السلطة التأسيسية (1)
السلطة التأسيسية (1)
المحامي الدكتور نقولا فتوش
Friday, 25-Aug-2023 06:29
يقـول Georges Burdeau في السلطة التأسيسية: C’est constater ensuite que le pouvoir constituent est supérieur à la constitution comme le créateur l’est à la créature.
 

تعريفهـا العـام وتصنيفها

 

1 - تعـرف السلطـة التأسيسيـة إجمـالاً، بكونهـا الهيئـة التي تتمتـع بالصلاحيـة الدستوريـة، أي بالقـدرة على إقـرار دستـور جديـد أو تعديـل دستـور سـاري المفعـول.

 

Le pouvoir constituant est généralement défini comme "l'organe bénéficiant de la compétence constitutionnelle, c'est à dire doté du pouvoir d'adopter une constitution ou une modification de la constitution en vigueur".

 

-     Cf. O. Duhamel, in "Dictionnaire constitutionnel", P.U.F Edit., Mars 1992, p. 777.

 

2 - السلطـة التأسيسيـة من "الأسـاس" و"التأسيـس". تعـرّف، إجمـالاً بكونهـا "الهيئـة التي تتمتع بالصلاحيـة الدستوريـة، أي بالقـدرة على إقـرار دستـور أو تعديـل دستـور سـاري المفعـول". صلاحيـة تأسيـس الدستـور عمـل سيـادي بحـت، وهي لمـن يملـك السيـادة أصـلاً. هي سلطـة وحـق في آن معـاً.

 

يمكـن التمييـز فيهـا بيـن ثلاثـة انـواع منهـا: الاصليـة والمشقتـة والمختلطـة، ونضيـف الرابعـة: المقنعـة في لبنـان.

 

السلطـة التأسيسيـة الأصليـة:

 

مصدرهـا وشروط قيامهـا

 

1 - تصـدر السلطـة التأسيسيـة عن الشعـب الـذي يشكـل مصـدر كـل السلطـات والعنـوان الكبيـر لجميـع الأنظمـة الديموقراطيـة. أهـمّ سلطاتـه وضـع الدساتيـر وتعديلهـا. وهـو يمارسهـا مباشـرة، بالاستفتـاء العـام، كمـا في سويسـرا والولايـات المتحـدة، أو باستفتـاء ممثليـن عن الشعـب، كمـا في لبنـان، أو بالأسلوبيـن معـاً كمـا في فرنسـا.

 

2 - تعقـب السلطـة التأسيسيـة الأصليـة انقطـاع الشرعيـة، أو ولادة الدولـة. مـا يعنـي انهـا تنشـأ في سيـاق وضـع تعـوزه الأسـس الشرعيـة والقانونيـة. قيـام هـذه السلطـة يعنـي ولادة الشرعيـة. فيشكـل الدستـور، في هـذه الحالـة، نقطـة وصـل بيـن حكومـة فعليـة وحكومـة دستوريـة. وبهـذا، تحمـل السلطـة التأسيسـة الأصليـة قـرار زوالهـا بتمـام العمليـة الدستوريـة.

    

3 - تنشـأ السلطـة التأسيسيـة الاصليـة عن إرادة سياسيـة محـض. فلإرادة الشعـب، المتجسـدة في نوابـه أو ممثليـه، الحريـة المطلقـة في إرسـاء مـا تشـاء من مبـادئ وقواعـد وأحكـام، انطلاقـاً من مصـادر فكـر الأمـة وثقافتهـا ودينهـا وحضارتهـا.

 

4 - تنشـأ السلطـة التأسيسيـة الاصليـة مع نشـوء الدولـة، بمعـزل عن كـل دستـور، كمـا في الـدول التي تنـال استقلالهـا عقـب جـلاء الاستعمـار عنهـا. أو تنشـأ عن سعـي دولـة قائمـة إلى وضـع دستـور جديـد، على أنقـاض دستـور منتهـي الصلاحيـة، كمـا جـرى في لبنـان عـام 1992، أو البلـدان التي تشهـد ثـورة أو انقلابـاً. وفي كلتـي الحالتيـن، تعتبـر عمليـة الإنشـاء فعليـة، لكـن، غيـر مستنـدة إلى مرجعيـة قانونيـة. هي تستنـد، حصـراً، إلى شرعيـة من أمـروا بإنشائهـا.

