بادرَ أحد المدافعين عن المصارف الى تسجيل موقف متوجّهاً الى المودعين قائلاً لهم: «إنّ الحكومة بدّدت أموالكم وعليها مسؤولية إعادتها». وكأنّ ما حصل هو مسؤولية الحكومة حصرياً وانّ المصارف كالمودعين هي ضحية، وكأنّ المصارف «ما خَصّها بشي».
هذا تصريح غريب وغير منطقي وفيه كثير من الولدنة، فتخيّلوا معي الموقف: يقوم مودع بائتمان المصرف على امواله، وبعد ان سرقت هذه الاموال على يد الحرامي او الحكومة (الفارق؟) يقول المصرف للمودع المَتعوس: «لقد سُرقت اموالك من مصرفي، دبّر راسك انا ما خصّني وشوف شو بدك تعمل مع الحرامي والحكومة».
منطق مخالف لأبسط قواعد الائتمان وعمل المصارف، فالمودع ائتمَن المصرف على امواله وتقع على المصرف كل المسؤولية تجاه المودع، فالمودع ليس المسؤول عن ادارة المصرف وعن أي قرارات يتخذها المصرف الذي عليه ان يُعيد له وديعته وفوائدها كما ارتبط معه في الاساس. وعندما يخالف الاتفاق حينها يتحمّل المصرف ذلك من امواله الخاصة. هذا اذا لم يكن هناك غش واحتيال وكان الافلاس طبيعياً. امّا في حال ثبوت وجود عمليات احتيال مالية فهناك عواقب اضافية تشمل السجن.
امّا بالنسبة الى ما يتعلق بالافلاس الطبيعي، فكان هذا غير ممكن ان يحصل لو قام مصرف لبنان المركزي بدوره الرئيسي في المراقبة بدل ان يتحوّل شريكاً للمصارف، فهو وُجِد أصلاً لمنع حصول ذلك.
اما ما حصل بين المصرف المركزي والمصارف فهو إفلاس جميع المودعين. ونقول جميع المودعين لأنّ اصحاب المصارف اغتنوا، ولذلك لا يفتحون اوراقهم ووظّفوا أقلاماً واعلاميين ومؤثرين للدفاع عنهم ويدفعون لهم من اموال المودعين.
وهنا نذكّر المصارف، وعلى رغم من تصرفاتها الشاذة، اننا نطالبها بما تبقّى لديها من تاريخ وقوع الأزمة أي تشرين الثاني 2019، ما هي قيمة الودائع التي بَقيت لدى المصرف حينها (كل مصرف على حدة)، ألم يُرجع المصرف المركزي شيئاً كما كان قد صرّح رياض سلامة حينها؟
أين ما تبقّى من الودائع؟ لماذا حين وقوع الازمة لم تخرج المصارف الى مصارحة الناس بالقول: «هذا الجزء المتبقّي لديّ من وديعتكم أعيده اليكم، امّا الجزء الآخر فهو في المصرف المركزي، سنساعدكم وسنقوم بكافة الوسائل لاسترداده؟».
لو قامت المصارف بذلك لكانت أقنعت الناس انّ القطاع المصرفي يملك الصدقية، وانّ المصارف تقوم بما يلزم لإعادة الحقوق لأصحابها. اما بالطريقة التي تتصرف بها اليوم «فالعَوَض بسلامتنا، القطاع المصرفي منهار والاقتصاد اللبناني غائب».
لذلك نقول للمصارف: «مْبَلا خَصّكن، أنتم مسؤولون عن الجزء الذي تبقّى ورفضتم إرجاعه، مسؤولون عن تقليص الودائع وتصفيتها لتفادي الخسائر على حساب المودعين. اما القسم الذي أخذه المصرف المركزي فمسؤوليتكم عنه مرتبطة بما اذا كان المركزي قد أرغَمكم على ما حصل؟ والأهم انكم مسؤولون عن عدم فتح أوراقكم حتى الآن والكشف عن حقيقة ما جرى.
ونكرّر مجدداً أهمية إقرار الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة، والتي لو كانت مطبّقة لما تعرّضنا لكل هذا التعتير.