منذ بداية الثورات الصناعية، تم اختراع الآلات البخارية التي عرفت في القرن الثامن عشر في انكلترا، وبعدها انتقلت لدول غرب اوروبا ومنها إلى كافة أنحاء العالم. كان هناك شعور بالخوف من تهديد الاعمال البشرية والبعض قام بتظاهرات رفضاً للقادم الجديد. اليوم يتكرر الجدل ذاته مع التطورات التكنولوجية السريعة التي نشهدها ويفرضها الذكاء الاصطناعي علينا لكن الامر اصبح جديًا ومحدقًا اكثر.
بات موضوع تقنية الذكاء الاصطناعي "AI" حديث الناس، نظرًا لانتشاره واستخدامه في العديد من المجالات وفي جوانب حياتنا الحديثة. إلا أن البعض يخشى أن تشكل هذه التقنية خطرًا على استمرارية المهن.
وكما تشير توقعات تقرير مستقبل العمل للعام 2020، الذي نشره المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أنه "بحلول العام 2025 ستُفقد 85 مليون وظيفة نتيجة الأتمتة"، حيث ستستولي الآلات على العديد من الوظائف التي يقوم بها البشر حالياً.
مفاهيم مضللة
هناك مفاهيم خاطئة تبلورت في عقول الافراد حول الذكاء الاصطناعي والروبوت، ساهمت في انتشاره بعض وسائل الإعلام وأفلام هوليوود.
وخلال مقابلة خاصة أوضح الخبير في التحول الرقمي وأمن المعلومات رولان أبي نجم لموقع "الجمهورية" أن "الذكاء الاصطناعي اذا اردنا تفسيره بشكل سهل وبسيط فهو عبارة عن ركنين: الركن الاول يسمى بالـ"بيانات الضخمة" (Big Data)، والركن الثاني هو عبارة عن "الخوارزمية" (Algorithm) الذي يرتب جميع البيانات من أجل خلق نص او صورة او فيديو جديد غير موجودين مسبقا، وهذا ما يسمى بالـ"Generative AI" أي الذكاء الاصطناعي التوليدي، لانني أخلق محتوى جديد كما يحصل تماما في برامج "Chat GPT" و"Bard".
وعلق أبي نجم على المفاهيم الشائعة للـ"AI" قائلاً: "اكثر مفهوم خاطىء هو ان بعض الافراد باتوا يفكرون ان الذكاء الاصطناعي يعلم بكل الاشياء ولديه جميع المعلومات. وبما انه روبوت وليس انسانا اذا يمكنه ان يعطيني اية معلومة اريدها من دون تحيزات ومشاعر، وهذا اكبر خطأ لان الذكاء الاصطناعي هو يرتكز على البيانات الموجودة فقط وحسب نسبة انحياز البيانات ومدى صحتها سيقدم لي المعلومة بدقة وبشكل موضوعي او منحاز".
المهن المهددة والامنة
وفي سياق اخر، يقول ابي نجم ان "الذكاء الاصطناعي سيأخذ مكان جميع المهن الروتينية كالمحاسبة ووظائف مراكز الاتصال ومراكز الحجوزات وكل الاشغال التي لها علاقة بمجال التسويق الخ.. وفيما يخص المهن التي تتطلب ابداع وابتكار وكان البعض يستبعد ان الذكاء الاصطناعي قادر بتأدية هكذا نوع من مهام، فانه في الواقع ينجزها على اكمل وجه".
ومن منحى اخر، اكد الخبير ان الذكاء الاصطناعي صحيح انه سوف يلغي اغلب الوظائف لكنه ايضا سيخلق مجالات عمل عدة وخاصة في الوظائف التي لها علاقة في الـ"cyber security" اي ما يعرف بالامن الالكتروني لانه مع وجود الذكاء الاصطناعي الخروقات الالكترونية تزداد والحاجة ستصبح ماسة لمختصين في هذا المجال.