 

D'après BURDEAU, « la révolution implique la création d'un ordre nouveau. La validité de cet ordre n'est pas un effet de la réussite du mouvement révolutionnaire, qui transformait le fait en droit... elle est fondée sur un changement de l'idée étatique dominant dans le groupe. De même qu'en période paisible, tout ordonnancement juridique repose sur l'idée de droit mise en oeuvre par le gouvernement régulier, de même le soulèvement révolutionnaire s'appuie sur une idée de droit qui concurrence celle qui est officiellement incorporée dans l'Etat »

 

Ainsi, la pensée de Georges BURDEAU se résume en ceci : « la victoire de l'idée révolutionnaire n'est pas par le seul effet de quelques mitrailleuses bien placées, ou de l'occupation opportune des centrales électriques » ; mais aussi par l'effet de la « substitution d'une idée de droit à une autre »

 

Dans ces conditions, poursuit-il, la validité juridique de l'oeuvre révolutionnaire et, par voie de conséquence, de l'activité du pouvoir constituant originaire, ne saurait être contestée.

 

Ainsi, selon lui, la révolution « n'est pas une rupture de droit, c'est une transformation de la structure du droit : l'organisation existante se vide de son contenu juridique tandis que celle qui s'ébauche puise par tous les mécanismes dans le droit nouveau »

 

En définitive, pour BURDEAU, « l'oeuvre du pouvoir constituant originaire est donc au premier chef une oeuvre juridique, puisqu'elle consiste à réintroduire le droit dans une organisation politique et sociale que la sclérose de l'idée de droit ancien avait desséchée »

 

5 - تنشـأ السلطـة التأسيسية في أحـد وضعيـن: إعـداد الدستـور الـذي يتزامـن وولادة الدولـة، أو تغييـر النظـام السياسـي القائـم سلمـاً أو حربـاً. فتختلـف طبيعـة النشـأة من وضـع لآخـر. فهـي تنشـأ، في الوضـع الاول، بمعـزل عن أي وجـود مُمأسـس، وبعيـداً من كـل إرادة سياسيـة أو إداريـة أو نظاميـة. تنشـأ بمجـرد مشيئـة اجتماعيـة، ولا تتحقـق لهـا صفـة التأسيـس إلا عنـد انعقادهـا فتغـدو، من ثمـة مؤهلـة لإعـداد الدستـور. امـا في الوضـع الثانـي، فتنشـأ ضمـن وجـود ممأسـس ومتمثـل بهيكليـة الدولـة القائمـة، حتـى وإن كـان هـذا الوجـود غيـر قانونـي أو قائمـاً في السلطـة التأسيسـة التي أمـرت بالتغييـر، بالرغـم من عـدم شرعيتهـا.

 

مواصفاتهـا

 

1 - يكسـب التأسيـس الصفـة الدستوريـة، والتشريـع الصفـة القانونيـة. مصـدر التأسيـس ليـس كمصـدر التشريـع. وعليـه، فسلطـة التأسيـس تسمـو على جميـع السلطـات التـي تنبثـق منهـا بصـورة مباشـرة أو غيـر مباشـرة.

2 - تمنـح السلطـة التأسيسيـة العمـل أو الجهـاز الـذي تضعـه حـق الصـدارة المطلقـة على كـل مـا عـداه من أعمـال وأجهـزة، وتكـون لهـا بمثابـة المبـدأ والقاعـدة.

3 - السلطـة التأسيسيـة واحـدة، ولا يمكنهـا ان تكـون إلا كذلـك، على صـورة مصدرهـا الحصـري الـذي هـو الشعـب في كـل الديموقراطيـات.

4 - حريـة السلطـة التأسيسيـة مطلقـة، بفضـل انبثاقهـا من إرادة الشعـب. قراراتهـا لا تخضـع لأي قيـد، وليـس عليهـا من رقيـب إلا هي بالـذات.

5 - السلطـة التأسيسيـة أعلـى من الدستـور.

 

«… C’est constater ensuite que le pouvoir constituant est supérieur à la «constitution comme le créateur l’est à la créature..

-    G. Burdeau : T. de science politique, T. IV n° 82, 3e Edit 1983.

