقل يحقّق نقاطاً مهمّة».
لكن بمجرّد أن أحضرت إسرائيل كامل وزن تفوّقها العسكري والتكنولوجي، طغت على «حزب الله». وأضاف جونو: «نحن في حرب تقليدية، وسيطرة إسرائيل الكبيرة والواضحة الآن أصبحت واضحة».
مع ذلك، حذّر الخبراء من أنّ أعضاء الشبكة لا يزالون لاعبين إقليميِّين مهمّين. حتى لو واجه أعضاؤها صعوبات في الأشهر الأخيرة لإلحاق ضرر بالغ بإسرائيل، فإنّ الرعاية الإيرانية حسّنت بشكل كبير من معرفتهم العسكرية، ممّا زاد من قدرتهم على ممارسة النفوذ في جوار إسرائيل.
وأبرز مثال على ذلك، الحوثيّون، الذين تحوّلوا من ميليشيا بسيطة إلى قوة قادرة على تعطيل حركة المرور البحرية في البحر الأحمر، وأرعبت المملكة العربية السعودية لسنوات بصواريخها، على الرغم من أنّ المملكة أنفقت مليارات الدولارات على الأسلحة الأميركية. علاوةً على ذلك، بينما وجّهت إسرائيل ضربات عميقة لـ«حزب الله»، فإنّ تاريخ المنطقة مليء بالأمثلة على عودة هذه الجماعات بشكل عنيف، كما فعل «حزب الله» بعد آخر حرب له مع إسرائيل في عام 2006، وكما فعلت «حماس» عندما صدمت إسرائيل بهجومها في 7 تشرين الأول.
وستؤدّي العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية، والآن لبنان على الأرجح، إلى تغذية الغضب الذي يدفع الناس للانضمام إلى هذه الجماعات، بحسب اعتقاد داليا داسا كاي، زميلة بارزة في مركز العلاقات الدولية في جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس، مضيفةً: «سيكون هناك الكثير لجذب المزيد من الدعم والمجندين للمقاومة».