سوريا ولبنان في الدائرة الخطرة
سوريا ولبنان في الدائرة الخطرة
جوني منيّر
Thursday, 04-Apr-2024 07:12

بدأت طلائع مرحلة «ما بعد غزة» بالظهور ولو باكراً بعض الشيء. فالتساجل السياسي بدأ بين من يلقي اللوم على الدول التي «قصّرت» في دعم الفلسطينيين في غزة، وهو ما بدأ يظهر في الأردن، وسيشمل ذلك لاحقاً دول الخليج، وبين الذين يحمّلون إيران السبب المباشر للمأساة التي حصلت، سعياً وراء تعزيز أوراقها الإقليمية، وهو ما ظهر في البيان الصادر عن حركة «فتح».

وهذا التساجل مرشح لأن يجري توظيفه ميدانيا كما يبدو واضحا في الأردن البلد الذي يحظى بتركيبة حساسة حيث يشكل السكان من أصول أردنية والاخوان المسلمين ما يقارب ال60%، وهنا خطورة التظاهرات المستمرة منذ أكثر من عشرة أيام والمقرونة بخطابات "حماسية". وقد تصدرتها دعوة محمد الضيف لكسر الحدود والزحف باتجاه اسرائيل وهو ما اعتبره الأردن بأنه المقصود. وهذا يعني السعي لهز الاستقرار الداخلي للأردن. مع التذكير هنا بمشروع أرييل شارون الداعي لإقامة دولة فلسطينية في الأردن مع تقسيمها الى قسمين بعد "طرد" فلسطينيي الضفة باتجاه الأردن.
ووسط هذا المناخ اندفعت إسرائيل في تحضير الساحة السورية من خلال ضربتين كبيرتين متتاليتين. الأولى حصلت في حلب وتلتها ضربة القنصلية الإيرانية في دمشق.
الواضح أن اسرائيل تعمل لإخراج النفوذ العسكري الإيراني من سوريا ومن ثم في لبنان. وما من شك أن اسرائيل متفقة مع واشنطن على هذه المهمة لكن وفق وتيرة مدروسة تتماشى مع سلوك تفاوضي تتولاه الإدارة الأميركية مع طهران.
ثمة تفسيرات عدة حول الغاية الحقيقية لإسرائيل جراء اعتمادها لعمليات قصف بطابع عنيف وعلى أهداف نوعية في حلب وعلى وجه الخصوص على القنصلية الإيرانية في دمشق، وحيث تعتبر ضربة معنوية كبيرة تطال للمرة الأولى قنصلية أو سفارة لها.
في السابق لم يجرؤ نتنياهو على المشاركة في عملية إغتيال قاسم سليماني وفق ما كشف أكثر من مرة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. فهو قال بأن نتنياهو إنسحب من العملية قبل يومين من تنفيذها خشية تداعياتها. واستطرادا فإن السؤال البديهي هو ما الذي دفعه لإغتيال شخصية عسكرية إيرانية بهذه الأهمية الآن؟
ما من شك أنه يتلطى بالتفاهم الحاصل مع الادارة الأميركية حول العمل على إخراج الوجود العسكري الإيراني من سوريا. وهو لذلك ربما أعلن بأن الطائرات الإسرائيلية انتظرت خروج القائم بالأعمال الإيراني من مبنى القنصلية لتنفيذ عمليته في خطوة نادرة بإعلانه تبنيه المسؤولية. أي أنه أراد أن يتحايل بقوله بأن عمليته جاءت في الإطار العسكري المتفق عليه.
في المقابل جهدت الادارة الأميركية وعلى مستويات عدة في نفي علمها مسبقا بالعملية أو بالمشاركة بالتخطيط لها. وفي الكواليس الديبلوماسية همس حول تحرك قوي لقنوات التواصل بين واشنطن وطهران عقب حصول العملية. وجددت خلالها ادارة بايدن عدم مسؤوليتها عما حصل والتزامها بالتفاهمات الموجودة بينهما. ووفق الهمس الموجود فإن واشنطن وطهران إتفقتا على إبقاء مستوى الصراع الحاصل في المنطقة تحت سقف الحرب الشاملة. أي حماوة "مضبوطة" أي كما هو حاصل في جنوب لبنان. ومن المنطقي الاعتقاد بأن هذه التفاهمات الحاصلة تتماشى مع ترتيبات تجري حول إعادة تشكيل المنطقة. وهنا قد يكمن الجواب الحقيقي حول خلفية نتنياهو في استهداف أهداف نوعية في سوريا. أي أنه يريد التخريب على المفاوضات الدائرة بين واشنطن وطهران لإجهاضها. وهو ما قد يعطي الجواب أيضا على تروي طهران في الثأر من إسرائيل، وهي قادرة على ذلك من خلال القوى الإقليمية الحليفة لها.
ومن هنا أيضا يمكن تفسير هذا الهدوء الذي تعيشه القواعد الأميركية في المنطقة منذ حوالي الشهرين رغم لهيب غزة والبحر الأحمر.
إذا إنه الصراع المتصاعد ما بين بايدن ونتنياهو والذي يأخذ أشكال عدة. هو صراع شخصي وسياسي حول تناقض الرؤية لمرحلة "اليوم التالي". وفي الوقت نفسه ستظهر إيران وكأنها فقدت قدرة الردع ضد اسرائيل ولو كانت الظروف تلزمها بذلك. وهو مكسب سياسي لنتنياهو سيعمل على استثماره داخليا.