 

6 - كمـا إن حريـة السلطـة التأسيسية مطلقـة، لا تخضـع قراراتهـا لأي قيـد:

 

L’autonomie du pouvoir constituant est corollaire de son caractère initial. Nul individu, nul groupe, nul collège ne peut invoquer un titre quelconque à faire pression sur le souverain, ni à plus forte raison se substituer à lui … Il est libre de se prononcer selon des modalités que lui seul a qualité pour fixer, quant au fond, aucune considération ne vient limiter son indépendance (Idem. N° 83).

 

ولأول مـرة تطـرق المجلـس الدستـوري الفرنسـي للبحـث في صلاحيتـه بمراقبـة قانـون دستـوري، كـان في قـراره الصـادر في 6 تشريـن الثانـي 1946 عندمـا قـرر الجنـرال ديغـول تعديـل الدستـور لجهـة انتخـاب رئيـس الجمهوريـة مباشـرة من الشعـب، بـدلاً من انتخابـه من قبـل البرلمـان. وقـد حصـل هـذا التعديـل بنتيجـة استفتـاء شعبـي، فاعتبـر المجلـس الدستـوري نفسـه غيـر صالـح لمراقبـة القوانيـن الصـادرة نتيجـة استفتـاء شعبـي، لأن الشعـب يجسـد السيـادة الوطنيـة التـي لا تعلوهـا سلطـة. وتعليقـاً على هـذا القـرار أقـدم كبـار الفقهـاء ورجـال القانـون على إشبـاع الموضـوع بحثـاً، وكـان الإتجـاه السائـد عندهـم، وعلى رأسهـم العلامـة العميـد VEDEL بـأن لا صلاحيـة للمجلـس الدستـوري بمراقبـة أعمـال السلطـة التأسيسيـة، سـواء كانـت هـذه الأعمـال صـادرة عن الـCongrès أي اجتمـاع مجلـس الشيـوخ والنـواب، كسلطـة تأسيسيـة، أم كانـت صـادرة عن الشعـب مباشـرة.

 

وبقـي الأمـر طـوال ثلاثيـن سنـة مقتصـراً على الأبحـاث الفقهيـة، ويلاحـظ أن الـرأي القائـل انّ السلطـة التأسيسيـة تعلـو كـل سلطـة أخـذ بالتزايـد حتـى انتهـى الى الإجمـاع.

 

وفي سنـة 1992 أصـدر المجلـس الدستـوري الفرنسـي ثـلاث قـرارات سميـت بقـرارات Maastricht (اتفاقـات تتعلـق بالإتحـاد الأوروبـي).

 

وفي الفقـرة 19 من القـرار رقـم 2، ورد مـا حرفيتـه:

 

.. Le pouvoir constituant est souverain, qu’il lui est loisible d’abroger, de modifier ou de compléter des dispositions de valeur constitutionnelle dans la forme qu’il estime appropriée ; qu’ainsi, rien ne s’oppose à ce qu’il introduise dans le texte de la constitution des dispositions nouvelles qui, dans le cas qu’elles visent, dérogent à une règle ou à un principe de valeur constitutionnelle, que cette dérogation peut être aussi bien expresse qu’implicite..

 

-    Favoreu et Philip : Les grandes décisions du conseil constitutionnel, 7ème édit. 1993. P. 792.

 

- بعـد هـذا القـرار، تشـدد الفقهـاء في اعتبـار المجلـس الدستـوري غيـر صالـح لمراقبـة أي قانـون دستـوري صـادر عن السلطـة التأسيسيـة، سـواء إن كـان القانـون مبنيـاً على استفتـاء شعبـي أم على قـرار الـ Congrès، أم على الإثنيـن معـاً، وذلـك بـدون أي تحفـظ. حـق التعديـل ينبثـق فقـط من السيـادة التي يتمتـع بهـا الشعـب في الحكـم الديموقراطـي وصاحـب صلاحيـة التعديـل ممثـل الشعـب، أي مجلـس النـواب. وعليـه، فكـل قانـون أو تعديـل قانـون، عاديـاً كـان أم دستويـاً، خـارج عن قاعـدة العموميـة أو متصـف بالظرفيـة أو الشخصيـة أو الخصوصيـة، يكـون قابـلاً للإبطـال.

