لعل أخطر ما يواجه المؤسسة العسكرية في هذه الأيام هو انّ «فيروس» التجاذبات الداخلية انتقل الى جسمها الذي كان معروفاً بمناعته، في مقابل تَضعضع باقي أجهزة الدولة.
إذا لم يتم سريعاً استخدام «المضاد الحيوي» المناسب لحماية الجيش من «العدو الداخلي»، فإنّ مناعته ستضعف في مواجهة عدوى «الأمراض المزمنة» التي تعانيها الطبقة السياسية.
ويبدو واضحاً انّ ملف قيادة الجيش بات اسير حسابات صغيرة من جهة وهواجس مشروعة من جهة أخرى، فاختلط الحق بالباطل والحابل بالنابل، في انتظار اتخاذ القرار حول مصير «القائد» الحالي، عبر حكومة تصريف الأعمال او مجلس النواب.
للأسف لقد انضَمّت المؤسسة العسكرية الى لائحة ضحايا الشغور الرئاسي الذي هو أصل العلة والبلاء. وبعدما كان الجيش ضامن الأمن، بات ينتظر من يضمن «أمنه» في مرحلة انعدام الوزن وتراكم التحديات.
المتحمّسون لتمديد ولاية العماد جوزف عون مقتنعون بأنّ هذا الخيار هو الأنسب لإمرار هذه المرحلة بأقل الخسائر الممكنة، لافتين الى انّ حرب غزة وتداعياتها على لبنان، الى جانب تهديدات أخرى، لا تتحمّل ترف تحويل موقع قيادة الجيش الى حقل للتجارب او لتصفية الحسابات.
بالنسبة إلى هؤلاء، ما دام تعيين قائد جديد، وهو الحل الأفضل، غير ممكن راهناً في ظل غياب رئيس الجمهورية، فإنّ البديل الأكثر ملاءمة يبقى التمديد لعون كونه الأقدر حالياً، بفِعل خبرته الغنية وتجربته الناجحة، على مواجهة المخاطر الداهمة واحتوائها، سواء ما يتصل منها بالوضع السائد في الجنوب او بتحدي ملف النزوح السوري.
ويلفت دعاة التمديد الى انّ جوزف عون يحظى بتأييد داخلي واسع النطاق يُستثنى منه فقط التيار الوطني الحر ويستحوذ كذلك على دعم خارجي كبير من اللجنة الخماسية ودول فاعلة. وبالتالي، فإنّ هذا التقاطع حوله يشكل عنصر قوة له وللمؤسسة العسكرية، لا يصحّ التفريط به.
ويشدد هؤلاء على أن الضرورات تبيح المحظورات احياناً، وطرح التمديد ينبع من خصوصية الدور الذي يؤديه الجيش في هذه الظروف الصعبة والمصيرية، وهو دور يرتبط بالأمن القومي اللبناني الذي يظل فوق كل اعتبار.
اما الرأي الآخر فله أيضاً حيثياته ودوافعه التي يُفنّدها وزير في حكومة تصريف الأعمال ومقاطع لاجتماعاتها بالقول في مجلس خاص: المطلوب مقاربة استحقاق تفادي الشغور في قيادة الجيش، على قاعدة تطبيق القانون والدستور، من دون أن نلوي عُنقيهما او ذراعيهما تِبعاً لمصالح سياسية ضيقة.
ويشير الى انه وكما تصرّفنا من قبل لمنع الفراغ في موقعي حاكم مصرف لبنان والمدير العام للأمن العام، من غير اللجوء إلى التمديد لهذا او ذاك، علينا الآن أن نتصرف على النحو نفسه، إذ انّ أداة القياس ينبغي أن تكون واحدة، فلا نقيس مرة بالمتر ومرة أخرى بالشبر.
ويعتبر هذا الوزير انّ الاحتكام الى القانون والدستور هو أفضل حل في مواجهة اي أزمة، لافتاً الى انّ محاولات التمديد لقائد الجيش، مع محبتنا وتقديرنا له، غير مقنعة.
ويضيف: أنا شهابي المنحى في تعاملي مع شؤون الدولة، ولا بأس من الالتفات في هذا السياق الى انه عند انتهاء ولاية الرئيس فؤاد شهاب رفض التجديد له، وحين أصَرّ البعض عليه، اشترط الحصول على اجماع مجلس النواب وهو أمر كان يعرف انه مستحيل.
ويتابع الوزير متوجّهاً بنصيحة للعماد جوزف عون: لو كنتُ مكانك لخرجتُ وقلت «انا مع التقيّد بالقانون من دون مُحاباة لأحد، ويجب أن يطبّق عليّ وعلى الجميع بلا استثناء».
ويعتبر ان واحدة من أبرز مشكلات لبنان هي الاستنسابية في تنفيذ القوانين التي تخضع الى الامزجة المتقلبة لأصحاب القرار.
ويتساءل: لماذا محاولات التشاطر والالتفاف على الأصول المرعية الاجراء ؟... هناك سن معروفة للتقاعد في المؤسسة العسكرية، وعندما يحين الأوان ينبغي بكل بساطة على المعني بالأمر ان يتقاعد حرصاً على الانتظام والتراتبية.
ويستغرب الوزير دخول الموفد الفرنسي جان إيف لودريان على خط الضغط في اتجاه التمديد لقائد الجيش، متسائلاً: هل يلجأون في فرنسا الى بدعة التمديد عند انتهاء ولاية المسؤولين السياسيين والعسكريبن عندهم؟ هل هم مستعدون لتعليق الدستور والقانون من أجل التمديد لشخص؟ اذا كانوا يفعلون ذلك فنحن سنحذو حذوهم أيضاً... أما ان يطبّقوا القانون في فرنسا ويدعون الى مخالفته خارجها، فليسمحوا لنا «وخَلّيهم يهَدّوا البال شوي...».
ويعتبر ان التخوّف من تداعيات عدم التمديد لعون هو تهويل ليس في محله، مشيراً الى انه عند اقتراب نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة حَذّرونا من انّ رحيله سيؤدي الى الويلات والخراب وان الدولار سيقفز الى المجهول، بينما العكس هو الذي حصل بعد مغادرة سلامة إذ استقر سعر الصرف وتوقفت الفوضى في البنك المركزي.
ويُنبّه الوزير الى خطورة الايحاء بأنّ مصير البلد يتوقف على أشخاص، أيّاً كانوا، مؤكداً انّ كل مسؤول في اي موقع قابل للاستبدال، والمؤسسة وحدها هي الثابتة.