رفع بعض المودعين دعوى أمام محكمة نيوجرسي في الولايات المتحدة، ضدّ مصرف لبنان ورياض سلامة، وستة مصارف وأربع شركات تدقيق، متّهمين إيّاهم بإثراء أنفسهم من أموال المودعين والتآمر عليهم.
وبغض النظر عن نتيجة الدعوى الّا انّها محاولة ضمن محاولات اخرى يقوم بها المودعون لاستعادة حقوقهم وتحقيق العدالة والمحاسبة، بعدما تجاهلت السلطة واجباتها في إرجاع الحقوق لأصحابها.
الملفت، الصمت الفاضح للزعماء والنواب وسائر المسؤولين، فمجلس النواب غائب وتحوّل إلى مركز لندوات اقتصادية يتمّ فيها التنظير حول سبل إحياء الاقتصاد، في حين المصارف «الزومبي» مستمرة بنهش ما تبقّى من ودائع وتطبيق إجراءات كيدية بحق المودعين.
سكت الجميع اليوم عمّا جرى، تغاضوا عن الجريمة وكأنّها لم تحصل، فلا من يسأل عن الأموال التي تمّ تحويلها الى الخارج؟ ولا من يسأل عن مسؤولية الهيئات الرقابية عن تلك المرحلة، ولا من يسأل عن دور شركات التدقيق العالمية في تغطية ما حصل.
بعض النواب حاضروا عن قدسية الودائع وضرورة عدم المسّ بها، ولكن لم تتمّ ترجمة هذه الاقوال إلى أفعال، وكأنّ ما يجري اليوم هو حالة طبيعية، لو حدث في اي بلد في العالم لتحول مجلس النواب الى خلية طوارئ تعمل على مدار الساعة.
هل هناك تواطؤ بين الجميع لتغطية الفضيحة، فحتى اليوم لم تظهر أية أرقام موثوقة يمكن التعويل عليها لتحديد كيف تمّ نهب وإفلاس البلد.
وتكثر النظريات والإقتراحات من قِبل خبراء لإعادة الثقة بالقطاع المصرفي، ولكن ينطلقون من أسس خاطئة، فكيف يمكن اقتراح حلول من دون توضيح المسار الذي اوصل البلد الى المأساة الحالية؟
كيف ننطلق بأية عملية لإعادة هيكلة القطاع المصرفي وتحديد سبل ردّ الودائع إن لم نجب عن اسئلة رئيسية اولاً، أكرّرها مجدداً، لأنّ وقاحة الصمت تتطلّب تكرار الأسئلة المستمر :
ـ كم كانت الودائع في كل مصرف بالتفصيل والتواريخ وبالليرة اللبنانية والعملات الاجنبية؟
ـ كم من هذه المبالغ كانت في سندات الخزينة؟ وكم هو الإحتياط الإلزامي او الودائع في المصرف المركزي؟ وفي أي تاريخ؟ وبناءً على أي قانون؟
– كم أعاد المصرف المركزي منها، وفي أي تواريخ؟
ـ هل أجبرها المصرف المركزي على الاستثمار؟ وبناءً على أي قوانين؟
هذه بعض الاسئلة التي كرّرناها وسنبقى نكرّرها الى ما لا نهاية، لنحصل على إجابات واضحة.
وبالتأكيد ضرورة الإطلاع على كل التقارير المدققة للمصرف المركزي منذ 20 عاماً وحتى اليوم.
والأهم أنّه لا علاقة للسرّية المصرفية بهذه التقارير والأسئلة، لأنّ ما نطلبه هو مجمل الحسابات، لأنّ السرّية المصرفية تطال حسابات الأفراد وليس المجموع العام، فكل سنة على المصرف ان ينشر حساباته بشفافية من دون نواقص او تلاعب.
هل سيحيا ضمير أي صاحب مصرف ويقوم بالإجابة عن الاسئلة والتزام الشفافية الكاملة مع مودعيه؟ احلم ان يقوم صاحب مصرف بإطلالة اعلامية ويتوجّه لمودعيه قائلاً: سأخبركم الحقيقة كاملة، فأنتم تستحقون ان تعرفوا ما حصل بأموالكم. ويقوم بالإجابة عن كافة الاسئلة علناً، برأيي سيكون موقفاً شجاعاً ويكون اول خطوة لاستعادة الثقة المفقودة اليوم.
انّ أكثر حقيقة تؤلم اليوم وسيذكرها التاريخ، انّ اصحاب المصارف اعتبروا الودائع ملكهم الشخصي ونقلوها الى حساباتهم الشخصية واغتنوا، ويصورون انّ مصارفهم أفلست. وهذا صحيح، فمن اغتنى هم أصحاب المصارف وليس المصارف.
والحقيقة الأكثر إيلاماً هي انّه برغم المصائب لم تهبّ ثورة للمطالبة بالشفافية المطلقة، والتي هي الأمان في وجه الجشع.