العالم، وثقافة «فيتو كورليوني» الحاكمة..!
العالم، وثقافة «فيتو كورليوني» الحاكمة..!
محمود القيسي
Monday, 25-Mar-2024 09:15

قصيدة «السلام» النثرية القصيرة التي تقول: «السلام ليس حالة/ السلام مهمة/ ربما هي المهمة الأصعب/ الصعوبة التي يجب أن تزال يومياً/ المهمة التي نسدّد ثَمنها كل يوم/ في تلك الأيام التي نحاول أن نفتقد الخوف/ ولو لمرة واحدة/ لأنّ في أعماقنا/ لا مكان لذلك الخوف». هي قصيدة مختارة من كتاب «قصائد من أجل الحرية»... هي إحدى القصائد النثرية القصيرة التي جمعها الشاعر والناشر «فابيان ليونهارد» لمئة شاعر كتبوا هذه النصوص على صفحاتهم من خلال تطبيق «إنستغرام»... هي «نصوص تسرد المخاوف والآمال ومعتقدات لا تتزعزع عن الحرية» ضد الحروب وثقافة الموت... هي «أصوات عالية وصارخة» ضد الحرب اي حرب قبل وبعد الحرب الاوكرانية وصولاً إلى غزة التي غيّرت وجه هذا العالم والقادم أعظم....

ولأنّ النصوص تمّ جمعها من «إنستغرام» فلا يعني الأمر أن أكثرها جاء عاطفياً ومُرتجلاً، مثل كتابات متسرعة بعد سماع الأخبار أو مشاهدة الصور الكارثية لأبنية تحولت إلى أنقاض وموت تحت الركام... هي موقف شخصي عن طريق الشعر للمطالبة بوقف هذه الحرب وكل حرب تمتد مثل كل الحروب أكثر زمنياً، وتمتد أكثر مكانياً إلى بقعة اخرى تلو البقعة في ثقافة الموت والإبادة الجماعية... نعم، جاءت النصوص على شكل إيميل أو اسم مستعار أو مجموعة تهتم بكتابة الشعر، كما هي عادة مواقع التواصل الاجتماعي اليومية... جاءت تلك النصوص أصواتاً أو نصوصاً فقط في الفضاء الذي تشوّهه أصوات الطائرات المغيرة، ودوي الصواريخ والمدفعية الثقيلة... لكي تبدو صوتاً للحرية يقاوم، ولو همساً، أصوات الانفجارات والموت الجماعي المتواصل... فوق الركام... وتحت الركام...!

توقّع رئيس الأركان الأميركية، «مارك ميلي» في العام الماضي، عن قلق البنتاغون إزاء التقارب بين روسيا والصين وإيران في «الوضع الاستراتيجي الراهن» كما جاء في وكالة نوفوستي تحت عنوان: الأركان الأميركية: التقارب الروسي الصيني الإيراني «مشكلة السنوات المقبلة»، مشيرا إلى أن ذلك سيخلق لواشنطن «مشكلة للسنوات المقبلة». وقال ميلي: «في ظل الظروف الاستراتيجية الحالية، فإنّ أي تقارب بين روسيا والصين يثير قلقي. ولا يمكنني أن أسمّيه اتحادا حقيقيا بالمعنى الحقيقي للكلمة، لكننا نرى التقارب بينهما، وإذا كان الطرف الثالث هو إيران، فهذا يمثّل إشكالية وسيكون كذلك لسنوات عديدة قادمة، وبشكل خاص فيما يتعلق بروسيا».

وأكد مجدداً أنه لا يعتبر حدوث صراع عسكري مع روسيا أو الصين أمرا لا مفر منه، ومع ذلك، في رده على أسئلة أعضاء الكونغرس، أشار إلى أن الحرب مع روسيا والصين في وقت واحد، إذا حدثت، ستكون صعبة. وتابع: «قدراتنا العسكرية تسمح لنا بالقتال في أماكن كثيرة في ظل ظروف مختلفة، ولكن إذا كنتم تتحدثون عن صراع خطير مع أكبر الدول، وإذا كانت الصين وروسيا معا، فسيكون ذلك صعبا للغاية». في حين أوضح المستشار السابق بوزارة الدفاع الأميركية «ماثيو كرونيغ» أنه منذ بداية حرب روسيا على أوكرانيا انقسَم العالم إلى 3 معسكرات، أوّلها بلاده وحلفاؤها، ثم كوريا الشمالية وإيران وروسيا والصين، وفي الجانب الآخر دول عدم الانحياز التي لم تَنضمّ لأي طرف في دوران التاريخ حول نفسه في أقل من مئة عام من الفوضى... ما أشبه اليوم بالأمس!

