النجيب من بروكسل يفهم
النجيب من بروكسل يفهم
الدكتور كارلوس نفاع
Tuesday, 21-May-2024 07:02

ليست المرة الأولى في تاريخ لبنان المعاصر التي يقع فيها الفراغ الرئاسي بسبب الأزمات السياسية والنزاعات الخارجية التي تَظهر في مسرحيات الداخل وانقساماته الطائفية في غالب الأحيان، لكنها تشترك جميعها في كلمة سر إقليمية عابرة لصندوق ساحة النجمة. ففي فراغ 1988 ـ 1989 بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل في أيلول 1988، لم يتمكن المجلس النيابي من انتخاب رئيس جديد واشتعلت حرب الـ«سين ـ سين» بضحايا أهلية تحت رايات وشعارات وطنية، ما لبثت أن تدحرجت بالانتحار الجماعي لما عرف في حينها بـ«المنطقة الحرة».

على رغم من انتخاب الرئيس رينيه معوض في تشرين الثاني 1989 واغتياله بعد أيام، وانتخاب الرئيس إلياس الهراوي خلفًا له، أصرّ الثنائي الماروني معًا على الانتحار، فهما لم يكن لديهما رفاهية الوقت للتعرّف الى نتائج خيانة المقدّم سالم ولا ابن صبحا في زمن الانقسام حين اتبع الموارنة بطريركين عام 1280، فمن قصر نظرهما وأنانيتهما دخلنا في «ترويكا سوليدير» و«الدولة العميقة» و«غلمان عنجر».

 

كذلك، وبعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود في تشرين الثاني 2007، شهد لبنان فراغًا رئاسيًا استمر حتى أيار 2008. هذه المرة، قرر ثنائي سوليدير والمقاومة الانتحار في 7 أيار فسقطا معًا من علياء قيامة بيروت من تحت الردم ومن تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي من بوابة جزين، حتى تمّ انتخاب ميشال سليمان رئيسًا خرجوا جميعًا معه من جنة أموال مؤتمرات باريس واحد واثنين وثلاثة إلى حياد بعبدا على أمل أن يكون شبيهًا بغيبة أهل الكهف لعلهم ينجون من نار الإقليم التي التهَم ربيعها العربي الأخضر واليابس، وأسقط الحدود ودمج اللبنانيين مع طرفي النزاع، فانقسموا بين داعم لثورة السوريين على نظامهم تحت رايات متعددة المشارب والألوان وبين من فتح البحر والبر والجو للقوات الرديفة لصمود «محور الممانعة»، فسقط «إعلان بعبدا» واشتد لهيب جوبر والزبداني وحلب مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في أيار 2014، حيث انتظر المجلس النيابي انقشاع غبار معارك حلب الشرقية مسلماً لانتخاب ميشال عون رئيسًا للجمهورية، ورفعوا شعار رئيساً «صنع في لبنان» الذي أصبح جغرافياً بلا حدود، فسقطوا وسقطنا معهم إلى القعر ونسينا أنهم بشّروا بوحدة المسار والمصير، فالدمج الذي يتهمون به المفوضية العليا للاجئين قد أنجزوه في عنجر، وها هي تلد اليوم.

 

إبتلعوا المنجل ونسمع صراخهم اليوم موحّدين مطالبين بعودة اللاجئين السوريين الى سوريا من دون عودة الحدود المستباحة، يبحثون عن كبش فداء لأموال المودعين المنهوبة التي سكت عنها عبيدهم من دون أي إصلاحات اقتصادية تقفل منصّات تبييض الأموال، يذرون الرماد في العيون عَلَناً لا نرى الإهراءات الشاهدة على تفجير بيروت وتسليمهم أرصفة مرفئها مجاناً للفرنسيين، صراخهم يعلو موحدين لفتح البحر وتهجير اللبنانيين واللاجئين السوريين معاً لأن أموال الدول المانحة انخفضت بنسبة 30%.

 

حتى الصراخ قبل مؤتمر بروكسل الذي سيعقد في 27 أيار الجاري على مستوى الوزراء أتى متأخراً، فقد سبق الاجتماع الوزاري المنوي عقده يوماً للحوار قد غابوا عن فعالياته جميعاً. عُقد هذا المؤتمر في 30 نيسان الماضي في بروكسل، في حضور أكثر من 600 مشارك، بما في ذلك سوريون من جميع مناطق سوريا والدول المجاورة والمغتربين منهم، وتمّت به صياغة توصيات ملموسة لصانعي السياسات الاوروبيين. وبالتالي، يهدف اليوم الأخير من فعاليات المؤتمر بشقّه الوزاري إلى تبنّي هذه التوصيات التي لم يكتبوا منها حرفاً، إلى حشد الدعم المالي من أجل تلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً للسوريين والمجتمعات المضيفة لهم، وتجديد دعم المجتمع الدولي للحل السياسي بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2254، الذي ينأون بأنفسهم عنه على رغم من انغماسهم جميعاً وإن بنسب متفاوتة بتراب الأزمة السورية ودمائها.

 

ماذا ستقولون للناس في صباح 28 أيار بعد انتهاء المؤتمر في بروكسل؟ هل سوف تعلنون إن «حق العودة مقدس» وأنكم ستضيفون إلى احتفالاتنا القومية الى «يوم النكبة» «يوم الشام»؟ لا يا سادة، أنتم من ترك الولادات السورية في لبنان بلا تسجيل، وأنتم مَن طلب من المفوضية العليا وقف تسجيل اللاجئين السوريين عام 2015، وأنتم من توقّف عن إرسال «داتا» الحدود إلى المفوضية التي تسقط صفة اللاجئ عن غير مستحقيها حين وجدتم أن العدد انخفض دراماتيكيًا من مليون وثلاثمائة ألف إلى 800 ألف، فهذا يهدد تدفّق الدولارات إلى مستعمراتكم الطائفية. وأنتم مَن انتهك السيادة بمعابركم غير الشرعية وأكملتم عليها حتى لغويًا وأسميتموهم نازحين وكأنهم ينزحون في بلدهم، أنتم من علمهم تاريخ لبنان وجغرافيته في المدارس الرسمية ورفضتم طلب منظمة «اليونيسف» عام 2014 بتعليمهم تاريخ بلادهم سوريا حفاظًا على هويتهم ما يمكنهم للعودة يومًا.

 

لا يا سادة، ستعودون من بروكسل بِخُفَيْ حُنَيْنٍ، فالسوريون على رغم من تشتتهم يعملون بكد لتكبير حجم تمويل صندوق «التعافي المبكر» للداخل السوري بتلاوينه، والذي قد يصل إلى أكثر من نصف مليار يورو في السنة الواحدة لتمويل صمود المقيمين في مناطقهم. ولا يوجد أي برنامج لتمويل أي شكل من أشكال العودة، فلا ظهورًا لهلال إعادة الإعمار وعودة اللاجئين الحقيقية إلا مع الحل السياسي الشامل تحت عباءة عربية ـ دولية تنتج «طائفًا سوريًا»، أنتم أيضًا خارجه، فلا يُجديكم ان تنتظروا الترياق من التنازل عن مزارع شبعا بعد رأس الناقورة، لنعترف جميعاً أننا أضعنا لبنان الكبير برسالته وحملنا رسائل الاخرين بدماء ابنائنا. النجيب من بروكسل يفهم انّ باب الخلاص يُفتح بانتخاب رئيس وإطلاق عجلة الاصلاح لتنقذوا الجمهورية، فعودوا الى الانسان فيكم فيعود لبنان الرسالة الى سكة الخلاص.

theme::common.loader_icon