تعالوا نمارس لعبةَ «العدّ»
تعالوا نمارس لعبةَ «العدّ»
جوزف الهاشم
Friday, 03-May-2024 08:17

... وحينما رأيتُ ما رأيت، تمنَّيْتُ أنْ أدعوكم كلَّكُمْ جميعاً إلى ما يُسمَّى لعبةَ «العدّ».

وقبل أنّ تتسرَّعوا في لعبةِ العـدّ الطائفي، تعالَوا نعـدّ ما يتخبّط بـه لبنانُ من أزمات... عـدّوا معي وعضّوا على الأصابع:

 

مِنْ أزمةِ وطـنٍ، إلى أزمة نظامٍ وأزمـةِ حكمٍ وأزمـة سلطةٍ ودستور.. أزمةِ سياسةٍ وسيادةٍ وولاءٍ وطني وانقسام وطني... أزمةِ وجـودٍ وأزمـة حدودٍ وجبهة جنوب... أزمـةِ أمـنٍ وقضاء وعمـلٍ ومجاعةٍ وبطالةٍ وفقـر... أزمةِ هجرةٍ ومهجّرين، ونزوحٍ ونازحين ومصارف ومودعين... أزمة اقتصاد ومـالٍ وأخلاقٍ ورجال.

 

ولو شئتُ أنْ أستكمل مجموعةَ العدّ لكان بين يديّ مجموعةُ حكاياتٍ مأتميَّـةٍ من ألـف ليلةٍ وليلة، وملحمةٌ وطنية من ألـف بيتٍ وبيت.

 

ومع هذا الطوفان من الأزمات، تعالوا نتراقص حول النار كالهنود الحمر، ونتقاتل على اصطياد الفريسة.

بسبب أزمـة تعدّد أنواع «الجبنـة»، تعذَّرَ على الجنرال شارل ديغول أنْ يحكم فقال: «كيف أستطيع أنْ أحكم بلداً كفرنسا وفيه 400 صنف من الجبنة...».

 

ومَـنْ هو هذا الجنرال «الديغولي» الذي يستطيع أن يحكم بلداً كلبنان، وفيه 400 صنف من الأزمات والتناقضات والمشكلات والتيارات والإنقسامات والمخيّمات... وفيهِ 400 صنف من أكَلَةِ الجبنة.

 

فراغٌ وطني، وفراغٌ سلطَوي، وفراغٌ سياسي، وفراغٌ رئاسي، وفراغٌ عقلي... لم يبقَ عقلٌ في رأس، وما حَكَكْتَ جبيناً إلاّ أجابكَ الطنـين.

 

هؤلاء، الذين شمخوا برؤوسهم حكّاماً كباراً ومسؤولين أقوياء، راحوا يتبادلون أدوار الإنهيار والإتجار، في دولةٍ جعلوها كما في الأفلام الأميركية تتخلَّى عن دور الماريشال لصيّادي الجوائز ورُعـاةِ البقر.

 

همُ الذين جعلوا الدولة مقبرةً للأحياء، وراحوا يتقاتلون على أشلائها... هذهِ التي أصبحت كما يصفها الشيخ الرئيس: «إبن سينا» «دولةً على المجاز» وقُـلْ: كما يصف أحمد شوقي دولـةَ: «الأسد والقـرد والثعلب والهـرّ... «سألتُكَ الموتَ ولا ذي الدولة...»

 

أَليستِ الأسباب التي أدّتْ إلى حرب 1975 هي التي تُطلُّ اليوم برأسها المحموم، كأنّما هي نفسُها تكـرّر نفسَها وتُطلقُ صفارات الإنذار...؟

بالأمس، كان هناك اتفاق الطائف، فاعتقدنا أنّهُ سيختمُ بالشمع الأحمر كلَّ أبواب الحرب بعد تجربةٍ مأساوية مُـرّة، لم يسلم فيها لا مذهبٌ ولا بيت..

 

إلاّ أن أولياء الأمر طيَّفوا اتفاق الطائف بأكثر ما كان قبلَـهُ من سموم، وطافوا به سلعةَ مصالح وسوقاً تجاريـة عبرَ ما يعرف «بالترويكا» المذهبية الفاحشة الجشع، فإذا نحن بعد الطائف نستمر شتاتاً في دولـة متحاربةٍ، وفي حـربٍ صامتةٍ مع وقـفٍِ لإطلاق النارِ.

 

هكذا، كأنّ الطائف كان هدنـةً استمرّت معها الحرب بالتشابك:

 

التشابك الطائفي، والتشابك الدستوري، والتشابك السياسي، والتشابك السيادي.

التشابك السيادي في دولة واحدةٍ يعني أنّ هناك سياديتين...

ومشكلة السيادتين في دولة واحدة، تعني أنّ هناك دولتين...

ولبنان الدولتين يعني، لبنان اللبناني: ولبنان الغرباء عن لبنان، ولبنان الغرباء في لبنان، والغرباء اللبنانيين واللبنانيين الغرباء.

 

أخطر سؤال تاريخي يطرحه كـلُّ لبناني اليوم على أولياء الأمر:

بربّكم، لا تجعلوني أفتّـشُ عن وطني في وطني.

theme::common.loader_icon