تيئيس الناس خدمة للمصارف
تيئيس الناس خدمة للمصارف
فادي عبود
Saturday, 25-Mar-2023 06:42
منذ بدء الأزمة المالية، ساد جو في البلد ساهم في بث اليأس عند المودعين، فكثر المحللون والخبراء والاقتصاديون الذين يحلّلون ويصرّحون انّ الودائع لم تعد موجودة وتبخّرت، وانّ الناس فقدت كل شيء.
 

هؤلاء ساهموا عن قصد او غير قصد في خراب بيوت الناس، فتحليلاتهم غير المرتكزة إلى ارقام واضحة، ساهمت في بث الذعر لدى الناس، فسارع كثير من المودعين إلى بيع ودائعهم بشيكات مصرفية، في محاولة لإنقاذ ما تيّسر من جنى أعمارهم. فباعوا منذ بداية عام 2020، أي بعد 4 أشهر على بدء الأزمة المالية، ودائعهم المجمّدة في المصارف عبر شيكات مصرفية، تقلّ عن قيمتها الحقيقية، وصلت إلى ما نسبته 15 في المئة من قيمتها أو أقل.

 

وتحوّلت هذه العمليات تجارة دورية وعمولات بين الصرّافين والمصارف، بهدف التخفيف من حجم التزامات المصارف تجاه المودعين بالدولار الأميركي، وتحويل هذه الالتزامات ارباحاً مباشرة للمصارف.

 

وبالتالي، علق المودع ضحية في هذه الدوامة، في ظلّ غياب لتدخّل الحكومة وعدم وجود أي خطة واقعية للخروج من الأزمة.

 

وما ساعد في نجاح هذه التجارة، هو العدد الكبير من المحللين والخبراء والمسؤولين الذين دأبوا على تيئيس المواطن، وإطلاق نظريات غريبة، وتوقعات وتبشير بأنّ الناس فقدوا كل شيء، علماً انّ هؤلاء المحللين والمسؤولين أنفسهم لا نعرف ما إذا كانوا يملكون ارقاماً حقيقية، لأنّ التقارير المدققة لا تزال محجوبة ولا توجد أي محاولات للحصول عليها لتقييم حجم الأزمة الحقيقية.

 

وبالتالي، فإنّ ما تسبّب في خسارة الناس جنى أعمارهم هو غياب الشفافية المطلقة وعدم قدرة المواطن على الإطلاع على الارقام، ما جعله فريسة للشائعات ولعبة سهلة بين المصارف والصرّافين.

 

وفي تقرير استقصائي لموقع قناة «الحرة» في العام 2021 للصحافيين أيمن شروف وحسن طليس حول مجموعات منظّمة تعمل في صرافة الشيكات، معظمها يستخدم تطبيقات مثل واتس آب whatsapp وسيغنال signal وتيليغرام Telegram، تواصل الصحافيان مع من يدير هذه الحسابات ومع الصرافين الكبار في هذه المجموعات والذين يتحكّمون بطريقة أو بأخرى بعملية التجارة. «بالنسبة لهم، هم وسطاء بين المصارف والمودع. أي أنّهم يعتبرون أنّهم يؤمّنون للمصرف شيكات يغطي فيها القروض المتراكمة وفي الوقت نفسه يساعدون المودعين في تسييل أموالهم...».

 

«المصارف فعلياً اعتمدت هذه الطريقة لكي تُدخل الأموال وتُلغي الديون. ولكن أيضاً توجّهت للموظفين لكي يقوموا بهذه العملية، فتحولوا صرافين أيضاً يأخذون عمولة على كل عملية».

 

وقد حذّرنا من هذا المخطط. ونذكّر بمقال كنا نشرناه في 2021 تحت عنوان «مأساة العم ابراهيم في البنك»، فالعم ابراهيم يمثل اليوم الناس الذين تمت سرقة اموالهم بطريقة احتيالية على يد المصارف، هذه المصارف التي عوّضت خسائرها وحققت ارباحاً بسبب هذه الوسائل الملتوية.

 

ولو كان لدى العم ابراهيم وغيره الشفافية المطلقة لكان الوقوع في فخ التيئيس أصعب. فماذا ننتظر بعد لنتحرّك جدّياً نحو إقرار الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة.

theme::common.loader_icon