قفزت المبادرة الثلاثية التي أطلقتها الولايات المتحدة الأميركية ومصر وقطر لاستئناف المفاوضات لوقف اطلاق النار في غزة الى الواجهة متقدمة بنسختها "الثانية المعدلة" بقية المبادرات الدولية والمنفردة التي انهارت واحدة تلو الاخرى. وفي انتظار الإعلان عن مكان انعقاد اللقاء الأول في 15 الجاري في الدوحة او القاهرة طرحت أسئلة حول مدى ارتباطها بالمتغيرات الطارئة على تركيبة قيادة "حماس" بانتخاب يحيى السنوار وقبلها بالرد على الاغتيالات الاسرائيلية الاخيرة. وهو ما فتح النقاش على اكثر من سيناريو، وهذا بعض منها.
ليست المرة الاولى التي تطلق فيها الولايات المتحدة الاميركية ومصر وقطر مبادرة ثلاثية موحدة للتوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة وما يمكن ان يعكسه إيجابا على بقية الجبهات المساندة من جنوب لبنان إلى اليمن والعراق وصولا الى طهران. بالاضافة الى ما يمكن ان تواكبها من إجراءات تتصل بتبادل الاسرى لدى "حماس" بالمعتقلين الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية على الطريق الى انهاء الحرب وتحديد المسارات التي تنطلق من مشروع "اليوم التالي" في مقاربة جديدة لما سيكون عليه الوضع في قطاع غزة مستقبلا وربما الضفة الغربية وصولا الى الترتيبات الواجب اتخاذها على الجبهات الملحقة بها.
وقبل الدخول في مسلسل التوقعات التي تلت الإعلان عن المبادرة الجديدة، ينبغي الإشارة إلى أنها اكتسبت توقيع اعلى المراتب في الدول الثلاثة. وهو ما ترجمه البيان المشترك الذي صدر الخميس الفائت عن كل من الرئيسين جو بايدن وعبد الفتاح السيسي وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. كما بالنسبة الى العناوين الثلاثة التي ركزوا عليها انطلاقا من الخطوة الاولى المتعلقة بوقف النار، وتقديم الإغاثة الفورية للشعب الفلسطيني في غزة والافراج عن الاسرى والموقوفين لدى طرفي النزاع. وهو ما تقاطعت عنده مصادر ديبلوماسية وسياسية لبنانية واجنبية فدعت عند البحث في توقيته الى ضرورة التوقف عند اكثر من محطة فاصلة يمكن ان تقود الى مثل هذا الخيار. ومنها:
- تذكير البيان بمضمون المبادئ التي وضعها بايدن وأقرها القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي تحت الرقم 2735 بتاريخ العاشر من حزيران الماضي والذي لم يحظى بالتنفيذ. وهو ما يعني اصرارا اميركيا على تجاوز الشروط التي حالت دون ذلك، ولا سيما من الجانب الاسرائيلي الذي تبرأ من بعض ما جاء فيه نافيا ان يكون تتضمن أيا من مقترحاته.
- ضرورة السعي بما اوتي الجميع من قوة لتحاشي اي خطأ أو "دعسة ناقصة" تؤدي الى تصعيد العمليات العسكرية في اتجاه الحرب الشاملة عقب الاغتيالين اللذين نفذتهما اسرائيل في الضاحية الجنوبية لبيروت وطهران وأوديتا بحياة كل من القائد السياسي في حركة حماس اسماعيل هنية والقائد العسكري في "حزب الله" فؤاد شكر. ذلك ان اي تفاهم على خطوات سياسية وديبلوماسية استباقية، لربما شكلت بديلا من اي خطوة عسكرية قد يقدم عليها اي طرف، وحصر ردات الفعل في شكل لا يقود الى الحرب ان كانت مرفوضة بالفعل لدى جميع الأطراف. وقد يكون ذلك سببا لتفعيل هذه التعهدات وترجمتها بالفعل لا بالقول وخصوصا ان وضعت هذه الاغتيالات على لائحة "العمليات الامنية" التي لا تشكل مسا بـ "قواعد الاشتباك" المعمول بها منذ بداية الحرب.