        

- لقـد سبـق للمحكمـة الدستوريـة في جمهوريـة المانيـا الاتحاديـة أن أصـدرت، في تشريـن الأول 1951، قـراراً لا يَعتبـر مُحرمـاً إبطـال نـص دستـوري لكونـه جـزءاً من الدستـور، طالمـا انـه يتعـارض مع أحـد المبـادئ البدهيـة، وذلـك لوجـوب أن يتوافـق كـل نـص دستـوري وهـذه المبـادئ (أورده كلـود لاسـال في مجلـة القانـون العـام الفرنسـي، سنـة 1952، ص 416). كمـا أن أحـد علمـاء القانـون الدستـوري في فرنسـا، دومينيـك روسـو، كتـب في "قانـون الخصوصيـة الدستوريـة" مـا تعريبـه: "يختـص المجلـس في رؤيـة القوانيـن التي يصـوّت عليهـا البرلمـان. تدخـل القوانيـن الدستوريـة في هـذا المضمـون، وهي، بالتالـي، عرضـة لتحويلهـا إلى المجلـس الدستـوري Pouvoir institué ou dérivé .

 

السلطـة التأسيسيـة المشتقـة:

 

تعريفهـا ومواصفاتهـا

 

1 - بمـا انـه لا يمكـن ان تقـوم السلطة التأسيسية قيامـاً فعليـاً وقانونيـاً، أو ان تستمـر، في حضـور الدولـة ومؤسساتهـا، وذلـك، تحـت طائلـة أن يغـدو قيامهـا حكميـاً فحسـب، فإنهـا تفـوّض بعـض وظائفهـا لسلطـة مشتقـة منهـا لتقـوم بهـا من أجـل استمـرار الدولـة. وهـذا مـا يسمـى "سلطـة تأسيسيـة مشتقـة pouvoir instituté ou dérivé.

 

2 - هي، إذاً سلطـة مشتقـة من الأصليـة، ومؤسسـة من خـلال أحكـام الدستـور الـذي يعطيهـا شرعيتهـا بالنـص على شكلهـا القانونـي ووقـت قيامهـا ومناسبتـه.

    

3 - على قـدر مـا تكـون السلطـة التأسيسيـة الأصليـة حـرة في إنشـاء الدستـور وملتزمـة فقـط تعاليـم الشعـب وإرادتـه، فإن السلطـة المشتقـة تلتـزم التعليمـات التي يرسمهـا لهـا الدستـور.

 

4 - خاصيـة التأسيس تعنـي، كذلـك تبعيـة السلطـة التأسيسيـة المشتقـة، وظيفيـاً وعضويـاً، للدستـور القائـم. مـا يؤهلهـا، في الغالـب، لإنشـاء دستـور جديـد أو الاكتفـاء بإجـراء التعديلات الجزئيـة التي تفـرض نفسهـا.

 

السلطـة التأسيسية المختلطـة:

 

1 - السلطـة التأسيسية المختلطـة هي التي تجمـع فيمـا بيـن أطـراف عـدة. قـد يكـون بعـض هـذه الأطـراف معينـاً وبعضهـا الآخـر منتخبـاً. وقـد يكـون بعضهـا من جهـة مـا من السلطـة وبعضهـا الآخـر من الجهـة المقابلـة، كـأن تجمـع رئيـس الدولـة بممثلـي الشعـب أو هيئـات مجلسيـة، كمـا كـان شـأن المواثيـق الإنكليزيـة. فنكـون، في هـذه الحـال، امـام عهـد pacte، أو ميثـاق charte، على حـد مـا سمـّي بـ "الدستـور" في فرنسـا La Charte Constitutionnelle, 4 juin 1814 . وهـذه السلطـة تعبتـر، لـدى ممارستهـا هـذه الحـالات، سلطـة تأسيسيـة.

 

التعديـل الدستـوري المقنـع Révision Déguisé في لبنـان

في لبنـان وللأسـف يتـمّ التعديـل الدستـوري بشكـل مقنـع تمارسـه السلطـة والأطـراف السياسيـة تحـت تسميـات عديـدة مثـل الميثاقيـة، وتشريـع الضـرورة والتسويـة، والتوافـق لتبريـر المخالفـات الدستوريـة إن لـم نقـل التحايـل والتهـرب من أحكـام الدستـور وجعـل نصوصـه وجهـة نظـر، وخـلاف مصطنـع.