لكن الواقعية تفرض الاعتراف بأن سوريا انتقلت من كونها ساحة لحرب الأشباح بين إيران وإسرائيل لتصبح الآن على أهبة التحول الى ساحة مواجهة مباشرة وفعلية بينهما. لكن دمشق والتي آثرت البقاء بعيدا عن حرب غزة والتي تسعى للتطبيع مع الدول الخليجية قد تبدو محرجة في كيفية تعاطيها مع التعقيدات الجديدة خصوصا وأن المطروح إخراج النفوذ العسكري الإيراني من ساحتها وهو ما ترحب به لا بل تدعو إليه ضمنا دول الخليج.
ذلك أن السعي لهز أستقرار الاردن يعني من دون شك فتح جرح كبير شمال الخليج العربي في وقت لم يقفل فيه جرح اليمن جنوب الخليج. فالأحداث أثبتت قدرة إيران على استثمار الفوضى وتحويلها لصالحها. وهو ما سيعنيه دفع الاردن في هذا الإتجاه في حال حصوله، خصوصا وأن مرحلة ما بعد غزة ستشهد ربما عودة حرب الأشباح وحيث سيكون الجناح العسكري لحركة حماس أحد عناصرها. ولذلك سعى الأردن سابقا لفرض نفوذه العسكري على المنطقة الجنوبية لسوريا بغية منع أي حضور إيراني مباشر أو غير مباشر فيها.
وهذه الترتيبات تشكل جزءا من المشهد الجاري رسمه للمنطقة في إطار يالطا جديدة. ومع عدم إغفال إعادة ترتيب نفوذ القوى الدولية وليس فقط الإقليمية.
ففي وقت سابق تحدثت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن مشروع يربط الخليج العربي بأوروبا عبر مرفأ حيفا الى جانب إنشاء سكك للحديد، وهو ما تحقق عبر الاعلان لاحقا عن مشروع ربط الهند بالخليج بإسرائيل. وفي المقال نفسه جرى عرض مشروع إمداد غاز المتوسط الى أوروبا عبر قبرص واليونان فإيطاليا والذي من المفترض أن يصبح جاهزا في العام 2025 ما سيجعل من إسرائيل مركز الإرتكاز الإقتصادي والمالي والسياسي في المنطقة. وجاء مشروع الرصيف العائم بين قبرص وغزة والذي تتولاه واشنطن بذريعة إرسال المساعدات الغذائية الى غزة ليؤكد هذا التوجه. وهذا الرصيف والذي سيعمل على خطه زهاء ألف عنصر من المارينز سيحتاج الى محيط آمن كي لا يصبح تحت تهديد المسيرات والصواريخ، وهو ما يعني إمساك واشنطن بكامل المنطقة المحيطة ما سيقطع الطريق على سعي روسيا لإمساكها بالخطوط البحرية في المتوسط. فروسيا الموجودة عند الساحل السوري تمددت باتجاه الشاطئ الليبي، في وقت يعمل فيه الأميركيون على تعزيز أطراف ليبية متعاونة معهم لوقف التمدد الروسي في المنطقة التي تصنفها بالجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي.
وفي المقابل تنشط إيران لتثبيت ساحات نفوذها في الخارطة السياسية الجديدة للشرق الأوسط. ففي العراق حديث عن السعي لتعديل قانون منح الجنسية لمن يقيم مدة عام واحد في العراق، وهو ما جرى تفسيره لمصلحة إيران كونه سيسمح بمنح الجنسية لإيرانيين وباكستانيين وأفغان من حلفاء إيران. أي السعي لتعديل ديمغرافيا بعض المناطق العراقية. مع الإشارة هنا الى الزيارة التي سيقوم بها رئيس الوزراء العراقي الى البيت الابيض منتصف هذا الشهر في وقت استؤنفت فيه المحادثات بين البلدين حول انسحاب قوات التحالف الدولي من العراق.
ولكن ثمة عناصر محلية إضافية مع دخول تركيا على الخط لاقتطاع حصتها إن في شمال العراق أو شمال سوريا، وهذا ما ترحب به واشنطن ولكن بشرطين، الأول أن تكون الحصة التركية معقولة، والثاني أن يكون الحضور التركي لصد الطموح الإيراني.
وهو ما يعني أن الصراع ما يزال مفتوحا حول النفوذ الذي تسعى إليه طهران في سوريا واستتباعا في لبنان. وهذا الصراع الذي سعى نتنياهو لاستغلاله لحسابه الخاص كان اتفق على ما يبدو لأن يكون تحت سقف مدروس في سوريا ولبنان. لكن نتنياهو مرتاب من بايدن فيما الأخير من الواضح أنه يضغط لإزاحة الأول من رئاسة الحكومة الإسرائيلية. أما طهران فبدا وكأنها اختارت التفاهم مع بايدن في إطار المفاضلة بينه وبين ترامب.
واستتباعا فإن الصراع الحاد الدائر حول رفح من المفترض أن يتوضخ مع حلول عيد الفطر إما عسكريا أو أمنيا أو تفاوضيا. وعندها ينطلق المسارين السوري واللبناني بشكل أقوى، ما يعني رفع مستوى الحماوة ولكن من تجاوز سقف الحرب. على أن ينتج إثر ذلك التفاهمات المطلوبة في سوريا ولبنان والتي من ضمنها ترتيبات أمنية في الجنوب اللبناني تكرس واقعا جديدا ومعه إعادة تشكيل السلطة من جديد، ولكن ليس على قاعدة المس بالتوازنات القائمة والمتعلقة بالتعددية اللبنانية الحساسة جدا، ولا أيضا على مستوى التوازنات السياسية الدقيقة التي تفرضها المعادلات الداخلية وأيضا النفوذ الدولي الجديد بحرا وبرا.

theme::common.loader_icon