كما كشف وزير الدفاع الإيراني «محمد رضا آشتياني» في نفس توقيت تصريح وزير الدفاع الاميركي العام الماضي أنّ بلاده تتمتع بعلاقات عسكرية جيدة مع الصين، وأنها تبحث حالياً معها بَيعها مسيّرات إيرانية، فما المقصود بذلك؟ وما الرسالة التي أرادت إيران إيصالها وما الجهة الموجهة إليها الرسالة؟ وعلى الصعيد الإيراني، لفت «علي أكبر داريني» الباحث المتخصص في الدراسات الإيرانية الأميركية -في حديثه لبرنامج «ما وراء الخبر» (2023/3/6)- أنّ إيران تحسن علاقاتها مع الصين وروسيا كجزء من سياستها للتوجه نحو الشرق، فطهران تريد أن تكون مصدرة للأسلحة لهذه الدول من أجل مواجهة العقوبات المفروضة عليها من الغرب.

وأوضح الباحث أن تصريحات وزير الدفاع الإيراني تكشف أن العلاقات مع بكين لا تقتصر على التعاون الاقتصادي بل تتعداه إلى مجال الدفاع والأمن، وهو بذلك يبعث برسالة للغرب مفادها أن إيران لاعب عالمي بإمكانه بيع وشراء الأسلحة من دولة كالصين، وهو ما يُعطي انطباعاً بأن العالم يتحول نحو نظام متعدد الأقطاب، ولم يعد أحادي القطبية. كما ذهب إلى أن أميركا عادَت إيران والصين وروسيا في الآن ذاته، وهو ما سمح للدول الثلاث بالتحالف مع بعضها البعض وتقوية العلاقات، موضحا أن طهران تحتاج للعملة الصعبة وهو ما يجعلها في حاجة لبيع الأسلحة خاصة أنها تربطها عقود دفاعية مع تلك الدول وعليها احترامها.

يرى المحلل الأميركي «أرييل كوهين» أنّ تل أبيب وواشنطن في حاجة لمواجهة الظروف الدولية الخطيرة على نحو متزايد، فقد أصبحت إسرائيل وغزة ولبنان جبهة أخرى في مواجهة عالمية بدأت في أوكرانيا، شهر شباط 2022. وقال كوهين إنه منذ أن أعلنت موسكو وبكين عن “صداقة لا حدود لها” قبل هجوم روسيا واسع النطاق على أوكرانيا، في شهر شباط عام 2022، تعمل القوتان الأوروآسيويّتان على تشكيل المشهد العالمي لممارسة أقصى ضغط على الولايات المتحدة وحلفائها. وقادت إيران (التصعيد الحالي في الشرق الأوسط) لعرقلة (أي تقارب خارج ساحاتها) في الشرق الأوسط. وتساند روسيا والصين هذا التصعيد، في الوقت الذي زعمت فيه مصادر استخباراتية أميركية أن “مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة قامت بتدريب “حماس” على العمليات اللوجستية”.

وبدأت فاغنر أيضاً في نشر منظومة الدفاع الجوي إس أية 22 - الروسية. وأضاف كوهين، مؤلف كتاب “الإمبريالية الروسية: التنمية والأزمات”، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأميركية، أن الأزمة الحالية تقدم فرصة فريدة لواشنطن لتوجيه رسالة واضحة لا لبس فيها إلى موسكو وبكين مفادها: التراجع أو فقدان إيران. ويضيف كوهين أنّ “الحرس الثوري الإيراني” قام بتدريب وتسليح وتمويل “حماس” وحركة “الجهاد الإسلامي”، وأنه ترددت تقارير بأنه نسّق الهجوم في سلسلة من الاجتماعات التي عُقدت في العاصمة اللبنانية بيروت. والاستفادة هي وحلفائها من الهجوم الكبير الذي شنته “حماس” في السابع من تشرين الأول 2023، والذي خلّف 1400 قتيل إسرائيلي، وشهد عمليات اختطاف واحتجاز أكثر من 200 شخص في غزة.

نشرت مجلة «إيكونوميست» افتتاحية مثيرة قبل عدة أيام بعنوان «إسرائيل وحيدة»، ووضعت صورة لعلم إسرائيلي يتعرض لرياح شديدة على غلافها، في إشارة للعزلة الدولية التي تهدد تل أبيب جراء سياستها في الحرب الوحشية على قطاع غزة. وتظهر دراسةٌ لجامعة سيتي في نيويورك، وجامعة أوريغان، أن نسبة 55% من مباني غزة دُمّرت وتم سَحق اقتصادها، حيث ضربت المصانع والأعمال الصغيرة التي مَحت ودمّرت المحاصيل والماشية. ومزقت الدبابات والغارات الجوية الطرق. وتقدر الأمم المتحدة أن نسبة 76% من مدارس غزة تضرّرت أو دمرت، ونفس الأمر ينسحب على المستشفيات. وأشارت للمخاطر على السكان، فمن جهة سيحاول المتعلّمون الخروج إلى الخارج، وسيتجه من لديهم قدرات متواضعة إلى أوروبا للهجرة، إلا أن غالبية السكان سيظلون في الخيام والمخيمات المكتظة، ولسنوات قادمة، ومعظم هؤلاء من أحفاد اللاجئين!

