لا تقصُص رؤياكَ عليهم..
لا تقصُص رؤياكَ عليهم..
نسرين بلوط
Saturday, 27-May-2023 07:37

من آياتِ الصمتِ بأنْ هدأ الليلُ فنادى..
نحنُ نقِصُّ عليكَ جروحاً من صنعِ يدَيكْ...
وسلامٌ للحبِّ المسفوكِ على الصّلبانْ...
نادى..فأثابكَ ضيّاً من أقمارْ.. ...
ثمّ تخلّيْتْ..عدتَ لها ظلًاً منحسراً..
غصناً ملتوياً من قارعةِ الأفنانْ...
عاكسهُ النّورُ المتدلّي من أطلالِ حنينْ ...
أوتيتَ القسوةَ دِفْقاً من أنهارٍ ..
بتَّ لسمّارِ الرّيحِ منازلَ طيْنٍ ..
وصفيراً لزوابعِها بعدَ هدوءِ الطوفانْ..
ولرهبانِ النسكِ جحيما...
وشياطينَ تحاربها..تغوي الانسانْ..
نحنُ نقصُّ عليكَ حكايا غدرِكَ أنتْ...
من آياتِ الدّمعِ تفرّقَ قلبانْ...
وانتحرَ العشقُ رمادا...


وقالوا بعزّةِ الرّيحِ إنّا لنحنُ العاشقون..
ومرَّ الزمانُ بهم...
عصفَ المشيبُ بأحوالهم.. فتفرّقوا وتجرّعوا نسيانا...
كان الطوفانُ يصلبهم على قارعةِ الجنون..
عرفوا أنّ الحبَّ وهمٌ يلْقفُ ما يتصوّرون..
وأنَّ الحزنّ يُبعَثُ أشجانا..
ها قد أتى الظلامُ في هَدأةِ الليلِ وانطوى الأمسُ خائباً..فخلعوا أهواءهم وأنصتوا لما يوحى..
أيقنوا أنّ الدّهرَ طغى والرّيح تبدّلتْ أحوالها..
أدركهم سرُّ الحياةِ بأنَّ الصبا زائلٌ بمآربِهِ الوالهة..
ترنّحت كؤوسُ التنهيدِ
بين أناملهم...
وتكشّفتْ تيجانُ الجبالِ التي خلّدها الموت..
والأغربُ أنّها..وحدها بقيتْ دونهم..


لا تَقْصُصْ رؤياكَ عليهم..
فيَكيدونَ شرُوراً..إنّ الإنسانَ يَغِلُّ بحقْدٍ سافِرْ...
تكفيكَ جروحُكَ لا تنطقْ إلّا بالصّمتِ الحارقْ.
دمْدَمتِ الأرضُ تداري أحْشاءَ الّليلِ بِقشْرةِ صَحْوها...
للرّيحِ نَوازعُ رجْمٍ لا تُقهرْ...
تمضي الأوهامُ بعيداً في رحلةِ دمْعٍ...
كبيارقِ طيرٍ.. كسنابلِ ضوءٍ...
لا تقصصْ رؤياكَ عليهم..
في بدءِ التّكوينِ رمى هابيلُ أخاهُ بسهْمٍ غادِرْ...
زَفَرَتْ أرصِفةُ المرسى بشواردِ همْسٍ..
أسعفها ظلُّ الرّملِ أمامَ فيافي الأصداءْ...
يمشي البحّارُ وحيداً رغمَ الطوفانْ...
في الدّربِ يئنُّ الجرحُ الغائرْ...
دعْ حزنكَ في صدركَ لا تبرحْ نفسَكَ يوماً..
لا تقْصُصْ رؤياكَ عليهم..
وامضِ بلا عودةْ...


لا تقصُصْ رؤياكَ عليهم..
قد أفلحَ العاشقُ تزكّى.. بالهجرِ الداهمْ..
.زمهرتِ الرّيحُ:» لي هجْدَةُ الصروفِ بعد الزوالْ..
نادتْ جرحيَ نداءَ الخفوتْ..
حفيفُ الدّخانِ الغادي بأسمالِ الدهورْ..
تداعى مزهوّاً بآخرِ أنفاسِي..
بوهنِ العظامِ، بأحبارِ السكوتْ..
تشقّقَ ذيلي يفتنُ الأبصارْ..
وقد أفلحَ الزاهدونَ في العشقِ الغائمْ»...
قلّبتِ الرّيحُ مواقدَ الهلاكْ..
لا تُصَعّرْ خدَّاً للزائلِ الرّاحلْ..
كلّنا يوماً الى جوفِ التراب...نهيمُ ذرَّةً في صدورِ الأفلاكْ..حتّى نفنى..فهل نفنى؟..

theme::common.loader_icon