على الرغم من وعد روسيا بالحفاظ على السلام في منطقة ناغورنو كاراباخ، إلاّ انّ قوات حفظ السلام الروس لم يتدخّلوا خلال النزاع الأخير، وبالتالي سرعان ما أجبرت أذربيجان السلطات المؤيّدة لأرمينيا على الاستسلام، متجاوزة وقف إطلاق النار السابق الذي كان توسّط من أجله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
حرب اوكرانيا
في هذا الإطار، يرى محلّلون جيوسياسيون، انّ الحرب في أوكرانيا أضعفت قدرة روسيا على الاستمرار في هيمنتها على المنطقة. لذلك تقوم موسكو الآن بمراجعة خياراتها وتراهن على أذربيجان أكثر من أرمينيا للمستقبل. ففي أرمينيا يعارض المحتجون روسيا، فيما تحتفل أذربيجان بانتصارها برفقة الأعلام الروسية والتركية.
بالفعل، فشلت روسيا في التدخّل حتى اللحظة الأخيرة، مما يشير إلى قدرتها المحدودة عسكرياً وديبلوماسياً في جنوب القوقاز. تركّزت اهتماماتها على أوكرانيا، مما سمح لأذربيجان بشنّ هجوم على الأراضي الأرمينية، من دون أن تخشى تدخّلاً من روسيا التي لا تنوي سحب قواتها من المنطقة، وتحاول الآن حماية المدنيين الفارين ومنع عمليات الانتقام.
ازدياد قوة باكو
في هذا الوقت، تزداد قوة أذربيجان الاقتصادية والعسكرية، مما يشجع موسكو على الاهتمام بمصالحها مع أذربيجان، التي يمكنها ان تقدّم سوقًا أكبر للسلع الروسية، بخاصة الأسلحة، وطرقاً تجارية حيوية مع إيران وتركيا.
وتجدر الاشارة إلى انّ الحرب في أوكرانيا أثقلت كاهل روسيا، بينما زادت من ثروة أذربيجان، مما جعلها بديلاً رئيسيًا لإمدادات الطاقة.
كذلك راهنت باكو على المصلحة الأوروبية في التعامل معها من أجل طاقتها.
عدم ثقة بباشينيان
ويرى المحللون، انّ روسيا تهدف إلى استبدال الزعيم الأرميني نيكول باشينيان، الذي لم تثق به موسكو أبدًا. وأفضت أفعال أرمينيا، مثل لقاء الرئيس الأوكراني والتصديق على اتفاق روما، إلى زيادة عدم الثقة الروسية. ثم تحدّي دور روسيا كقوة تقييدية بعد النزاع في أوكرانيا.
ميدانياً
وقفت قوة حفظ السلام الروسية جانبًا، بينما قامت أذربيجان بقطع الممر اللوجستي الاستراتيجي بين أرمينيا وناغورنو كاراباخ. ويعتقد الخبراء أنّ عدم استعداد روسيا ونقص مواردها للحفاظ على الاتفاق الذي تمّ التوصل اليه عام 2020 من قِبل بوتين، كان واضحًا منذ تلك اللحظة. كان الأرمن في ناغورنو كاراباخ محكومين بالفشل بمجرد أن تمّ التنازل عن الطريق لصالح أذربيجان.
يعترف رئيس وزراء أرمينيا بأنّ الاعتماد تقريبًا بالكامل على روسيا كان خطأً كبيرًا. نظرًا للحرب في أوكرانيا، حتى روسيا بحاجة إلى أسلحة وذخائر. كانت هناك اعتمادات أمنية كبيرة في أرمينيا على روسيا، ولكن هذا الأمر أصبح الآن ثغرة مكشوفة.
ولم يخف الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف استياءه من أداء الجيش الروسي في ناغورنو كاراباخ، إذ انّ اقتصاد أذربيجان بشكل كبير نما منذ الحرب الأولى حول ناغورنو كاراباخ، بفضل أرباحها من النفط والغاز. وزادت الحرب في أوكرانيا من الفجوة الاقتصادية وأضافت الى موقف أذربيجان الديبلوماسي.
التداعيات على المنطقة
يسلّط النزاع في ناغورنو كاراباخ الضوء على الدور المتناقص لروسيا. وقد يؤدي الغضب ضدّ باشينيان في أرمينيا إلى استبداله في نهاية المطاف، بقيادة تدعمها موسكو. لكن علاقة روسيا المتجددة مع أذربيجان تعزّز تحالفها مع تركيا.