رئيس الإتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين MIDEL وعميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف USJ
السياسة المتّبعة في لبنان، من قبل المسؤولين، هي سياسة إلهاء الشعب، وحَرف أنظاره عمّا يحصل في العالم، من خلال إلهائه وجرّه نحو مهرجانات مناقشات ومسرحيات مجلس النواب، نحو الأحوال الجوية، العواصف والأمطار والثلوج، كأنّ المناخ البارد في موسم الشتاء مستغرب.
أما الهدف الأساسي فهو إلهاء الموتاطنين وحرف أنظارهم وأفكارهم عن خسائرهم الفادحة من أداء السلطة الكارثية، ومن مخاوف المستقبل، كأنهم يعيشون في فقاعة، منفصلين عن أحداث العالم والتغيّرات الإقليمية والدولية.
من هذه التغيّرات الكبيرة التي يشهدها العالم، هناك مستجدات إستثنائية، لم يتوقف عليها الكثيرون، وهي أن روسيا قد أصبحت المُصدّر الأول للنفط إلى الصين، وقد سبقت للمرة الأولى في التاريخ، المملكة العربية السعودية. إنّ هذا التغيُّر في المراكز والمراتب سيكون له تداعيات كبيرة بين الدول العظمى ومنافساتها الشرسة، والتحالفات الجارية لمن سيقود العالم الإقتصادي والمالي والنقدي الجديد.
العبرة الثانية التي يُمكن قراءتها بوضوح، هو أنّ روسيا استطاعت أن تواجه كل العقوبات والحصار المفروض عليها، منذ بدء حرب روسيا. وقد برهنت بوضوح قدرتها على مواجهة الحظر المفروض عليها من قبل دول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وقد استطاعت رغم كل هذه المقاطعة أن تزيد صادراتها أكثر فأكثر، وأن تنمّي صناعتها، وخصوصاً استخراج النفط والغاز، وأن تتصدّر العالم في وسط العاصفة والمحنة، وأن تتصدّر الأسواق الدولية لتصدير النفط إلى الصين.
هذا يعني، أنها استطاعت أن تُواجه كل الضغوط والعقوبات والحصار المفروض عليها، ولم يُهزم الإقتصاد الروسي بعد سنتين من الضغوط الثقيلة.
من جهة أخرى، هذا يعني أن الضغوط الجارية لم تُنه الحرب القائمة في أوروبا، والحل الوحيد سيكون عبر المفاوضات والجلوس على طاولة لإسكات المدافع. والحل لن يكون عسكرياً ولا حتى عبر الضغوط والعقوبات والحصار، لا بل عبر المحادثات والتفاوض.
فالحرب الحقيقية الجارية هي حرب إقتصادية، مالية ونقدية، هي حرب صناعة وتصدير، هي تنافس تجاري، نفطي وغازي، هي حرب الصمود ضد الإنكماش والركود، هي حرب ضد التضخّم الدولي، يدفع ثمنها غالياً كل قارة أوروبا، ويتبادلون الرسائل المباشرة وغير المباشرة، والرسالة الأخيرة لهذا التصدّر في تصدير النفط، هي رسالة واضحة بأنّ الحرب لن تنتهي عسكرياً، لكن بالتفاوض.
من جهة أخرى، نذكّر بأن بيع النفط إلى الصين يُدفع باليوهان الصيني وليس بالعملة الخضراء، أي الدولار، وهذا يزيد الضغوط النقدية والمالية على الولايات المتحدة، بعدما تصدّرت العالم، خلال السنوات الـ 75 الأخيرة في صرف عملتها لبيع وشراء الغاز والفيول. فالحرب الحقيقية الجارية هي حرب العملات، وهي عملة ستتصدّر العالم الإقتصادي الجديد.
فبينما يتلهّى اللبنانيون في المسرحيات السياسية وتقارير حالات الطقس، يُعاد رسم العالم، والتحالفات والتغيُّرات جارية بسرعة فائقة. إن المفاوضات تقرع الأبواب، أما السياسيون اللبنانيون فلا يزالون يتراشقون جَارّين شعبهم إلى زواريبهم الضيقة، ووحولهم المتحرّكة.
في المحصّلة، برهنت روسيا أن في إمكانها مواجهة العقوبات والحصار وكل الضغوط، ولا تزال لاعباً كبيراً ومفاوضاً رئيسياً في أي محادثات حرب أو سلام. علينا أن نتنبّه بألاّ يكون لبنان ورقة تفاوض، لكن أن يجلس على طاولة المفاوضات عندما تبدأ، فيكون المفاوض الرئيسي عن مصيره وليس ورقة تبادل رخيصة.