 

وهـذه الأمـور عنـد ممارستهـا لا تعتبـر سلطـة، بـل خرقـاً واضحـاً ومقنعـاً لأحكـام الدستـور.

 

هـذه هـي مفاهيـم وصلاحيـات الهيئـة التأسيسيـة.

 

أمـا في لبنـان

 

- تتصـف القواعـد الدستوريـة بالصرامـة والإيجـاز، رغبـة من واضـع الدستـور في تعزيـز ثباتهـا واستقرارهـا. ودرءاً لاستسهـال تعديلهـا لدواع عابـرة (G. Burdeau – Dr. Const. et Inst. Pol., P38). لـذا، حصّـن الدستـور اللبنانـي التعديـل بضمانـات وإجـراءات خاصـة. فاشتـرط أن يكـون نصـاب جلسـة التعديـل غالبيـة ثلثـي عـدد النـواب الذيـن يتألـف منهـم المجلـس النيابـي، وأن يكـون التصويـت بالغالبيـة ذاتهـا (المواد 76-77-78-79) من الدستـور.

 

- بعـد المؤتمـر التأسيسـي في الطائـف، تضمنـت وثيقـة الطائـف، في مستهلهـا، عـدداً من المبـادئ التي حـرص المجلـس النيابـي على جعلهـا مقدمـة للدستـور، فكانـت من أهـم المقدمـات الدستوريـة لمـا تضمنتـه من مبـادئ بمثابـة الركائـز الثابتـة للدولـة. وهي: "لبنـان سيـد حـرّ مستقـل ونهائـي لجميـع أبنائـه، عربـي الهويـة والانتمـاء. هـو جمهوريـة ديموقراطيـة برلمانيـة تقـوم على احتـرام الحريـات والعدالـة والمسـاواة حيـث الشعـب هـو مصـدر السلطـات وصاحـب السيـادة، النظـام قائـم على فصـل السلطـات، والاقتصـاد الحـر، والإنمـاء المتـوازن، إلغـاء الطائفيـة السياسيـة هـدف وطنـي، أرض لبنـان واحـدة لجميـع اللبنانييـن. ولا شرعيـة لأي سلطـة تناقـض ميثـاق العيـش المشتـرك. كمـا ورد في البنـد (أ) من وثيقـة العيـش المشتـرك:

 

"لبنـان سيـد حـر مستقـل ونهائـي لجميـع ابنائـه واحـد أرضـاً وشعبـاً ومؤسسـات "في "حـدوده المنصـوص عنهـا في الدستـور والمعتـرف بهـا دوليـاً.

 

- يجـدر التوقـف عنـد عبارتـي "الحـدود المنصـوص عنهـا في الدستـور والمعتـرف بهـا دوليـاً" و"أرض لبنـان" اللتيـن وردتـا تباعـاً، في البنديـن (أ) و (ط) من مقدمـة الدستـور، بغيـة تأكيـد ملكيـة لبنـان لمـزارع شبعـا وتـلال كفرشوبـا وقريـة النخيلـة وقريـة الغجـر والواقعـة جميعهـا تحـت الإحتـلال الاسرائيلـي. بيـد انـه ليـس من شـأن هـذا الوضـع أن يؤثـر على وضعيـة هـذه الأماكـن دستوريـاً وقانونيـاً، ولا علـى حـق لبنـان في استعادتهـا الى سيادتـه؟ هي جـزء من الأراضـي الواقعـة ضمـن حـدوده المعينـة في الدستـور، والمعتـرف بهـا دوليـاً.

