كأنّي أمامَ كَمِينْ!
كأنّي أمامَ كَمِينْ!
عبد الغني طليس
Saturday, 27-May-2023 07:34

إذا راقَني أن أَقيسَ حياتي
بسنبلةٍ
أو بوَهْلَةِ طفلٍ حزينْ
وأركضُ مفترسَاً ما يُواجِهُني
من ضِباعٍ وجُدرانِ موتٍ
فهل سوف أعرفُ
ما الغَثُّ فِيَّ وأين السمينْ؟
وهل سيناصِبُني الشّكُّ
في ما عرفتُ
فأنزلَ عند إرادَتهِ كالسجين؟
جبالٌ من الثلج والدمعِ
فوقي، وفوقي غمَامٌ
من الكائنات الغريبة
يُفقِدني بصَري
ثم يَهوي علَيّ كيومٍ لَعينْ
وفي داخلي مرَضٌ
سأُسَمّيه رِفقةَ روحٍ
تُخالِجُني من نُواحِ السنينْ
وأكرهُهُ، وأحبُّ له أن يغادرَني
غير أني أُلاقيه تحت حذائي
وخلفَ الجبينْ !
أنا واضحٌ
وهْوَ يُمعِن طَيَّ الغموض
وعند اكتشافي لهُ عارياً ،
يتَبَدّلُ في ثوبهِ
كي أصدّقَ ألْعابَهُ ..
لا يُصَدَّقُ هذا العدوُّ
الذي فيهِ صوتٌ كَتومٌ
كآهِ الجنينْ
كأني وصلتُ إلى مَسْكِهِ
وقبضتُ عليه
لأنظرَ نحو يدَيَّ
فلا شيء فيها
وألمحُ أنيابَهُ تحت عَيْنِي
تهدّدُني ..وتُهدهِدُني
مِثْلَ عُرسٍ على مهرجانِ أنينْ
أُحبُّ حياتي ولكنّني راغبٌ أن أُبدّلَها
تَعِبَ القلبُ وانسَاقَ يبحثُ
عن كائنٍ آخَرٍ ليحُلّ مكاني
ولا ندمٌ صاعقٌ بي
أو بقايا حنينْ..
أوَدّعُ روحي
أُبدّلَها كالّلصوص
بروحٍ لطيرٍ يُحلّق حيناً
وحيناً يغطّ على العالَمينْ
-٢-
فهل سوف أنجو ؟
أشُكُّ …
كأنّيْ أمامَ كمينْ !

-٣-
أنا الصَّلْبُ
والقشعريرةُ تمتدُّ
في كل جسمٍ تمرّ عليه يَدِي
وأداوي المساكين مثلي
ببعض كلامٍ تعلّمتُهُ
من كتابٍ حَصينْ
أنا جابرُ العثَراتِ
أدوخُ إذا بلبلُ الدَّوح غنّى
وأمنحُهُ ثقتي
كي يؤدي رسالته بصفاءٍ
ويدهشَ قيثارةَ التائهينْ
لديّ من الوقتِ ما سوف أصرفُهُ
في بناءِ بروجٍ مشيّدةٍ
يختفي في ملاعبها
المُثقَلون بحزنٍ
ويستسلمونَ لترنيمةِ الربّ
في الآية المَريَميةِ
حتى خُطاهُم تَلينْ
أنا الحكواتيُّ أُرسلُ أنظاريَ المستفِزّةَ
نحو المدينةِ
مُستَفقداً أهلها
وأشيرُ إليهم ليستلهموا
ما تقولُ القلوبُ لهُم
إنْ أرادوا خلاصاً
وأنْ يسقطوا عَاشقِينْ
أغيبُ وأحضُرُ
كالضاربين برملٍ قديمٍ
يرون بتشكيلِهِ ما مَضَى
ويُعِدُّون للزمنِ المتَخلّي
ولستُ لأرقدَ ثانيةً
ذاك أني على قلب غيري أمينْ

-٤-
نَشيدانِ
أوّلها خيبةٌ وانكسارٌ مُهينْ
وثاني النشيدين
نارٌ تلُفُّ الطبيعة
أنقلُها كالجبابرةِ الطيّبينْ
-٥-
فهل سوف أنجو ؟
أشُكُّ
سيبقى أمامي ضبابٌ
وإنْ كنتُ
مِنْ أخِرِ المُبْصِرينْ !

-٦-
حقيقتُكَ الآن
بين الرقيقِ العميقِ
وبين العنيف المُخيفِ
فلا تبتئس
واعْتَبِر أنّ سرّاً طريفاً
سيأمرُ أعتى الشجيراتِ
بالعيشِ في صخرةٍ غادَرَت موتَها
وهْيَ لا المطَرَ انتظرَتْهُ
ولا بالنّدى قرّرَت تستعينْ
حقيقتُكَ الآن أجملُ
حينَ تحاورُها
فتُخلِّفَ فيكَ
منَ الشمسِ لوناً
ومنْ قمرٍ ليلكيٍّ سماءً
ومنْ دورة الريح وَجْداً
ومنْ مُقلتَيِّ الزمانِ عرينْ
ولستَ وحيداً
فكلُّ غِنى الشُّعراءِ
سهولٌ تودّعُ قمصانَها
وتمدّ الذراعَ
لتستقبلَ النازحينَ إليها
وتنزعَ عنها عباءتَها
لتُدَفّئهم كلَّ حينْ
حقيقتُكَ الآن
أروعُ من غفلةٍ يتفجّر فيها
تسارُعُ يومٍ
ووِقفةُ يومٍ تيقّنَ
ألّا دوَامَ
إذا مِنْ جيوبِ المواقيتِ
لا يستدينْ
لكَ الآنَ أنْ تتعلّمَ أنّ الحياةَ
مُقطّعةٌ
ومُوَصّلَةٌ
لا تُقدّسُ قانونَها
لا تشرّعُ دِينْ ..

-٧-
فهل سوف أنجو ؟
أشُكُّ
أنا عابرٌ من حريقٍ وطينْ !

theme::common.loader_icon