حرب الإبادة التي تشنّها اسرائيل على قطاع غزة على احتدامها منذ نحو سبعة اسابيع، وتركّز استهدافاتها على المدنيّين، حيث ارتفع عدد الشهداء الى 13300، فيما بقيت وقائع الميدان العسكري مجهولة، وسط حديث اسرائيلي متواصل عن تحقيق انجازات، في مقابل اعلان حركة «حماس» عن مواجهات ضارية تخوضها ضدّ الجيش الاسرائيلي وتدمير عشرات الآليات العسكرية، على انّ الحدث الأبرز امس، كان تعرّض تل ابيب لقصف صاروخي تبنّته «حماس»، هو الأعنف من نوعه منذ بدء الحرب. فيما برز في المقابل، اعلان الرئيس الاميركي جو بادين عن انّ اتفاقاً للإفراج عن اسرى لدى «حماس» بات وشيكاً، كشف الاعلام الاسرائيلي انّ الجيش الاسرائيلي أعطى الضوء الأخضر للمستوى السياسي لتنفيذ صفقة تبادل مع حركة «حماس»، وبانتظار ردّ الأخيرة في غضون نصف يوم».. واما على الجبهة اللبنانية، فإنّ تصاعُدُ العمليّات العسكريّة على الحدود الجنوبيّة، يشي بتدرّج متسارع نحو حرب حقيقيّة. ولاسيما انّ هذه العمليات بدأت تتجاوز خط النار الممتد من رأس الناقورة الى مزارع شبعا، وتتوسع في اتجاه المستوطنات الاسرائيلية، وكذلك الى مديات بعيدة من الحدود، بالقصف الإسرائيلي المركّز على عمق البلدات الجنوبية. فيما لم يطرأ تبدّل على المشهد السياسي، أو ما يؤشّر إلى حلحلة وشيكة لملف قيادة الجيش العالق بين المطبّات السياسيّة والنكايات، في انتظار ما قد يستجد حول هذا الملف خلال الايام المقبلة.
الواضح على الحدود الجنوبية انّ الميدان العسكري سبق كلّ الدعوات إلى التهدئة وعدم توسيع دائرة الصراع، والعمليّات العسكريّة بالوتيرة العنيفة والمكثفة التي بلغتها في الأيّام الاخيرة، توحي وكأنّها على شفير أن تفقد ضوابطها وفق ما تسمّى قواعد الاشتباك المعمول بها بين «حزب الله» والجيش الاسرائيلي.
فقد شهدت منطقة الحدود امس، يوماً عالي التصعيد، تنقلت فيه العمليات العسكرية والقصف المعادي الاسرائيلي على طول خط المواجهة، امتداداً من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وصولاً الى الناقورة. حيث بدت المنطقة مسيطراً عليها بالنار من كلا الجانبين. واللافت للانتباه انّ «حزب الله» مضى في رفع وتيرة التصعيد ضدّ المواقع العسكرية الاسرائيلية، الذي انتهجه منذ بداية الاسبوع الماضي، وشنّ في الساعات الماضية سلسلة هجمات، واعلن انّه حقق فيها اصابات مباشرة.
وفي بيانات متلاحقة للحزب، اعلن انّ المقاومة الإسلامية استهدفت مراكز تجمّع وانتشار جنود الاحتلال الإسرائيلي غرب كريات شمونة بالقذائف المدفعية، وتجمّع مشاة إسرائيليين في محيط موقع الضهيرة بالقذائف المدفعية، وتجمّع مشاة إسرائيليين في مثلث الطيحات بالصواريخ والقذائف المدفعية، وتلة الكرنتينا قرب موقع حدب يارون، ثكنة برانيت مركز قيادة الفرقة 91 بصاروخي «بركان» من العيار الثقيل، وثكنة زبدين في مزارع شبعا ومراكز تجمّع جنود الاحتلال غرب كريات شمونة بثلاث مسيّرات انقضاضية.
واعلنت وسائل الاعلام الاسرائيلية انّ رادارات الجيش الاسرائيلي لم تكشف الطائرات المسيّرة، وذكرت القناة 12 الاسرائيلية أنّ «حزب الله» اطلق منذ صباح امس، 40 صاروخًا و3 طائرات إنتحارية تجاه مواقع الجيش «الإسرائيلي» في الجليل، أعنفها كان إطلاق صاروخ «بركان» على قاعدة برانيت والحق فيها اضراراً ضخمة، فيما ذكرت اذاعة الجيش الاسرائيلي انّ قذائف هاون أُطلقت من لبنان على منطقة برعام والجيش ردّ على مصادر النيران». واشار الاعلام الاسرائيلي الى انّه في اعقاب القصف من لبنان جرى إغلاق طرقات رئيسية في الشمال امام حركة السيارات في مستوطنات «مرغليوت» و»مالكية» و»راموت».
