علم السياسة وساسة لبنان
علم السياسة وساسة لبنان
Wednesday, 21-Feb-2024 06:36

الدول المتحضّرة تعتبر رجال السياسة أشخاصاً ذات اختصاص نخبوي يحملون الآمال الواسعة ويجعلون شعبهم ووطنهم مزدهرين، ويكون أداؤهم السياسي خارقًا وحضورهم السياسي - الفكري - الريادي يفوق حدود الوطن والبلدان الأخرى. إنّ رجال السياسة، عادةً، من المفترض أن يكونوا ناشطين فاعلين في مجتمعاتهم وأصحاب حيثيات فكرية، ولهم مواقعهم على الجغرافية السياسية في بلادهم وحضورهم الحر لدى البعثات الدبلوماسية.

قانونيًا ودستوريًا إنّ الحركة السياسية في الدول المتحضرة هي فعليًا إدارة المجتمعات من أجَّل وأدَقّ المسؤوليات التي تُناط بالساسة، سواء أكانوا وزراء أو نوّاب أو رؤساء أحزاب، وعلى كل سياسي أن يتمتّع بعقل راجح ومنطق تحليلي سليم، وفكر عقلاني متنور لإدارة الأوطان وحتى النزاعات إن طرأت، كما تحويل الإختلافات إلى طاقة خلاّقة للبناء والإستثمار في كل الميادين.

 

على رجال السياسة أن يحملوا العديد من الإختصاصات التي تجمع بين العديد من العلوم والمقاربات المعرفية التي تُوفِّر لأي رجـل سياسي شمولية في الفكر وعمقًا في التحليل، وتعدُدًا في المقاربات لأيّ طارىء يحصل على المسرح السياسي محليًا وإقليميًا ودوليًا. على رجال السياسة أن يتعلّموا علم إدارة الدول والأنساق المجتمعية والعلاقات الدولية من منظور تفاعلي، كما على أي رجل سياسي الإضطلاع بتقديم كل المقاربات والأبحاث العلمية لبناء دولة حديثة وإدارة الأزمات والنزاعات وحل أي إشكال يحصل بين الدول أو بين الأفراد على الصعيدين الداخلي والخارجي.

 

رجال السّاسة تشمل مهامهم إقامة مجتمعات منظّمة تُعرف بالدولة المستقلة، حيث من المفترض أن يتمتّع الفرد بمجتمع ديمقراطي يُتيح له العمل بالطرق الإنسانية المألوفة، كما عليهم واجب المساهمة الفعّالة في تقرير حقوق مواطنيهم وإرشادهم للخير العام. ومن وظائف السّاسة أن يكشفوا عن المبادىء الواجب اتّباعها في الأمور التي تخصّ المصلحة العامة، وأن يدرسوا كيفية عمل المؤسسات الرسمية المدنية والعسكرية من أجل تظهير ما هـو صالح، كما نَقد ما هو فاسد أو غير فعّال.

 

السّاسة مَهامهم كثيرة، ومن أبرزها اقتراح تحسينات على القوانين، لهذا من المفترض أن يكون أداؤهم ذا فائدة عملية واسعة لناحية تفعيل الدساتير والهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية، التي هي بحاجة إلى العديد من النماذج والمعايير المفترض تطبيقها على المواقف الطارئة، ومن الأهم في مكان أن تكون ذات فائدة عملية واسعة للأوطان وللأفراد الذين يعيشون في الدول التي يُديرها هؤلاء الساسة.

 

تساؤلات عديدة تُطرح وهي فعليًا جوهــر العمَل السياسي الحضاري، علمًا أنها دروس أو عِبَر أو أحداث، ومن حق الشعوب أن تُسائل عن الحياة الفضلى، والأوطان المحرّرة، والقوانين العادلة، والأنظمة الديمقراطية الحقة، والحُكّام الصالحين، والمواطن الحر المُرهف والمُنزّه والمحافظ على كرامته وفقًا لما تنص عليه شرعة حقوق الإنسان. ومن الاعتقاد الحَسَن أنّ تحسين طريقة الحكم رَهن بفقه الساسة أي بتجردهم وثقافتهم وحريتهم وتصرفاتهم ووضعية حركتهم السياسية المستقيمة.

 

لبنان مرحليًا بحاجة إلى علم وفكر سياسي يحملان ثورة منهجية في النظرة للسياسة وفي الممارسة لها، ومنطق العلوم السياسية يلحظ أنّ الثورة الحقيقية هي «الثورة المنهجية»، والتي هي ثورة العقل الذي يرتاب في مُسلّمات خاطئة، حيث من الثابت أنّ رجال السياسة في لبنان لا يُحسنون استعمال العقل، ولا يُدركون أبعاد الأحداث الحاصلة والتي تؤثِّر سلبًا على المسرح السياسي اللبناني.

 

لبنان مرحليًا يفتقد لرجال سياسة أصحاب فكر تحليلي للمسلمات السياسية التي تُميِّز الخطأ من الصواب. لذلك من الناحية المنطقية والعلمية لـ«علم السياسة»، يتوجّب مراجعة المُسلمّات السياسية مراجعة منهجية مستمرة تنطلق من الواقع السياسي المُمارس والمحسوس، والذي يتدرّج منه تدرجًا وضعًا خطيرًا يؤثِّر سلبًا على واقع الأمور في البلاد.

 

لبنان يفتقد رجال سياسة يمتلكون عقلاً فكريًا سياسيًا منهجيًا، وعلمًا نقديًا منهجيًا للمُسلمّات والأحوال وللنظام السياسي القائم، والنشاط السياسي لساسة لبنان هـو سلطوي محوره الحاكم بأمره بأسلوب دكتاتوري مغلّف بمنظومة سياسية بعيدة كل البُعد عن النظريات السياسية.

 

لبنان يفتقد لساسةٍ يتمتّعون بعقلٍ يعمل على بحث منهجي عن الحقيقة السياسية لأنّ الحقيقة هي غاية الإنسان في أي بلد، كما أنّ لبنان يفتقد لِحُسْن سير تحسين المصير الإنساني لأن الإنسان يتطلّع بغريزته الى تحسين أحواله، كما يظهر هذا الأمر في نفس الإنسان بين التطلّع إلى معرفة الحقيقة وبين التطلّع إلى الأفضل، أي إلى الخير العام.

theme::common.loader_icon