منذ مطلع القرن الواحد والعشرين تظهر على العالم علامات اختلال عديدة. اختلال فكري يتميز بانفلات المطالبات المتعلقة بالهويات من عقالها، مما يجعل من العسير استتباب أي تعايش متناغم وأي نقاش حقيقي. وكذلك اختلال اقتصادي ومالي يجرّ الكوكب بأسره إلى منطقة من الاضطرابات يتعذّر التكهّن بنتائجها ويُجسّد بحد ذاته عوارض اضطراب في نظامنا القيمي. وأخيراً اختلال مناخي ناجم عن فترة طويلة من الممارسات غير المسؤولة... هل البشرية بلغت «عتبة إفلاسها الأخلاقي»؟

في كتاب «صراع الحضارات» يسعى امين معلوف إلى فهم أسباب بلوغنا هذا الدرك وكيفية الخروج منه. إن اختلال العالم في نظره مرتبط بحالة الإنهاك المتزامنة للحضارات كافة وبخاصة المجموعتين الثقافيتين اللتين يدّعي العالم نفسه الانتماء إليهما ألا وهما الغرب والعالم العربي من ناحية، والغرب والشرق عموماً أكثر من ارتباطه بـ»حرب الحضارات». في المجموعة الأولى الغرب تَعتريه قلة وفائه لقيمه الخاصة؛ أما العالم العربي فواقع في شرنقة مأزقه التاريخي. المجموعة الثانية الغرب هو الغرب كما ذكرنا؛ والشرق رغم خلافاته التاريخية التي يحاول وضعها جانباً وبشكل مؤقت في مواجهة الغرب وعلى رأسه الولايات الأميركية على مبدأ تقاسم العالم الند للند. من دون صَوغ رؤية ناضجة في النهاية حول انتماءاتنا ومعتقداتنا وتبايناتنا وكذلك حول مصير الكوكب الذي يعنينا جميعاً غرباً وشرقاً من دون أستثناء.

يعيش العالم في أيامنا هذه تراكم السياسات (العشوائية) وتراكم التكنولوجيا (الذكية) العشوائية... والأهداف العشوائية... والخطط العشوائية... يعيش تراكم الفوضى الكمية - النوعية العشوائية التي تتعامل مع موضوع الخطط والاهداف والسياسات الكمية المتحركة (الديناميكية) اللاخطية التي تُبدي نوعاً من السلوك العشوائي يعرف بالشواش، وينتج هذا السلوك العشوائي إمّا عن طريق عدم القدرة على تحديد الشروط البدئية (تأثير الفراشة) أو عن طريق ما أصبح يعرف بالطبيعة الفيزيائية الاحتمالية لميكانيك الكم والنوع... تحاول نظرية الشواش أو الفوضى الكمية أن تستكشف النظام الخفي المُضمر في هذه السياسات العشوائية الظاهرة ومحاولة وضع قواعد لدراسة مثل هذه النظم العشوائية والتي اصبحت تراوح بين الموائع المتعددة من ناحية... والتنبؤات من ناحية اخرى... والنظم والاقتصاد والاسواق والحروب وتخبط حركة الأسهم المالية العالمية... والتزايد السكاني... والفوضى غير الخلاقة والحروب التي لم تعد استباقية...

نعيش عصر تطوّر الفيزياء وتراجع (الكمياء)... والسياسات في تناقض لم يسبق له مثيل بين التطور العلمي والتراجع الاجتماعي على كل المستويات الاقتصادية والسياسية والثقافية والوجودية بامتياز وجودي... العالم يعيش في مرحلة تحدث عنها قبل مئة عام «سيغموند فرويد» في تأملاته واستنتاجاته عن عالم يدفع بشعوبه الى موتهم بدلاً من ان يدفعهم الى الحياة... اصبح من يحكم العالم في دولته العميقة مؤمن بفوضى الجرائم «المنظمة» كما يعتقد... والتي يدفع العالم اليها على قاعدة ومفهوم ونهج وثقافة «دون فيتو كورليوني» والأسلوب التقليدي في وضع المسدس في الرأس... رأس العالم... وليس امام هذا العالم سوى إختيار واحد من اثنين: إمّا ان يوقّع تسويات استباقية «خلّاقة» كما عهدناها... وإمّا ان يقع في دماء سرير حروب التسويات التي نعيشها في هذه الأيام... من حرب اوكرانيا... إلى قطاع غزة... إلى ما بعد الطوفان...؟!

theme::common.loader_icon