الفيلسوف الأرثوذكسي اللبناني..؟!
الفيلسوف الأرثوذكسي اللبناني..؟!
محمود القيسي
Friday, 14-Jun-2024 07:36

«إن من أُعطي كثيرًا.. يُطلب منه الكثير..» (السيد المسيح)

 

طالما إنّ الفيلسوف الأرثوذكسي وعرّاب المارونية السياسيّة «البروفيسور شارل مالك»، طرح النقاط الـ (9)، او الأخطار المتسلسلة أدناه.. النقاط التسع الخطيرة والمهمّة في آن وأحد عام (1974) رغم الاختلاف مع بعضها.. والخلاف مع بعضها البعض.. لماذا إذًا فجّر بعض الإنعزاليين اللبنانيين حرباً اهلية عام (1975) في لبنان والعودة الى النقطة – صفر في المعادلات (الفيزيائية الكمية) من دون حتى اكتشاف «الفيل الاسود» في غرفة نومهم، أو حتى رؤية «البحعة السوداء» القادمة من السياسة الداخلية منهم وإليهم.. والقادمة من السياسة الخارجيّة عليهم وعلى البلد..

 

كما اكتشفها لاحقًا الفيلسوف اللبناني الأميركي «نسيم طالب» في كتابه الذي نشره لاحقًا بعد عشرات السنين باللغات الإنكليزية والفرنسية والعربية لمن يريد أن يقرأ من مُنظّري المارونية السياسية وغيرها.. الحرب التي ما زالت شظاياها تتساقط علينا منذ ذلك الوقت (1975) وحتى أيامنا هذه.. عبر عناوين مراحل عديدة.. وعناوين مراحل متعددة.. ما زال اللبناني يدفع ثمنها من وجوده وبقائه وحرمانه حتى من حياة الحدّ الأدنى.. والموت البطيء بكل الأشكال والأحجام والألوان، كي يختبر الموت قبل القيامة.. الحرب التي بدأت قبل 50 عامًا .. اي 50% من عمر لبنان الكبير، قضاها اللبناني في لعبة الطاولة «النرد» السياسية.. يتقاذفه اللاعبون الكبار والصغار مثل أي «نرد» يُرمى على الطاولة.. نعم، مثل اي نرد.. يُرمى على الطاولة..؟!

 

*حدد الدكتور شارل مالك 9 أخطار مطلّة على لبنان من «مشارف المستقبل» وهي:

 

-1 بيع الأرض اللبنانية المقدّسة النادرة بالملايين، وبعشرات الملايين ومئاتها، والله وحده يدري من هم مشتروها الحقيقيون.

2- عدم ضبط الوجود اللبناني على الأراضي اللبنانية بالشكل الوافي المسؤول.

 

3- تغيّر لون الحياة والثقافة، تغيّر لون المرح والمعاملة، في الوجود اللبناني العام، بحيث يكاد يشعر اللبناني أنّه غريب في بلده، بحيث أصبحت لبنانية لبنان التي عرفناها وورثناها من الأجداد في مهبّ الريح.

 

4- هذه الهجرة المأساوية، هذا النزف المجتمعي المتواصل الكئيب، تمامًا كما كان يفعل الفينيقيون عندما كان أطفالهم محرقة لإلههم «مولوخ» وهم لا يبالون.

5- هذه القضية الفلسطينية الخطيرة المستعصية، التي سنبقى بسببها بلا راحة ولا سلام ولا اطمئنان حقيقي، إلى أن تُحلّ بشكل نهائي عادل.

 

6- الاستضعاف النسبي للوجود اللبناني الدولي، مع إننا أحوج ما نكون إلى صداقات وعلائق دولية متينة، ليس فقط بالعاطفة والشعور، بل بالسند الرسمي وفعل الصداقات لنتمكّن، بالركون إليها، من التفرّغ إلى تنظيم شؤوننا الداخلية.

 

7- هذه النظرات السائبة بلا ردع ولا حساب، التي تكره القيم والصلات اللبنانية المتوارثة، الإسلامية والمسيحية، وتحاربها بلا هوادة.

