دَلَفَ الليلُ كأنَّ على رأسِهِ طيرا
يَلهو فوق الرمضاءْ
في بوحٍ يتقمّصُ عمراً من أشواك
ما غرّهُ همسٌ يسري في قمّةِ نيسانْ
غَطّى وجهَ الأرضِ بكفٍّ يتعرّجُ بالأحزانْ
مدُدَ ظلّهُ يثوي في جبهتها كالغرباءْ
أبصرَ عابرَ دربٍ كالعازفِ بين الأمواتْ
يتساءلُ في سرّهِ عن فصلِ جنونْ
أو نقطةِ غيثٍ يغدقها الغيمُ المسكونْ
أغضَبَه السيفُ الماثلُ في أيدي الأقدارْ
نادى... لم يدركْ توقَه إلا رجعُ الأصواتْ
فتلفّعَ بالشالِ المسدولِ على الروحْ
لا تأتدمُ الأرضُ سوى المطرِ المجروحْ
دلفَ الليلُ شهيداً يغزوهُ وجومُ الأحداقْ
تجتاحهُ رعدةُ شوقٍ تذوي في الأنحاء
يتداخلُ غضونَ الطائرِ كالأصفادْ
مثل خطى العابرِ في ورعٍ وخشوعْ
يهذي الطيرُ وقد هزّتهُ الأحزانْ
أمرٌ شاقِّ تلكَ الدّنيا... كسبيكةِ مرجان
أرضعها الفجرُ نَداهُ فعاثتْ في الكونِ غرورا
ما نحنُ جميعاً إلا سفنٌ أنساها الشاطىُ ملّاحيها
من عَرَقِ الرملِ عطاياها... من حطَبِ الشمسِ مراياها
تتبدّلُ مثل الضوءِ الحائلِ للألوانْ
من غضبِ البرقِ مساربُها من جبلِ الخوفِ خفاياها
نمشي مخفورينَ بأذرُعِنا... نسجنُ أنفسنَا بالوهمِ وأشتاتِ الذكرى
إنفرَطَ الجمْعُ على مضضٍ
ارتفعتْ شمسٌ تلفحُ هاماتِ الأشجارْ
أتفرّسُ في جذعِ الرّيحْ
أقلِقُ صمتَ الليلِ بظنّ وشكوك
أتْحِفُ رابيةَ الغربةِ بالشمعِ المنذورْ
أشهِدُ نيرانَ الحيْفِ على سرِّ المعبدِ للغائبْ
فيشيرُ إليّ قرينُك أن أقضي بالغدرِ البائنْ
فأجالسُ من سجني ما يلمعُ خلف القضبانْ
أنكَبُّ على حزني كالوتَدِ المكسورْ
ما أقسى هجركَ يستعرضُ موتي كالملحِ الذائبْ
ويسلّمُ أمري لحروفٍ مائلةٍ كالغيمِ الأزرقْ...
عزفتْ بخفاياها مذبحةَ القلبِ المهجور
انكفأ الدّمعُ على وجعٍ...
وتمطّى الذنبُ مراقاً ومساقاً لقدرٍ مسحورْ...
وانفرطَ الجمعُ على مضضٍ
تمحوني مرآةُ الزمنِ المكشوفِ للأيامْ...
أقرأ ساعاتهِ كالسردِ على رفِّ الزورقِ والمرساةْ
أحبسُ واحاتِهِ مثلَ الرحّالِ الصابرِ للذكرى
نمرُّ سريعاً مثل وريقاتِ خريفٍ آفلةٍ
تحملُها أنفاسُ شجنٍ لعَرَاءٍ أعمى
ينفرطُ الجمعُ على غُصَصٍ
أتشبّثُ بالفرقةِ يلوي كاحلَها النكرانُ المشطورْ
أركضُ خلف الرّحلِ الغادي صوبَ الشمسْ
ينفضُّ الحشدُ على قصصٍ
وتغيبُ ظلالكَ عنّي
دلفَ الليلُ وحيداً مثلَ الجرحِ على الغسقِ الشاحبْ
يستفقدُ أحياءَ الأرضِ وأمواتِ الأوهامْ
