رئيس الإتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين MIDEL وعميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف USJ
لا شك في أنّ أكثرية اللبنانيين لا يريدون الحرب، ويعيشون يومياً في هذا الكابوس المخيف، لأنهم خسروا كل مقوّمات الصمود وعزيمة وقدرة إعادة البناء، ولا يريدون أن يدفعوا مجدّداً ثمن حرب الآخرين على أرضهم، لكن من وراء الستار، هناك بعض الأيادي السود تراهن على الحرب وتنتظرها بفارغ الصبر، إذ إن هدفهم هو بناء ثروات جديدة جرّاء سوق سوداء من الحرب، والتهريب والتبييض والترويج، ليصبحوا مجدّداً ملوك الحرب والأغنياء الجدد.
إننا كلبنانيين ذقنا أهوال الحرب مرّات عدّة، ونعرف كلفتها بالأرواح والدماء والتخريب والتدمير وإنهيار الإقتصاد وتداعي العدالة الإجتماعية. وندرك أيضاً تماماً من خبرتنا الموسعة في هذا المجال، أن الحروب تولّد فقراء جدداً الذين يخسرون كل ممتلكاتهم وأرزاقهم ومداخيلهم وجنى عمرهم، في مقابل طبقة جديدة من الذين ينتظرون ويراهنون على الحرب لبناء ثروات هائلة جرّاء تهريب المواد الأساسية، والأدوية والمحروقات وكل السلع الضرورية، ليصبحوا الأغنياء الجدد.
لسوء الحظ، نعلم أن الحرب لو حصلت، لا سمح الله، أن معظم اللبنانيين سيخسرون كل ما تبقى من ممتلكاتهم وأموالهم المتبقية البخسة، وسيُذلون مرة أخرى، لكن هذه المرة لن يستطيعوا إعادة بناء حجرة أو زجاجة. أما المستفيد الأول فسيكون حيتان السوق السوداء والمافيات المجهّزة التي تتاجر بحياة اللبنانيين وشبكات التهريب الجاهزة والمزروعة والتي تتهيأ ليلاً نهاراً بإنتظار الحرب بفارغ الصبر. فبدأوا هؤلاء تخزين الحليب والطعام والأدوية والفيول والبنزين وكل السلع الأساسية، وجهّزوا كل طرق التهريب، وحتى أنهم جاهزون لتنظيم هجرة ما تبقى من أولادنا عبر بواخر الذلّ للهروب من أرضهم الأم، وعدم العودة للبنان الجديد الذي سيكون بعد أي حرب جديدة بلد المافيات والأيادي السود.
لا شك في أن هؤلاء المهرّبين والمروّجين والمبيّضين الذين يفركون أياديهم ويُراهنون على الحرب، يستفيدون من بعض الغطاء الحزبي والسياسي وحتى الطائفي، ويتهيأون للإستفادة المباشرة من السوق السوداء الجديدة على كل السلع الأساسية على حساب الإقتصاد الأبيض ليطعنوا به مجدداً وحتى يقضوا عليه هذه المرة.
لم ولن ننسى أنه منذ نحو خمس سنوات من أكبر أزمة إقتصادية وإجتماعية ومالية ونقدية في تاريخ العالم، شاهدنا وإختبرنا كيف أن القسم الأكبر من اللبنانيين قد خسر جنى عمره وودائعه، وحياته الكريمة، وكيف أن الجزء الآخر إستفاد من هذه الأزمة الفريدة جرّاء السوق السوداء والإتجار بالعملات والمواد الأساسية، وبنى ثروات جديدة من وراء التهريب والترويج والتبييض والفساد في إقتصاد الكاش الجديد على حساب شعب منكوب وذلول ومسروق.
في الأيام الاخيرة، ذقنا طعم كأنه تحضير لهذه السوق السوداء الجديدة، من وراء إنقطاع التيار الكهربائي، وإنقطاع المياه وإستغلال أصحاب المولّدات والصهاريج بإرتفاع الأسعار، وتحضير الشعب على ما سينتظره في حال الحرب الشاملة.
في المحصّلة، نذكّر ونشدّد على أن الجزء الأكبر من اللبنانيين لا يريدون ولا يستطيعون التعايش في أي حرب جديدة، لكن هناك فئة صغيرة تراهن على الحرب، وتريد أن تعيش في جوّ الحروب والتدمير، لتكون ملوك سوق السوداء وحيتان التهريب وأقطاب التبييض وبنّائي الهجرة والتهجير.