في ظل الإضرابات والاحتجاجات، يدفع العديد من الإسرائيليِّين حكومتهم لإعطاء الأولوية للإفراج عن الرهائن قبل "تحقيق الهزيمة النهائية لحركة حماس". ومع ذلك، يرفض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تغيير مساره.
عندما بدأت أكبر نقابة في إسرائيل إضراباً الإثنين، بُنيَ على أوسع احتجاجات مناهضة للحكومة منذ بدء الحرب في غزة، وكانت المجموعة تأمل في إقناع الحكومة بالموافقة بسرعة على وقف إطلاق النار. لكنّ جهودها سرعان ما باءت بالفشل، إذ استجابت النقابة التي تمثل 800,000 إسرائيلي، إلى أمر قضائي بإنهاء الإضراب، فاختُتم أمس بخطاب متصلّب من نتنياهو، رفض فيه التنازل في المفاوضات مع حماس ووجّه بشكل ضمني انتقادات للمتظاهرين على زعزعة التماسك الاجتماعي في إسرائيل.
على الرغم من واحدة من أكبر مظاهر المعارضة في زمن الحرب في تاريخ إسرائيل، إلّا أنّ اللحظة المؤثرة عاطفياً لم تُترجَم إلى نقطة تحوّل سياسية. ويرى أريئيل كاهانا، معلّق في صحيفة "إسرائيل هيوم" اليمينية أنّه "سياسياً، كان يمكن أن يكون الوضع أسوأ بكثير بالنسبة إلى نتنياهو. يبدو أنّ المعارضة قد خسرت".
في حين تسبّب الإضراب في تباطؤ أو تعليق الخدمات في آلاف المدارس وعدة بلديات، وشبكات النقل والمستشفيات، إلّا أنّ بعض القطاعات تأثّرت جزئياً فقط. ورفضت العديد من السلطات المحلية والمؤسسات المشاركة.
على عكس ما حدث في آذار 2023، عندما أدّى إضراب عام واحتجاجات جماهيرية إلى دفع نتنياهو لتعليق خطة مثيرة للجدل لإصلاح القضاء، هذه المرة حافظ حزبه اليميني على الوحدة العامة التي أظهرها طوال الحرب. لكن كان يوآف غالانت، وزير الدفاع، الوحيد الذي صوّت ضدّ قرار حكومي مؤخّراً يُقيّد الظروف التي يمكن أن توافق فيها إسرائيل على وقف إطلاق النار، ولم يخالف أي من المسؤولين الكبار الآخرين من حزب الليكود علناً.
في خطابه، بينما حاول مزيد من المحتجّين اقتحام خطوط الشرطة بالقرب من مقر إقامته الخاص في القدس، أوضح نتنياهو إنّ "الشرط الأول للنصر في هذه الحرب الوجودية هو الوحدة الداخلية. علينا أن نقف معاً كواحد ضدّ عدو قاسٍ يُريد تدميرنا جميعاً".
وتعكس تحدّيات نتنياهو واختلافه مع منتقديه الانقسام المتزايد داخل إسرائيل حول الأولويات الحالية للدولة. إذ يُطالب المتظاهرون الحكومة بالتنازل والموافقة على وقف إطلاق النار وصفقة إطلاق سراح الرهائن حتى لو كان ذلك يسمح لحماس بالبقاء. فيما يُريد أنصار الحكومة الصمود من أجل صفقة تُسهِّل على الجيش الإسرائيلي مواصلة القتال بعد هدنة قصيرة، حتى لو أدّى ذلك إلى تأخير إطلاق سراح الرهائن ووفاة المزيد منهم في الأسر.
جرت مراسم دفن بعض الرهائن الـ6 القتلى ظهر الإثنين بحضور حشود ضخمة من المشيّعين. وأمَلَ جيل ديكمان، ابن عم كارميل جات الرهينة التي دُفنت، أن " تكون هذه نقطة تحوّل. من المهم تدمير حماس، لكن يجب تحرير الرهائن أولاً. يجب أن نتحرّك الآن وندخل في هذه الصفقة. يجب أن ننقذ الأرواح قبل فوات الأوان".
بحلول الليل، لم يُلبَّ مطلب ديكمان، غذ ضاعف نتنياهو رفضه الانسحاب من المناطق الاستراتيجية في غزة، وهو أحد مطالب حماس الأساسية. ويرجع جزء من عدم تراجع رئيس الحكومة إلى أنّ المتظاهرين ليسوا من قاعدته اليمينية، ممّا يعني أنّه لا يواجه تكلفة سياسية كبيرة لتجاهلهم.
ويتقبّل أنصار نتنياهو اليمينيّون إلى حَدّ كبير حجّته في التعامل بصلابة مع حماس. ومن المرجّح أن يعزّز الإضراب والاحتجاجات صورة نتنياهو في أعيُن الإسرائيليِّين اليمينيِّين، لأنّهم يشعرون بأنّه يتعرّض إلى الانتقاد بسوء نية، فيشرح ناداف شتراوخلر، المحلّل السياسي والمستشار السابق لنتنياهو أنّ "الإضراب جائزة للإرهاب. بالنسبة إلى الكثيرين في اليمين، هذا غير معقول". وما يدلّ على دعم اليمينيِّين المتطرّفين لرئيس حكومتهم، ما نشرته تالي غوتليف، وهي نائبة ليكودية: "هذا هو الأسلوب! السيد رئيس الوزراء، عرض للقوة والقيادة".
عام 2023، ساعدت الأصوات المعارضة المتزايدة من جناح الليكود المعتدل في إقناع نتنياهو بإبطاء وتيرة إصلاحه القضائي. لكن الآن، هناك معارضة أقل داخلية. فكان غالانت العضو الوحيد المعارض. ويضيف شتراوخلر أنّ "لا أحد في الليكود يقول: سنطيح بك. المعارضة الوحيدة هي من غالانت".
قد يكون بعض المعتدلين السياسيين قد تراجعوا عن المشاركة بسبب النبرة الاتهامية للاحتجاجات والإضرابات، بحسب كاهانا. وقد يكون آخرون قد تجنّبوا الانضمام إلى الإضراب لأنّهم يشعرون أنّ الاضطرابات الاجتماعية خلال الأشهر الـ9 الأولى من عام 2023 جعلت إسرائيل أكثر عرضة لهجوم حماس في أكتوبر.