8- هذا الفساد الخلقي المستشري، بحيث انتفت كل رقعة وكل حياء. بحيث يستهتر بالجدّيات ويعبث بالعلويات، بحيث كل شيء إطلاقًا أصبح يُباع ويُشرى حتى المقدّسات ذاتها.

 

9- هذه المبالغة اللبنانية «أعني التفشيط»، بحيث نقرأ كل يوم خيالًا جامحًا يصوّر لبنان كأنّه أثينا أو فلورنسا أو باريس. ونحن في الحقيقة أبعد ما نكون عن أثينا وفلورنسا وباريس.

 

هذا ناهيكم عن وصايا مالك الأحد عشر بندًا للموارنة، مستندًا في البند الأول إلى ما ورد في أقوال السيد المسيح: «إنّ من أُعطي كثيرًا يُطلب منه الكثير». ولقد أُعطي الموارنة كثيرًا، ولذلك يُطلب منهم الكثير على ما جاء في مقدّمة كتابه عن الموارنة بعنوان: «الكثير المطلوب». كما جاء أيضًا في كتاب شارل مالك الذي أعادت جامعة الكسليك نشره: «رسالتان إلى الموارنة» عام 2010. واستعادة بعض ما كان قد توجّه به إلى الموارنة بين عامي 1974 و1980. لقد بذل جهدًا كبيرًا كي يوصل رسالتيه إلى الموارنة ويحمّلهم مسؤوليتهم الكبرى تجاه لبنان، مع محاولة إرضاء المكونات الأخرى، والإشارة إليها كشريك يتمتع بكامل المواصفات والمسؤوليات التي حمّلها للموارنة. لكنها بدت محاولة عرَضية، وبدا لبنان مسؤولية الموارنة الحصرية الأولى، على اعتبار أنّه هبة فرنسية لهم كما يؤكّدون. لقد بذل الموارنة جهدًا كبيراً لإيجاده كدولة بالطبع؛ لكن يجب لفت الانتباه أنّ فرنسا لم توجده كرمى لعيونهم كما يردّدون، بل من أجل مصالحها الخاصة في حقبة تقاسمها نفوذ الرجل العثماني المريض مع بريطانيا. والدليل على ذلك سياساتها المنحازة إلى «حزب الله» وإيران، عندما قضت مصلحتها بذلك. ولم تعد الأم الحنون.

 

شدّد شارل مالك ايضاً على الحرّية كمكون أساسي يجب الحفاظ عليه، والّا لا معنى للبنان. فماذا فعل الموارنة بالحرّية عندما أسلموا قيادهم الى «الحزب الحديدي» ومن قبل «لسوريا» و»لإسرائيل»؟

 

كما أوصاهم بالوداعة على غرار سلوك المسيح. ولقد تحاربوا في ما بينهم ومع الآخرين.

 

في رسالته الثانية، شدّد كثيرًا على السيادة والاستقلال التامين وعدم التفريط بهما في سبيل أي قضية أو ضغط أو إغراء. وسقطوا أمام إغراءات كثيرة وخضعوا للضغوط.

وطالبهم بالحرص على السيادة ومصادر الحق والحقيقة وعلى الحرّية الكيانية الإنسانية الشخصية. فلا معنى للسيادة دون حرية.

 

كما برفع الغبن عن أي طائفة وإزالة كل حرمان مادي او ثقافي عن أي فئة.

وأخيراً، الحرص على التعاون مع إخواننا في البلدان العربية دون اللفّ والدوران.

 

كل هذا ساهمت المارونية السياسية في القضاء عليه، وبالتالي على لبنان.. ناسية، او متناسية قول السيد المسيح كما جاء في معظم الأناجيل: «إنّ من أُعطي كثيراً.. يُطلب منهم الكثير»... ولقد أُعطي الموارنة كثيراً، ولذلك يُطلب منهم الكثير..!

theme::common.loader_icon