في هذا الوقت، واصل الجيش الاسرائيلي اعتداءاته على المناطق والبلدات اللبنانية، حيث استهدف بالقصف بلدة الخيام، فأطلقت مسيّرة اسرائيلية صاروخاً في اتجاه احد المنازل في البلدة، ما ادّى الى احتراق المنزل. كما استهدفت منزلين آخرين، وتردّدت معلومات عن سقوط ضحايا، كذلك استهدفت كنيسة مار جرجس في يارون قضاء بنت جبيل، ومنزل عضو «كتلة التنمية والتحرير» النائب قبلان قبلان في ميس الجبل، وعلّق قبلان على القصف قائلاً: «الحمدلله لم يكن هناك احد في المنزل، وما استُهدف هو الحجر، وبالتالي «فدا دم المقاومين» فالحجر لا يساوي نقطة دم واحدة». وشمل القصف الاسرائيلي ايضاً، منطقة العزية، واطراف كفركلا، دير ميماس، رب ثلاثين، خراج علما الشعب، مركبا، حولا، محيبيب، مارون الراس، تلة المطران حمامص، وطى الخيام، حي المسلخ في الخيام، تلة العزية، وادي السلوقي، المنطقة الواقعة ما بين بلدتي رميش وعيتا الشعب، الجبين، يارين، طير حرفا، الضهيرة، حرش هورة بين ديرميماس وكفركلا، القوزح، رامية، وادي البياض، الطيبة، ياطر وكفرا.
وقال المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، إنّ «الجيش أغار على مسلّحين حاولوا إطلاق قذائف مضادّة للدّروع في منطقة مروحين. كما أغار من خلال مقاتلات حربيّة ومروحيّة حربيّة ودبّابات، على بنى تحتيّة لـ«حزب الله» داخل لبنان، ردًّا على إطلاق قذائف من لبنان نحو الأراضي الإسرائيليّة».
وأشار، عبر مواقع التّواصل الاجتماعي، إلى أنّ «بالإضافة إلى ذلك، تمّ رصد إطلاق نحو 25 قذيفة صاروخيّة من لبنان نحو إسرائيل في نقاط عدّة على الحدود، حيث اعترضت الدّفاعات الجوّيّة قذائف عدّة، بينما سقطت باقي القذائف في مناطق مفتوحة». وقال إنّ «ثلاث مسيّرات متفجّرة سقطت بالقرب من موقع عسكري، دون وقوع إصابات»، لافتًا إلى أنّ «قوّات الجيش تردّ نحو مصادر إطلاق النّار».
جهود التبريد
وفيما أُعلن أمس عن أنّ قيادة قوات «اليونيفيل» العاملة في الجنوب تكثّف اتصالاتها مع الجانبين اللبناني والاسرائيلي لاحتواء الموقف وعدم تفاقمه محذّرة من خروج الامور عن السيطرة، كان لافتاً للانتباه أنّ القنوات الديبلوماسية الغربية عادت لتتحرّك في الساعات الأخيرة، لتنقل رسائل متجدّدة الى المسؤولين اللبنانيين، تعبّر عن قلق بالغ من الوضع المتفجّر في منطقة الجنوب، وتحذّر من خطأ الانزلاق إلى تفجير اكبر، وتحث على بذل الجهود لتبريد جبهة الجنوب وإخراجها من دائرة التصعيد.
وبحسب معلومات «الجمهورية»، فإنّ الحركة الديبلوماسية المتجددة، تركّز في بعدها الأساسي على «حزب الله» وضرورة ثنيه عن توسيع دائرة الصراع، وأما في جانبها الآخر فهي انطوت على رسائل مباشرة، تفيد بعدم رغبة اسرائيل في توسيع نطاق الحرب تجاه لبنان. هذا في وقت بقيت فيه قنوات الاتصال الاميركية مفتوحة مع لبنان، وتؤّكد أنّ واشنطن تبذل جهداً مكثفاً مع الجانبين اللبناني والاسرائيلي لعدم رفع سقف التصعيد الى مواجهات واسعة».
هوكشتاين في إسرائيل
واللافت في هذا السياق ما اعلنه موقع «اكسيوس» الاميركي عن «وجود الموفد الرئاسي الاميركي آموس هوكشتاين في اسرائيل، لإجراء مباحثات في شأن تجنّب الحرب بين اسرائيل ولبنان».
ونقل موقع «والا» الاسرائيلي عن مسؤولين اميركيين واسرائيليين انّ كبير مستشاري الرئيس الأميركي جو بايدن عاموس هوكشتاين، وصل إلى إسرائيل، لبحث الجهود المبذولة لمنع نشوب حرب مع لبنان.
ونقل الموقع عن المسؤولين تأكيدهم «أنّ هناك قلقاً متزايداً في الإدارة الأميركية من أن يؤدي التصعيد على الحدود الشمالية إلى تطوّر الحرب في غزة إلى حرب إقليمية، الأمر الذي سيتطلّب تدخّلاً عسكرياً أميركياً أكبر».
وذكر الموقع نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين وأميركيين كبار، انّ من المتوقع أن يلتقي هوكشتاين بوزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، ومستشار الأمن القومي تساحي هنغبي، ويناقش معهم الوضع على الحدود الشمالية.
