الثروة البترولية بين التسوية الشاملة وتطبيق القرارات الدولية
الثروة البترولية بين التسوية الشاملة وتطبيق القرارات الدولية
د. باسكال مزهر

باحثة في مجال إدارة قطاع النفط والغاز في مركز المشرق للدراسات والأبحاث

Monday, 20-May-2024 06:37

يشهد قطاع النفط والغاز، هذا القطاع الناشئ حديثاً في لبنان، تعقيدات جمّة، تنعكس بطريقة أو بأخرى على هذه الثروة التي من المفترض أن تشكّل أملاً للنهوض والخروج من النفق المظلم الذي يعيشه اللبنانيون منذ سنوات. بحيث أصبح من الواضح بالنسبة إلى المتابعين لتطوّر مسار إستغلالها على كامل المساحة اللبنانيّة، إرتباط هذا الملف بالظروف والتطورات السياسية والأمنية التي يشهدها لبنان والمنطقة. فما مدى إنعكاس التسوية المنتظرة وتطبيق القرارات الدوليّة الخاصة بلبنان على ملف النفط والغاز؟

البترول محور السياسات الداخلية والدولية
تاريخياً، شكّلت الموارد البتروليّة ولا تزال محوراً لتثبيت المصالح الدولية، بحيث إستحوذت إستراتيجيات إستثمار تلك الموارد ومخططات السيطرة على منابعها وطرق إمداداتها على حيّز مهمّ من آليّة صياغة السياسات الإقليمية والدولية، كما كان لها دور محوري في رسم وتوجيه السياسات الداخلية للدول صاحبة الموارد. فلبنان الذي يعيش أزمة بنية ونظام، أمام إستحقاقات جوهرية مرتبطة بطريقة مقاربة الدولة لملف إدارة الموارد البترولية ومدى إلتزامها بتطبيق سياسات مستدامة وسليمة داخلياً وخارجياً، تؤثر على موقعها الجيوسياسي والجيوإقتصادي على حدّ سواء.

 

 

 

الحلّ في الداخل رهن التسوية الشاملة
إنّ جيوبوليتيك النفط والغاز في شرقي البحر الأبيض المتوسط مرتبط بأزمات المنطقة التي تشهد تغييرات كبيرة في سياق رسم خارطة جديدة لها ما زالت ملامحها ضبابية حتى الساعة، بخاصة مع ازدياد حدّة التوترات العسكرية والسياسية بين دولها من جهة، وتكثيف التحرّكات الدبلوماسية الدولية في مختلف الإتجاهات من جهة أخرى.

 

 


وفي الحالة اللبنانية، فإنّ نشاط المجموعة "الخماسية" بما خصّ إيجاد تسوية مناسبة للخروج من الجمود الدستوري المتمثل بأولوية إنتخاب رئيس للجمهورية مرتبط إلى حدّ كبير بشكل النظام المنتظر، فكل هذه المعطيات سوف تؤثر على سياسات إدارة الثروة البتروليّة في ما بعد. إذ من المعلوم فاعليّة الأثر المباشر الذي يربط عملية إستغلال النفط والغاز في لبنان بطبيعة البنية الإدارية والسياسية التي تنفرد بها الخصوصيّة اللبنانية، طبعاً ضمن الملامح العامة لتصوّر الحل الشامل في لبنان والمنطقة.

 

 

 

إن لجهة إعطاء الضوء الأخضر لإعادة إطلاق القطاع ضمن استراتيجية طاقوية شاملة، أو لجهة هوية وجنسية الشركات البترولية التي سوف تدخل مباشرة على خط الإستثمار بما يعكس طبيعة العلاقات الدولية والشراكات الإقتصادية التي ستنشأ في المستقبل تبعاً لتوازن القوى والإصطفافات المستحدثة في المنطقة بحسب خارطة الطريق التي تُرسم. فكيف ستنعكس مجمل هذه الأمور، وكيف ستكون النتيجة عند إقفال دورة التراخيص الثالثة في الثاني من تموز المقبل؟ مع الإشارة إلى أنّ دورة التراخيص الثانية أقفلت من دون توقيع أي عقد.

 

 

 

القرارات الدولية وترسيم الحدود
من المفترض أن تشكّل التحركات الدبلوماسية المرتبطة بجزء منها بتطبيق القرارات الدولية الخاصة بلبنان، محوراً مهماً لما سيكون عليه المشهد السياسي المقبل. كما من المفترض أن ينسحب تطبيق القرارات الدولية ومنها القراران 1559 و1680 وعلى وجه الخصوص القرار 1701 بما خصّ موضوع ترسيم الحدود الدولية للبنان (لا سيما في مناطق الحدود المتنازع عليها أو غير المؤكّدة) على ترسيم الحدود البحرية أيضاً.
إذ من المعلوم أنّ أي مسعى لإعادة إطلاق الأنشطة البترولية في البحر اللبناني لن تكون آمنة في ظل غياب الترسيم الحدودي مع سوريا ومع قبرص، بعدما تمّ حسم مسألة الترسيم مع إسرائيل في تشرين الأول 2022، كما سوف تساهم عملية ترسيم الحدود البريّة للبنان بمكان ما بتسهيل الإفراج عن ملف البترول في البرّ اللبناني وتذليل عقبة أساسيّة تعترض البت به. طبعاً، دون إغفال دور الدولة اللبنانية في تحمّل مسؤولياتها لجهة تأمين التنظيم القانوني الخاص بالقطاع، بحيث لا يزال قانون البترول في البرّ اللبناني في الأدراج المقفلة ينتظر البتّ به، مع الإشارة إلى ضرورة مناقشة وتحديث القانون قبل إقراره، لكي يتماشى مع مقتضيات المرحلة.

 

 

فهل سيكون لتطبيق القرارات الدولية بصمة واضحة في صياغة الحل السياسي في لبنان، وبالتالي فتح المجال أمام القطاع البترولي للعمل ضمن بيئة آمنة وسليمة؟

 

 


المطلوب فصل المسار عن التعقيدات السياسية والأمنية
في ظل الوضع المتأزم الذي وصل إليه لبنان من تخبّط سياسي ودستوري وانهيار أمني ومالي، لا بدّ أن تنصّب الجهود للنظر بمتطلبات الملف البترولي بعيداً من سباق الميدان والدبلوماسية، عبر تأمين مختلف المتطلبات الداخلية لتسيير القطاع من جهة والتواصل مع الجهات الخارجية الفاعلة والمعنية بالقطاع من جهة أخرى. وذلك من خلال العمل على فصل مسار إعادة إطلاق الأنشطة البترولية في البحر اللبناني عن تعقيدات الأزمات الداخلية والخارجية المحيطة، في محاولة لكسب الوقت في تحقيق الجدوى الإقتصادية لثروة قابعة تحت البحر وتخضع لتغييرات مستمرة في موازين القوى الإقليمية والدولية. بخاصة أنّ المحيط الخارجي للبنان يشهد مساراً منتظماً لاستغلال ثرواته البترولية في شرقي البحر الأبيض المتوسط.

 


فإلى متى ستبقى ثروات لبنان أسيرةً لهذا الجمود؟

theme::common.loader_icon