كيف يقرأ علم النفس التفكير: السريع والبطيء؟
كيف يقرأ علم النفس التفكير: السريع والبطيء؟
سمير بو سعيد
Saturday, 20-Apr-2024 06:58

يعتبر كتاب "التفكير: السريع والبطيء" للباحث الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد دانييل كانمان، من أهم المؤلفات التي تتناول آلية عمل عقل الإنسان وكيف يتخذ القرارات. يطرح كانمان في هذا الكتاب فكرة وجود نظامين منفصلين تمامًا يتحكمان بطريقة تفكيرنا:

النظام 1: التفكير الآلي والسريع

 

هو نظام سريع يعمل بشكل تلقائي ولا شعوري تقريبًا. يعتمد هذا النظام على خبراتنا السابقة والحدس والتفكير النمطي لتكوين الأحكام واتخاذ القرارات بسرعة. على سبيل المثال، عند سؤالك عن 2 + 2، تجيب بالإجابة 4 على الفور من دون الحاجة للتفكير بوعي، فهذا من عمل النظام 1.

 

ويتميز هذا النظام بأنّه:

 

-سريع: يستطيع العمل بسرعة كبيرة، فهو دائمًا يعمل ويعالج المعلومات الواردة باستمرار.

-حسي: يتأثر بشكل كبير بالعواطف والمشاعر.

-استدلالي: يميل لاستكمال المعلومات الناقصة بناءً على التوقعات والخبرات السابقة.

مثال على تحيّز النظام 1: تخيّل أنك ترى في المتجر علبتين من الشوكولاتة، إحداهما معروفة لديك والأخرى جديدة. علبة الشوكولاتة المعروفة معروضة بسعر 2 دولار بينما سعر الجديدة 1.5 دولار. من المرجح جدًا أن تشتري الشوكولاتة المعروفة حتى لو لم تجربها من قبل، وذلك لأنّ النظام 1 يميل إلى تجنّب المخاطر والاعتماد على العلامات التجارية المألوفة.

 

النظام 2: التفكير البطيء والمتعمّد

 

هو نظام بطيء يتطلّب جهدًا ذهنيًا كبيرًا للعمل. يستخدم هذا النظام التفكير المنطقي والتحليل للمعالجة الواعية للمعلومات واتخاذ قرارات مدروسة. على سبيل المثال، عند التفكير في شراء منزل جديد، ستقوم بمقارنة الأسعار والموقع والمساحة وغيرها من الأمور، فهذا يتطلّب تفعيل النظام 2.

 

يتميز هذا النظام بأنّه:

 

-بطيء: يحتاج إلى وقت وجهد للتفكير والتحليل.

-منطقي: يعتمد على المنطق والاستدلال للوصول إلى استنتاجات صحيحة.

-احتمالي: يأخذ الاحتمالات والاحتمالات المضادة في الاعتبار.

-كسول: يُفضّل النظام 1 لتوفيرا الجهد، ولا يتمّ تفعيله إلّا عند الضرورة.

يؤكّد كانمان على أنّ هذين النظامين ليسا منفصلين تمامًا، بل يتفاعلان مع بعضهما البعض بشكل مستمر. غالبًا ما يهيمن النظام 1 على طريقة تفكيرنا بسبب سرعته وكفاءته في توفير الجهد. لكن في المواقف التي تتطلّب تفكيرًا منطقيًا وتحليلاً دقيقًا، يتدخّل النظام 2.

 

الأخطاء التي يقع فيها كل نظام:

 

-أخطاء النظام 1: بسبب سرعته واعتماده على التفكير النمطي، يقع في العديد من الأخطاء، ومن أمثلتها كراهية الخسارة: يميل البشر إلى تجنّب الخسارة أكثر من سعيهم للربح.

 

-أخطاء النظام 2:

• المبالغة في الثقة: يميل النظام 2 إلى المبالغة في تقدير دقة أحكامه وقدرته على التنبؤ بالمستقبل.

• التأثير الإطاري: يغير صياغة نفس المشكلة من قبل النظام 2 قراراتنا بشأنها. على سبيل المثال، قد نفضّل إجراء عملية جراحية إذا قيل لنا إنّ نسبة النجاة منها 90%، بينما نتردّد إذا قيل إنّ نسبة الوفاة 10%.

• التعويد والتغاضي: يميل النظام 2 إلى الاعتياد على المعلومات المتاحة له وتجاهل المعلومات الغائبة. على سبيل المثال، قد نصدر حكماً متسرّعًا عن شخص بناءً على انطباعنا الأول، ونتجاهل أي معلومات إيجابية قد تتوفر عنه لاحقًا.

 

كيف نستفيد من فهم النظامين؟

 

بناءً على فهم كيفية عمل نظامي التفكير لدينا، يقدّم كانمان بعض الاستراتيجيات لتحسين عملية صنع القرار لدينا:

 

• إبطاء التفكير: بدلًا من الاعتماد على ردودنا الأولية (النظام 1)، علينا أن نمنح أنفسنا الوقت للتفكير المتأني (النظام 2) بخاصة في القرارات المصيرية.

• التعرّف على تحيزاتنا: من المهمّ أن ندركها ونحاول تجنّبها. على سبيل المثال، إذا كنت تعلم أنك تبالغ في تقدير احتمالية نجاح مشاريعك، يمكنك أن تضع خططًا أكثر تحفظًا.

 

• استشارة الآخرين: من المفيد أن تستشير الآخرين، بخاصة الأشخاص ذوي وجهات النظر المختلفة، لأنّ ذلك يساعد في كشف نقاط عمياء في تفكيرك (النظام 1).

• تجنّب الإرهاق العقلي: كلما كنت مرهقًا عقليًا، كلما قل استخدامك للنظام 2 وزدت الاعتماد على النظام 1، الذي يميل إلى الأخطاء. لذلك خذ قسطًا من الراحة قبل اتخاذ قرارات مهمّة.

theme::common.loader_icon