الجُملةُ نفسُها تتكرر على ألْسِنة الناس في العالَم العربي، وأيضاً على ألْسِنة أهل الصحافة والإعلام المتخصّصين منهم في السياسة والتاريخ، و»المتخصّصين» منهم في اللّت والعَجْن لا غير.
وإذا كان بعض العرب اعتاد على قول تلك الجملة «سنرد في الوقت المناسب» تهرّباً من الحقيقة والحسم والمعركة، فإنّ توجيهها من الاعلامي عمرو أديب إلى السيّد حسن نصرالله على الهواء بالحرفية التالية «غزّة تُباد، فمتى يكون الوقت المناسب للحرب يا سيّد؟» هو نوع من إلصاق تُهمة على صدر شخص لا يجوز أن يُلصق على صدره غير وسام الانتصار على الأعداء، بينما الذين اعتادوا على الجُملة الارتخائية إيّاها يمكن أن يكون عمرو أديب من المُنظّرين لهم، ولسنا لنقول أكثر!
لكنّ بالفعل إذا أخذنا تعبير «الوقت المناسب» وناقشناه وقلّبناه يميناً وشمالاً وشرقاً وغرباً فلمَن ينبغي أن نعطيه لتقدير ظروفه وتقرير أحواله وإظهار تفاصيله؟ هل نعطي «الوقت المناسب» إلى الصحافيين ليبحثوا فيه ويُثمّنوا معطياته ويُدقّقوا في مجرياته وأكثرهُم للأسف الذي ما بعده أسف تحوّل إلى أبواق لهذا وذاك وذلك وكل مَن هبّ ودَب من أصحاب المصالح وآراؤه تحوّلت إلى جيوبه... أما القلّة المتبقية فهي قد تكون نظيفة وحصيفة لكن الإحداثيّات السياسية والعسكرية والجغرافية، والأدوات اللوجستية بالنسبة إلى الحرب والمعارك ليست في يدها، وتالياً فإنها قد تعتمد على لحظة انفعالية ربما تكون مدمّرة لأصحابها!
«الوقت المناسب» بالنسبة إلى المعارك والحروب يحدّده الإختصاصيّون المتابعون، سياسياً وعسكرياً وجغرافياً الذين يُلحِقون الشقّ الاعلامي بهم. الأصل في «التوقيت المناسب» هو دراسة الأرض والسماء (الدبابات والطائرات) ومعرفة دقائق الميدان وخطَطه واستدراكاته، وميزان القوى ونقاط الضعف ونقاط القوة ثم دور الإعلام في التنوير وإظهار ما يفيد في شَحذ الهمم للمقاتلين والجمهور. فلو سألنا اليوم هؤلاء الإعلاميين المنتشرين في عالمنا العربي كالقِطَط السمان ماذا عندكم من معطيات «الوقت المناسب» للحرب؟ فبماذا يجيبون غير ما اعتادوا الإجابة عنه من المواضيع التي ترتدّ عليهم إيجابياً مادياً ولو كانت نافلة شكلاً ومضموناً؟ هل يعرفون ميزان القوى على الجبهة؟ ميزان الانتباه العالمي المتابِع؟ ميزان الأسلحة الميدانية بين الفريقين؟ ميزان الاستعداد النفسي العسكري للجنود؟… إنّ أغلب، إذا لم يكن كل الذين دَعوا من الاعلام العربي إلى خَوض الحرب كانوا يريدونها حرباً تنهي «القريب» لا العدو، من دون توجيه هذه التهمة إلى أحد معيّن، لكنها حالة حقيقية انكشفَت بيننا تماماً.