ووفق مسؤول أميركي للموقع المذكور، فإنّ «هوكشتاين سيؤكّد أنّ استعادة الهدوء على الحدود الشمالية يجب أن تكون أولوية قصوى»، فيما قال مسؤول اسرائيلي كبير: «إنّ إسرائيل تريد من الولايات المتحدة أن تعمل ديبلوماسياً للضغط على «حزب الله» لسحب قوة الرضوان الخاصة به من الحدود».
الى ذلك، سألت «الجمهورية» جهات مسؤولة عمّا اذا كان هوكشتاين سيزور لبنان، فقالت: «إن صحّ ما يُقال عن أنّه حضر الى اسرائيل في مسعى لعدم تطور الامور في الجنوب الى حرب، فهذا يعني انّ زيارته الى لبنان ليست مستبعدة».
وكان هوكشتاين قد شارك في فعاليات منتدى المنامة - قمة الأمن الاقليمي، ونُقل عنه قوله «انّ ما يحصل في غزّة يجب ان لا يؤثّر على حدود لبنان»، مؤكّدا انّ اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل قائم، والخطة المستقبلية يجب أن تكون في ترسيم الحدود البرية».
تهديدات
وفيما أكّد «حزب الله» انّه يترك تطور الامور الى مجريات الميدان العسكري، بالتوازي مع جهوزية كاملة لأي احتمال، وعلى ما قال نائب امينه العام الشيخ نعيم قاسم، «بأنّ المقاومة هي الحل الوحيد، وكل كلام غير المقاومة لا ينفع في مواجهة التحدّيات، وسنبقى في الميدان، على الرغم من كل الأصوات التي لا يعجبها ذلك، لأنَّه لا يمكن أن نحمي بلدنا وخياراتنا وأجيالنا وتربيتنا إلَّا من خلال القوَّة التي نملكها، هذا الحقُّ الذي معنا لا يمكن أن يستقيم في واقع الحياة إلَّا بالقوة، سنواجه قوتهم بقوتنا مع حقنا وسننتصر». توالت في المقابل التهديدات الاسرائيلية بحرب مدمّرة للبنان، وعكس ذلك الإعلام الاسرائيلي الذي كشف عن نقاش داخل المستويين السياسي والعسكري الاسرائيليين، حول الوضع في لبنان، وقالت انّ انقساماً ملحوظاً بين جنرالات الجيش الاسرائيلي حول لبنان، مشيرة الى أنّ بعض هؤلاء الجنرالات يدفعون الى تصعيد المواجهة مع لبنان وضرب «حزب الله» الذي يمارس تصعيداً كبيراً ضدّ قوات الجيش وبلدات الشمال، فيما رفض البعض الآخر الإقدام على ذلك، لأنّ الحرب في الشمال ليست سهلة، فـ«حزب الله» ليس «حماس»، والحرب معه في هذا الوقت مكلفة للغاية وتؤدي الى خسائر باهظة».
ضغط اميركي
واشار الإعلام الاسرائيلي الى انّ واشنطن تواصل ضغوطها على تل ابيب لعدم التصعيد مع لبنان، مع تشديدها على ان يكون الردّ على عمليات «حزب الله» دقيقاً ومدروساً، دون الانزلاق الى خطأ توسيع دائرة المواجهة، الذي قد يمهّد لاشعال جبهات اخرى». وفيما تُثار تساؤلات حول الموقف الاميركي وتغطيته الكاملة لحرب اسرائيل التي تشنها من دون ضوابط على قطاع غزة، في وقت ترفض فيه واشنطن توسيع دائرة الصراع الى لبنان تحديداً، نقل مسؤول كبير عن ديبلوماسي غربي قوله رداً على استفساراته حول حقيقة الموقف الاميركي: «إنّ اولوية واشنطن كانت ولا تزال الحرب الدائرة في اوكرانيا، إلّا أنّ تطور الوضع في غزّة، فرض وقائع جديدة عليها صرف تركيزها على الجبهة الاوكرانية، ولحضور في المنطقة انفاذاً لأولويتها أي «أمن اسرائيل»، لتشكّل عامل إسناد لها في حربها على «حماس»، وكعامل رادع لأي محاولة لتوسيع جبهات القتال ضدّ اسرائيل. فواشنطن تريد لاسرائيل ان تحسم حربها سريعاً، خلافاً لما يقوله قادة اسرائيل، لتعود بعد ذلك الى التركيز مجدداً على جبهة اوكرانيا، حيث ثمة استعدادات وتحضيرات وتحشيدات، تعزز الخشية من ان تبادر روسيا الى ما قد يفرض وقائع جديدة تقلب مجريات الحرب رأسا على عقب».
روسيا: الوضع خطير
وبرز في هذا السياق، موقف لسفير روسيا في لبنان ألكسندر روداكوف الذي قال بعد لقائه وزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال عبدالله بوحبيب: «الوضع في لبنان والجنوب وهو خطير جداً، ولا بدّ من وقفه، والأحداث في المنطقة خصوصاً في غزة، ونحن في كل المحافل الدولية ننادي بالسلام ووقف العمليات الحربية والعسكرية».