كيف يتعامل أفراد الأسرة مع مريضهم النفسي؟ (2)
كيف يتعامل أفراد الأسرة مع مريضهم النفسي؟ (2)
اخبار مباشرة
اليسار حبيب
جريدة الجمهورية
Monday, 29-Apr-2013 23:15
كنّا قد تحدّثنا في مقال سابق عن ردّات الفعل التي تنجم عن العائلة ما أن تعلم بأن أحد أفرادها يعاني من مرض نفسيّ، وذكرنا بأن ردود الفعل الاوّلية غالباً ما تكون سلبية تنتج عن الخوف والقلق. لذلك نتطرّق اليوم الى سبل المعاملة التي تساعد المريض على التحسّن.
عندما يعلم أفراد الأسرة بأنّ أحد الأبناء يعاني من مرض نفسيّ فإنّهم يتوتّرون ويقلقون ويشعرون بالخوف عليه من جهة، وبالخوف على صورتهم الاجتماعية ومكانتهم من جهة أخرى. ولكن ردود الفعل السلبية هذه من شأنها أن تجعل المريض يتقوقع في مرضه أكثر ويصعّب عليه العلاج.

ومن هنا على أفراد الأسرة أن يتكاتفوا ويلعبوا الدور الأبرز لمساعدة مريضهم في الخضوع للعلاج والتحسن وتحاشي تفاقم المشكلة. وفي هذا السياق قدّمت المعالجة النفسية إستير بو أنطون بعض الخطوات التي إذا إتُّبعت ستساعد المريض في التحسّن:

• أوّلاً: إكتشاف العوارض

أوضحت الإختصاصية في علم النفس العلاجي بأن ثمّة عوارض ترافق المريض وعلى الاهل إكتشافها والعمد الى إستشارة طبيب نفسي في محاولة لعلاجها.

وتابعت مشددةً "ما أن يلاحظ أحد أفراد الأسرة بأن ثمّة فرداً يقوم بتصرّفات مبالغ بها وغير مألوفة عنه، خصوصاً إذا كانت تصرّفات عدائية أو إنفعالية (غضب شديد، بكاء مستمرّ...)، أو في حال ظهرت لديه مشاكل على صعيد التواصل مع الآخرين وترابط الأفكار وأصبح إنطوائياً أكثر من الحدّ الطبيعي، على الأهل إستشارة طبيب أو معالج نفسيّ وذلك بهدف الحدّ من تفاقم المشكلة أكثر وتدهور حالة المريض النفسية الى الأسوء".

وأكّدت بو أنطون في هذا السياق أنّ "الاستشارة تساعد في تحديد المشكلة وتشخيص المرض وبالتالي توجيه الأهل الى العلاج المناسب، فثمّة أمراض لا يمكن الشفاء منها إلّا من خلال إتّباع علاج". ودعت الأهل الى عدم إهمال هذه المرحلة "لأنه إذا أُهمل المريض فقد يعرّض حياته وحياة الآخرين للخطر".

• ثانياً: إعادة تنظيم حياة الأسرة

بعد مرحلة إكتشاف العوارض وتشخيص المرض والتوجّه نحو العلاج، فإنّ على الأسرة أن تعمد الى المرحلة الثانية والتي تتمحور حول "إعادة تنظيم حياتها بشكل يتناسب مع الوضع الجديد والأزمة التي طرأت عليها، وبشكل لا يتعارض مع الحياة الشخصية واليومية والعملية والاجتماعية لأي فرد من أفرادها"، أوضحت بو أنطون مشددةً على ضرورة أن "لا تتمحور الحياة العائلية حول حياة المريض فقط".

• ثالثاً: قبول الواقع وتقديم الدعم

في مرحلة لاحقة لمرحلة تنظيم حياة الأسرة من جديد تتكلّم المعالجة النفسية حول ضرورة تقديم الدعم للمريض ويتجلّى الأمر في ذلك من خلال "قبول الواقع وعدم الخجل بالمريض ومرضه أمام المجتمع، وعدم الانطواء على الذات".

ودعت أفراد الأسرة الى التفكير بأن كلّ إنسان معرّض للإصابة بمرض نفسيّ في أيّ لحظة من حياته، ولذلك فإن "الخجل والانطوائية يقفان عائقاً أمام العلاج والشفاء، ولا يشكّلان حلاًّ لا للمريض ولا لعائلته والمحيطين به"، وختمت بو انطون هذه الفكرة مؤكّدةً أن "العائلة هي التي تقرر فيما إذا كانت ستسمح للمرض بتدمير الحياة الأسرية، أو على العكس مواجهته عن طريق الاستمرار بالعطاء والحبّ".

• رابعاً: الثقة والاحترام

لا يمكننا التكلّم عن دعم المريض ومساعدته لمواجهة مرضه من دون التطرّق الى موضوع إحترام المريض ومنحه الثقة، وهذا ما يأتي في المرحلة الرابعة "فالمريض النفسي يكون بحاجة الى حضور إنسانيّ وعائليّ وليس فقط للأدوية والعلاجات".

وفي هذا السياق، ركّزت المعالجة النفسية على أهمية التوازن في العلاقة بين المريض وأسرته "فعلى الاهل أن يحبّوا مريضهم النفسي ولكن بطريقة طبيعية وغير مبالغ بها كي لا يشعر بأنه طفل عاجز عن تحمّل المسؤولية". ومن هنا حثّت الأهل على "تركهم المجال للمريض بأخذ المبادرات والقرارات -حتّى ولو بأمور بسيطة- بقدر ما تسمح له حالته النفسية والجسدية بذلك".

كما تكلّمت حول أهميّة "إشراكه في الحياة الأسرية اليومية والابتعاد عن الانتقادات وتحميله الذنب وذلك كي لا يشعر بأنه معزول عن العائلة".
* في الختام، علينا التأكيد بأن المرض النفسي هو ظاهرة قد تصيب أيّ شخص وعلى أفراد الأسرة أن يتكاتفوا في محاولةٍ لعلاجها وحلّها، وان لا يتركوا المريض يتخبّط في صراعات داخليّة تؤدّي به الى الانزواء والانعزال.
theme::common.loader_icon