«إنّ الأوهام هي التي تجعل الحياة أمراً يمكن احتماله، لذلك يكره الناس الحقائق، لأنّها تبدّد الأوهام وتضعهم أمام مرارة الواقع» - كولن ولسن
يقول بنجامين فرانكلين: "لم تكن أبداً هناك حرب جيدة، ولم يكن هناك أبداً سلام سيئ"، وهذا سِرّ الخلاف بين الحرب والسلام. الحرب قاتلة للجميع، حتى مَن بقيَ على قيد الحياة؛ على عكس السلام، الذي ما هو إلّا نهضة للحياة وتجديد لها.
وقد خاضت البشرية منذُ الأزل الكثير من الحروب التي راح ضحيّتها الملايين من البشر، وتهدّمت فيها الآلاف من المُدن واستهلَكت ما يملكه البشر من الموارد الاقتصادية في سبيل تحقيق المعاناة والهيمنة على العالم، والحرب مهما كانت أسبابها فهي مشروعٌ للموت، ولا تُحقّق السلام العادل بين الشعوب والأمم.
ويعرّف البعض "السلام" بأنّه تحقيق العدالة والاستقرار الاجتماعي. أمّا بالنسبة إلى الآخرين، فهو الرفاهية الاقتصادية والحرّية الأساسية. ويمكن أن يكون صنع السلام عملية ديناميكية لإنهاء النزاع من خلال التفاوض والمفاوضات.
غالباً ما يكون السلام غير مستقر، إذ نادراً ما يتمّ حل مصادر النزاع أو القضاء عليها تماماً وخصوصاً في شرقنا الأوسط والأسباب أكثر من معروفة....
من أعمق وأروع ما كتب "أنطون تشيخوف"، قصة قصيرة جداً بعنوان "المغفَّلَة" ختمها بالقول: "ما أبشع أن تكون ضعيفاً في هذه الدنيا"!
جاء في محرّكات البحث الكبرى، أنّ تاريخ الحروب بدأ قبل فجر الحضارة، كانت الحروب عبارة عن إغارات على نطاق صغير. نصف الناس الذين وُجدوا في مقبرة نوبية تعود إلى 12,000 سنة قد ماتوا نتيجة للعنف. ومنذ ظهور الدولة منذ حوالى 5,000 سنة مضت، بدأ النشاط العسكري في مناطق كثيرة من العالم.
وأدّى ظهور البارود وتسريع وتيرة التقدّم التكنولوجي إلى الحروب الحديثة. ذكر لورانس هـ. كيلي في كتابه "الحرب قبل الحضارة"، وهو أستاذ في جامعة الينوي، أنّ ما يقرب من 90-95% من المجتمعات المعروفة على مَرّ التاريخ قد شاركت على الأقل في حرب عرضية، وخاضت العديد منها باستمرار.
في أوروبا الغربية وحدها ومنذ أواخر القرن الثامن عشر، كان هناك أكثر من 150 من الصراعات والمعارك في ما يقرب من 600 مكان. ووثّق تقرير الأمن البشري لعام 2005 انخفاضاً كبيراً في عدد وشِدّة الصراعات المسلحة منذ نهاية الحرب الباردة في أوائل التسعينات.
مع ذلك، فإنّ الأدلة التي اختُبرت في طبعة عام 2008 من مركز التنمية الدولية وإدارة النزاعات في "السلام والصراع"، أشارت إلى أنّ الانخفاض العام في الصراعات قد توقف وبدأ في الارتفاع.
"وحدها الحرب لا تحتاج إلى قبور، فالحرب قبر، الحرب لا تحتاج إلى أضرحة وشواهد، فالحرب ضريح نفسها، حتى المخيّم، ما هو المخيّم؟ إنّه ضريح فلسطين". تُعَدُّ رواية "باب الشمس" واحدة من بين أبرز الروايات التي تناولت القضية الفلسطينية، وصدرت طبعتها الأولى عام 1998 عن دار الآداب، وتُرجِمت إلى لغات عدة، وقد صُنِّفت ضمن أفضل 100 رواية عربية في القرن العشرين، وفقاً لقائمة اتحاد الكتاب العرب. كما قدّمها المخرج المصري يسري نصر الله في فيلم سينمائي من جزءين.
في أكثر من 500 صفحة يرسم الكاتب اللبناني إلياس خوري صورة ملحمية للسردية الفلسطينية، تمتدّ ما بين أحداث الثورة العربية الكبرى عام 1936 وحتى أوائل تسعينات القرن الماضي، مروراً بأحداث النكبة والشتات، وأحداث الحرب الأهلية اللبنانية ومذبحة صبرا وشاتيلا، وأيلول الأسود، وذلك في بناء مراوغ ينتقل فيه عبر الزمن ما بين الحاضر والماضي.