- إن تحديد 15 آب الجاري موعدا عاجلا للاجتماع المخصص لمناقشة المبادرة سواء عقد في الدوحة او القاهرة قد يكون مناسبا ليكون السقف الاقصى لأي رد محتمل من جانب "محور الممانعة" على عمليتي الاغتيال الأخيرتين إن بقي قائما والتصدي لنتائجه بخطوات سياسية وديبلوماسية عاجلة وفورية تحد من تأثيراته السلبية ويتحول تلقائيا كآخرعروض القوة المتبادلة.
والى هذه الملاحظات فقد اضافت المراجع الديبلوماسية والسياسية ان المبادرة الثلاثية الجديدة لم تخرج عن سياق ما هو مطروح من خطوات وهي بما تسرب منها حتى أمس الجمعة لم تأت بجديد. فهي تعيد تاكيد المراحل الثلاثة لمبادرتهم الاولى في الثلث الأخير من كانون الثاني الماضي وان أخضعت الى تعديلات فهي شكلية، علما انها كانت تقول بالآتي:
- المرحلة الأولى : وقف القتال لفترة غير محددة، وإطلاق "المدنيين" الإسرائيليين المختطفين مقابل مئات من المعتقلين الفلسطينيين. على ان يترافق ذلك مع انسحاب الجيش الإسرائيلي من مدن في قطاع غزة والتوقف عن جمع معلومات استخبارية من الجو.
المرحلة الثانية: تطلق حماس "مجندات" إسرائيليات وجثامين مختطفين قتلى، وتطلق إسرائيل معتقلين آخرين.
المرحلة الثالثة: تطلق حماس جنودا إسرائيليين أسرى لديها. ويقوم الجيش الإسرائيلي بانسحابات أخرى من القطاع.
وعند البحث عن المزيد من التفاصيل والتعديلات المقترحة التي يمكن ان تحيي هذه المبادرة، وعلى خلفية ان المواقف الإسرائيلية لم تتبدل بعد، ربطت المصادر المتابعة ما جرى بما استجد على الساحة الفلسطينية بعدما تقدم المقرر الفعلي في حركة "حماس" يحيى السنوار في اي مفاوضات الى الموقع السياسي المتقدم. ما يؤدي الى تجاوز التعقيدات التي شهدتها المفاوضات، ويختصر الآليات السابقة ما بين قيادتي الداخل والخارج على رغم من العوائق الناجمة من وجود السنوار متخفيا في أنفاق القطاع وصعوبة تأمين التواصل المباشر معه.
ولتتويج هذه المؤشرات أشارت المصادر عينها الى ان الموقف الاميركي من انتخاب السنوار قد يدفع بهذه المبادرة الى الامام. فقد كان لافتا تعليق وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن على انتخابه، بقوله "انه كان صاحب القرار النهائي في اي مفاوضات من اجل وقف اطلاق النار". مضيفا بما معناه "ان الرهان بات ممكنا للتعاطي مع مواقف واضحة ونهائية، لا تحتمل اي التباس كما حصل في السابق عندما تعددت الرؤوس المقررة والتشكيك بما تم التداول به من شروط تسببت بتعقيدات متعددة".
وبناء على ما تقدم من المؤشرات، تراهن مراجع سياسية وديبلوماسية لبنانية على إمكانية تحقيق تقدم في مساعي التهدئة ولو كان محدودا، فهو يوفر على لبنان مزيدا من المآسي. ولذلك جاء الموقف اللبناني بعد اللقاء الذي جمع الرئيس نجيب ميقاتي بوزير الخارجية عبد الله بو حبيب امس مرحبا بالمبادرة الجديدة وموعدها المستعجل. وهو ما ترجمه بوحبيب في تصريحه بعد اللقاء وفي بيان صدر لاحقا عن الوزارة قال فيه ان "بيان القادة الثلاث يجسد رؤية لبنان لخفض التصعيد في المنطقة ونزع فتيل اشتعال حرب إقليمية شاملة، إنطلاقا من خطوة أولى أساسية هي الوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة وتنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 2735 المبني على مبادرة الرئيس الاميركي جو بايدن".
وبعدما عبر البيان عن شكر الحكومة لـ "قادة الدول الثلاث على الجهود الكبيرة التي يبذلونها لايقاف دوامة العنف في المنطقة، شدد على ضرورة ممارسة أقصى الضغوط على إسرائيل لالزامها بالجلوس إلى طاولة المفاوضات وتنفيذ قرار مجلس الأمن 2735، من دون أي تأخير، في اعتبارها الجهة التي تسعى للتصعيد وتضع العراقيل أمام التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار في غزة".