يستحوذ مصير قيادة الجيش على الاهتمام الداخلي مع دنو استحقاق نهاية ولاية العماد جوزف عون، على وقع أخذ وردّ حول السيناريو الأنسب لتفادي الفراغ في هذا الموقع.
كما كان يخشى كثيرون، وصلت تداعيات الشغور الرئاسي وآثاره السلبية الى قلب المؤسسة العسكرية التي وجدت نفسها وسط معمعة غير مسبوقة بفعل الانقسام الداخلي حول الصيغة الأفضل، او الأقل سوءاً، لاستباق الشغور في مركز قيادة الجيش، مع اقتراب ولاية عون من الانتهاء، في ظلّ فراغ قصر بعبدا ووجود حكومة تصريف أعمال يقاطعها الوزراء المحسوبون على «التيار الوطني الحر».
وعلى الرغم من الحساسية الخاصة للمؤسسة العسكرية والهالة التي تحوط بها، الاّ انّ ذلك لم يكن كافياً لحمايتها من رياح السجال السياسي التي هبّت عليها وعصفت بها، تحت وطأة الاشتباك الدائر بين القوى الداخلية على باب مكتب القائد.
هناك من يريد تعيين قائد جديد والّا فليتسلّم الأعلى رتبة حالياً، وهناك من يفضّل التمديد لعون بعد تأخير تسريحه، سواء بقرار من الحكومة او بقانون صادر عن المجلس النيابي، والبعض يدعو إلى تعيين رئيس أركان تُناط به القيادة تلقائياً بعد انتهاء ولاية عون وفق ما يلحظه القانون.
والمفارقة انّ لكل من هذه الاحتمالات، أسبابه الموجبة وفذلكته القانونية، خصوصاً انّ باب الاجتهادات مفتوح على مصراعيه، والدراسات القانونية باتت غبّ الطلب في «السوق السوداء» ويمكن ان تُفصّل على قياس هذا الطرح او ذاك.
ومن مظاهر التخبّط في المقاربة، انّ البلد استفاق ذات صباح على تداول واسع باحتمال تعيين مدير المخابرات العميد طوني قهوجي قائداً للجيش، ثم نام في المساء على ارتفاع اسهم التمديد للعماد عون، قبل أن تصبح كل الفرضيات واردة في انتظار اكتمال النصاب السياسي المطلوب من أجل ترجيح كفة إحداها على ما عداها.
ولكن أين «حزب الله» مما يجري، وماذا عن حقيقة خياره، وسط التأويلات المتفاوتة التي يخضع لها موقفه؟
يتعامل الحزب مع هذا الملف انطلاقاً من قاعدة الانفتاح على كل الاحتمالات وإبداء المرونة في مقاربتها، أما الثابتة الوحيدة بالنسبة إليه والتي لا يقبل التفريط بها، فهي ضرورة المحافظة على تماسك الجيش وعدم حصول فراغ في قيادته، مهما كلّف الأمر.
وبهذا المعنى، يؤكّد العارفون انّ الحزب لا يمانع في تعيين قائد للجيش او التمديد للعماد جوزف عون او ملء مركز رئيس الأركان الشاغر، بحيث يتولّى هو مسؤولية القيادة موقتاً، وإن يكن يفضّل في المبدأ خيار تعيين قائد جديد كونه الأكثر ثباتاً وضماناً لاستقرار المؤسسة.
ولكن الحزب لا يتمّسك بهذا الخيار، آخذاً في الاعتبار انّ البعض لا يستسيغه، على قاعدة انّ من الأفضل انتظار انتخاب رئيس الجمهورية حتى يكون شريكاً في اختيار قائد الجيش الذي سيلازمه في عهده، بدل ان يُفرض عليه مسبقاً منذ الآن.
من هنا، لا يعارض الحزب، وخلافاً لانطباعات مغايرة سائدة، التمديد لعون اذا تمّ التوافق عليه، وهو ليس في صدد انتهاز الفرصة لتصفية الحسابات معه والتخلّص منه، وإلاّ ما كان ليبدي انفتاحاً على اقتراح التمديد، كما يوضح العارفون الذين يلفتون الى انّ الحزب الذي تعاون مع جوزف عون ست سنوات لن يغص بسنة إضافية، خصوصاً انّ سلوكه في سياق معركة الحدود التي تدور بين المقاومة والعدو جيد ولا غبار عليه.
يبقى أنّ المعيار الأساسي في اي قرار سيُتخذ، وفق اقتناع الحزب، يكمن في تأمين أكبر توافق ممكن عليه، بغية تحصينه وتفادي خطر ان يفرز تداعيات وخيمة العواقب، في حال لم يحظ بالغطاء الكافي.
ويلفت المطلعون إلى وجود خشية من ان يبادر وزير الدفاع موريس سليم، بالتنسيق مع رئيس «التيارالوطني الحر» جبران باسيل، الى تعيين قائد للجيش رداً على اي تمديد مفروض وغير قانوني لعون، بمعايبر «التيار»، الأمر الذي من شأنه ان يهدّد وحدة قيادة المؤسسة العسكرية.
بناءً عليه، يحاول الحزب ان يؤدي دوراً توفيقياً بين القوى المعنية بتحديد مصير قيادة الجيش، وبالتالي فإنّه يدفع في اتصالاته نحو تكريس المبدأين الآتيين:
- منع الشغور في موقع القيادة، لأنّ الأمن القومي لا يتحمّل مثل هذا العبث في ظل التحدّيات الداهمة، من التهديد الاسرائيلي الى مخاطر النزوح وما بينهما.
- تحقيق أوسع توافق حول صيغة المعالجة، لأنّ البلد الذي يعاني من أزمات عدة لا يطيق مزيداً من الانقسامات.