وفيما يخص المهن الامنة والتي لن يتمكن الذكاء الاصطناعي من منافسة البشر فيها، اشار ابي نجم الى ان "كل المهن التي تحتاج الى الحس الانساني من المستبعد على الذكاء الاصطناعي ان يحل مكانها، كمهنة الاخصائيين الاجتماعيين وبعض المجالات في مهنة الطب ووظيفة الاطباء النفسيين، لان مدرسة الطب النفسي واسعة وكل طبيب له طريقته واسلوبه في علاج المريض".
وشدد ابي نجم في حديثه على ان "الذكاء الاصطناعي ليس هو الذي سيستبدل الوظائف انما الاشخاص الذين يدركون كيفية استخدامه سوف يستبدلون الاشخاص الذين يجهلونه".
وداعًا للابداع البشري
تعم اميركا اليوم اضرابات للممثلين وكتاب السيناريوهات والمخرجين لانهم يشعرون بمخاطر الذكاء الاصطناعي الذي بات يهدد مهنتهم وسوف يحل مكانهم مستقبلا.
واكد ابي نجم ان "كاتب السيناريو الذي كان يعتبر نفسه فنانا وخلاقا والذكاء الاصطناعي غير قادر على تشغيل عنصر الفن ليحل مكانه، فالجواب هو ان الذكاء الاصطناعي اذا ادخلنا عليه كل سيناريوهات الافلام منذ مئة عام حتى اليوم، فهو بالتالي قادر على انجاز اجمل فيلم سينمائي كامل او مسلسل ولسنا بحاجة لكاتب او مصور او ممثل. وبطبيعة الحال العمل سينجز مع ادخال عناصر الابداع والابتكار والمشاعر عليه حسب المعطيات والبيانات الموجودة فيه".
وقال ان السبب الرئيسي لتشغيل عنصر الابداع والابتكار في الذكاء الاصطناعي هي فقرة موجودة فيه، تدعى بالـ"Machine learning" اي التعلم الالي التي تمكن الذكاء الاصطناعي في تعلم كل ما يختص بالابتكار والفن والمشاعر واكبر مثل هو تطبيق "Chat GPT". فعندما نسأله سؤالا قبل الاجابة يعبر للمستخدم عن مشاعره ويقول: "أنا سعيدا جدا وسوف اساعدك" او يعتذر من المستخدم اذا عجز عن الرد لانه بكل بساطة تعلم او تبرمج على كيفية التعبير.
أسوأ المخاطر
ان قوة الذكاء الاصطناعي تكمن في قدرته على التعلم والتكيف مع المواقف المختلفة، لكن أجواء المعارك تمثل بيئة ديناميكية متغيرة باستمرار، تجعل الذكاء الاصطناعي عرضة لارتكاب الأخطاء أحياناً ما قد تكون له عواقب خطرة.
واعطى ابي نجم مثل الـ"Drone" (طائرة من دون طيار) التي كانت ذاهبة الى اوكرانيا لكي تنفذ عملية قتالية وقائدها فقد السيطرة عليها واصبح غير قادر على التحكم بها، وعلى الرغم من كل العوائق الطائرة انجزت هدفها، بحسب مقال نشرته "واشنطن بوست".
واشار الى ان الموضوع خطير للغاية اذا اردنا تسليم المهام القتالية للروبوتات في المعارك ونقوم بتسليمهم السلطة في اتخاذ القرار وتنفيذ المهام العسكرية والقتالية، وفي هذا الحال ممكن ان ترتكب كوارث كبيرة.
روبوتات في لبنان؟
حتى الان، لا يزال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في لبنان محدوداً، نظراً لأن معظم التقنيات ذات الجودة الأفضل ما زالت مدفوعة الثمن ومحدودة الخصائص.
وشدد ابي نجم على ان "الروبوت لكي يعمل بحاجة لكهرباء وسرعة في الانترنت اذا من المستبعد ان نجد شركات لبنانية تعمل على الذكاء الاصطناعي في هذه الفترة".
وختم: "من الممكن ان نجد بعض الشركات اللبنانية تقوم باستخدام "chat gpt" او "Bard"، وبامكان اي فرد استعمالهما. لكن استخدام الروبوتات للقيام بمهمات كبيرة، فالموضوع مستبعد جدا قبل انشاء بنى تحتية وقوانين تعمل على تنظيم هذا القطاع".