 

- ثـم إن الجماعـات الإسلاميـة المتشـددة المستجـدة في الشـرق الأوسـط لا تعتـرف بالحـدود الدوليـة، بـل تعلـن إمارتهـا في الاماكـن التـي تتمكـن من السيطـرة الحربيـة عليهـا. كمـا لا تعتـرف بديـن أو قانـون أو دستـور أو إرادة شعبيـة حقيقيـة أو عيـش مشتـرك. ما يستدعـي التنبـه والوقـوف سـداً منيعـاً لصـدّ هجماتهـا. ما قـد يحفـز بعضهـم على المطالبـة بمؤتمـر تأسيسـي لـن يكـون، في هـذا الوقـت وهـذا المنـاخ العاصـف بالشـرق، إلا مغامـرة مجهولـة وخطيـرة، وكـل مطالبـة بمؤتمـر تأسيسـي في هـذا الوقـت وعـدم وجـود رئيـس للجمهوريـة وحكومـة تصـرّف أعمـال ووجـود ثلاثـة ملاييـن سـوري على أرض لبنـان، وحركـات التطبيـع والتوطيـن هـو رمـي لبنـان في مستنقـع قاتـل ورمـال متحرّكـة.

 

- جديـر، بالملاحظـة، كذلـك، أن المشتـرع تعمّد وروده النـص: "لا شرعيـة لأي سلطـة تناقـض ميثـاق العيـش المشتـرك". فتـوج بـه، جامعـاً في منظومـة واحـدة، مجموعـة واحـدة من المبـادئ التـي نصـت عليهـا بنـود وثيقـة الوفـاق الوطنـي كافـة. فشكلـت هـذه المبـادئ، بفضـل الحلـول والضمانـات والثوابـت التـي تضمنتهـا، الشرعـة الناظمـة للعيـش المشتـرك في إطـار حكـم ديمقراطـي بحسـب ما نـص عليـه الدستـور، فضـلاً عن كونهـا تمثـل الركائـز الأسـاس لبنـود الدستـور وخلاصـة لأحكامـه ومبادئـه.

 

- لـذا، حـرص المجلـس النيابـي على وضعهـا بصيغـة إعـلان دستـوري، كمقدمـة للدستـور، إظهـاراً لأهميتهـا وثباتهـا، لتكـون مرتكـزاً للدستـور يلتـزم بهـا اللبنانيـون في مسارهـم الوطنـي والسياسـي.

 

أضفـى د. إدمـون ربّـاط على هـذه المبـادئ القدسيـة لأنهـا، بحسـب تعبيـره، بمثابـة الإعـلان الدستـوري لمـا يستنـد إليـه لبنـان من الأركـان الثابتـة والعقيـدة القوميـة، ولمـا تنطـوي كـل كلمـة منهـا من حـل لإشكـال نفسـي أو سياسـي (ربّـاط - مقدمـة الدستـور اللبنانـي ص. 35-36). وورد، كذلـك، في قـرار المجلـس الدستـوري رقـم 1 بتاريـخ 12/9/1997: إن المبـادئ الـواردة في مقدمـة الدستـور اللبنانـي تعتبـر جـزءاً لا يتجـزأ منـه، وتتمتـع بقـوة دستـوريـة شأنهـا شـأن أحكـام الدستـور نفسهـا، وينـص البنـد (د) على ان الشعـب مصـدر السلطـات وصاحـب السيـادة يمارسهـا عبـر المؤسسـات الدستوريـة. والشعـب، بحسـب المفهـوم الدستـوري، هـو مجمـوع المواطنيـن، وليـس الأفـراد أو الاحـزاب أو الجماعـات (الطوائـف) الذيـن يتألـف الشعـب منهـم. وقـد استقـر الـرأي، منـذ الثـورة الفرنسيـة، على أن السيـادة هي للشعـب بـدون تجزئـة. فـلا يصـحّ القـول، إن كـل مواطـن يملـك جـزءاً من هـذه السيـادة. هـذا المبـدأ أقـرّه إعـلان حقـوق الإنسـان والمواطـن في فرنسـا (1789)، وبقـي معمـولاً بـه في جميـع العهـود التـي تلـت، وصـولاً الى الجمهوريـة الرابعـة (1946) والجمهوريـة الخامسـة (1958). وقـد جـاء في المـادة (3) من إعـلان حقـوق الإنسـان والمواطـن ما حرفيتـه:

 

« Le principe de toute Souveraineté réside essentiellement dans la Nation. « Nul corps, nul individu ne peut exercer d'autorité qui n'en émane « expressément.

 

وفي المؤلفات القانونيـة :

 

-    R. Carré de Malberg: Contribution à la Théorie Générale de l’Etat. II. PP.225 et S.

-    G. Burdeau : Droit Const. et Inst. Politiques p.130.

theme::common.loader_icon