وقد اعتمد الياس خوري في روايته على عدد ضخم من الشهادات التي جمعها من المخيّمات، فجاءت الرواية حيّة، بشخصيات من لحمٍ ودَم تحفل بعشرات القصص التي تشبه قطع فسيفساء في لوحة كبيرة تضجّ بالموت والألم.
وفي حين تمنع إسرائيل على الآخرين الأمن والعيش باستقرار وسلام، تعطي لنفسها الأولوية لأمنها في مواجهة الأعداء الذين خلقتهم من خلال أعمالها الإجرامية. الأعداء الذين شرّدتهم من بلادهم إلى عالم الأموات أو بلاد الشتات...
من الصعب الجمع بين هَوَس إسرائيل وعقلها المريض بأمنها والسلام، الذي يُصبح معها الشعار الإسرائيلي “شالوم” (السلام) عبارة فارغة تماماً؛ ونظراً للطبيعة الاستعمارية لإسرائيل، لم يكن من الممكن أن يكون الأمر خلاف ذلك.
في غياب السلام، فإنّ بلدان المنطقة بشكلٍ مباشر وغير مباشر ستتعرّض في نهاية المطاف إلى مخاطر أعظم نتيجة للسلوك الحربي الضال الذي تنتهجه العدوانية الإسرائيلية الهمجية، بكل ما يترتّب على ذلك من عواقب كارثية. مع ذلك، تُظهِر التجربة أنّ الدول الغربية التي تتعاطف مع إسرائيل تفضّل تأجيل المشاكل، لأنّ ذلك قد يكلّف قادتها أصواتاً في الانتخابات.
في الواقع، الولايات المتحدة على وجه الخصوص في وضع يمكنها من إكراه إسرائيل حقاً. لكن بما أنّ المرشحَين للرئاسة هناك معرّضون إلى خطر خسارة الانتخابات إذا لم يتخذوا موقفاً مؤيّداً لإسرائيل، فلا يمكن توقّع الكثير من هذا الجانب في الوقت الحالي أو ذاك.
"الميل نحو العنف عائق للحضارة"... قال فرويد في كتابه "قلق في الحضارة" عام 1929 "إنّ الإنسان ذئب لأخيه الإنسان. مَن سيكون شجاعاً بما يكفي للتشكيك في هذه الحقيقة المؤكّدة؟"... ورأى فرويد أنّنا الأعداء الحقيقيِّون لأنفسنا، وأنّ الحضارة الإنسانية مهدّدة إذا لم يتغيّر سلوك بعضنا تجاه بعض. هاجمه النازيون أولاً، ثم الفاشيون بعد ذلك، لكنّ فرويد لم ينحَز على الرغم من ذلك لأميركا، التي رأى في ثقافتها هوساً مَرضِياً بالمادة.
وربما كان هذا الموقف واحداً فقط بين استبصارات كثيرة أثبتت أهمّيتها لعالمنا اليوم، بالضبط كما كانت عندما كتبها فرويد لأول مرّة. لقد جادلت إسرائيل في كثير من الأحيان في الماضي بأنّها لا تملك شريكاً فلسطينياً مناسباً للتفاوض معه، لكن من المشكوك فيه إلى حَدٍّ كبير ما إذا كانت إسرائيل نفسها، بكل جرائم الحرب التي ارتكبتها، شريكاً مناسباً في هذا الصدد.
باختصار، بعد ما شاهدناه ونشاهده، لا يمكن توقّع السلام مع إسرائيل في ظل الظروف الحالية، ولا حتى في الأجل الطويل. إنّ قبول الفلسطينيِّين والدول العربية لإسرائيل بعد ما جرى ويجري في غزة ولبنان هو معجزة، وينبغي أن تكون إسرائيل على ركبتَيها جاثيةً ممتنّةً إذا كان من الممكن قبولها على هذا النحو أو ذاك.
لكنّ إسرائيل متعجرفة جداً بسبب تفوّقها العسكري، وتريد الاحتفاظ بكل شيءٍ وأي شيء، وتفضّل أن يكون ذلك مع أقل عدد ممكن من الفلسطينيِّين أو عدم وجودهم على الإطلاق في بلادهم التي احتلتها بوعد مِمّن لا يملك ولمن لا يستحقّ، وذلك بناءً على المقولة المزيّفة :"أرضٌ بلا شعب لشعب بلا أرض!".