ورقة المصارف العربية لمعالجة الأزمة في لبنان: الحل يبدأ بالتزام الدولة بضمان حقوق المودعين
ورقة المصارف العربية لمعالجة الأزمة في لبنان: الحل يبدأ بالتزام الدولة بضمان حقوق المودعين
Saturday, 18-Mar-2023 08:38

أعدّ خبراء من اتحاد المصارف العربية بالتعاون مع خبراء دوليين برئاسة منير راشد، ملخّصاً عن الورقة الاصلاحية الخاصة بالقطاع المالي والاقتصادي اللبناني، تضمنّت شرحاً مفصّلاً للخطوات التي ينبغي اتباعها للخروج من الأزمة.

جاء في الورقة الإصلاحية المقترحة، انّ الأزمة التي يمر فيها الاقتصاد كان يجب أن لا تحدث. فمن النادر جداً ان تقع دولة في أزمة مالية ولديها من أعلى نسب الاحتياطي الذي بلغ في منتصف 2019 نحو 50 مليار دولار، ويفوق الدين العام بالدولار بـ 150% ويغطي 50% من الودائع. كان من الواجب الّا يتوقف مصرف لبنان عن توفير السيولة للمصارف واتخاذ إجراءات اصلاحية مالية ونقدية فوراً.
خطة الحكومة لا تقدّم حلاً كونها تعتبر الالتزامات خسارات يجب شطبها، وهذا قرار استنسابي وغير محق ومخالف للدستور اللبناني، ولن يؤدي إلى حل، بل إلى فقدان الثقة بالقطاع المصرفي وفقدان السيولة، وكلاهما ضروريان للتوصل إلى حل. انّ شطب الودائع المقترح (ومن المعروف في الشأن المصرفي انّ اي قطاع مصرفي لا يستطيع إعادة الودائع) في خطة الحكومة، سيؤدي إلى إفقار اكثر من مليون مواطن، وإلى محو قدرتهم الشرائية وإلى مزيد من الانهيار.

الحل يتمثل بالتالي:
- إعادة جدولة جميع الالتزامات والموجودات المالية.
- التحرير الكامل لسعر الصرف.
- تحقيق التوازن المالي في اسرع وقت. سيدعمه تحرير سعر الصرف وإعادة الجدولة.
- إعادة إدارة مؤسسات القطاع العام من خلال خصخصتها على أساس مناقصات بمواصفات دولية، ومن ثم تحويلها إلى شركات مساهمة.
- تحويل صناديق الضمان إلى صناديق نقدية.
- النظر في وضع المصارف بعد تطبيق الإجراءات أعلاه اولاً.
هذه الإجراءات توفّر السيولة والثقة اللذين يوفّران حلاً للأزمة، وليس بشطب او إعادة الودائع.
تضيف الورقة: الإجراءات التي اتُخذت لحينه ادّت إلى تفاقم الانهيار وليس العكس. لم تُتخذ أي إجراءات إصلاحية منذ بدء الأزمة وانما بالعكس من ذلك:
- تخلّى مصرف لبنان اولاً عن سياسة الربط لسعر الصرف لليرة على اساس 1500 ل.ل مقابل الدولار، من دون اتخاذ إجراءات بديلة ناجحة.
- التوقف عن تزويد المصارف بالسيولة مما ثبط الثقة بالمصارف وأوحي بأنّها مفلسة وهي ليست كذلك.
- فقد الدولار المصرفي قيمته مقابل الدولار النقدي/ الفريش.
- تعدّد الاسعار لليرة مقابل الدولار (7 اسعار على الاقل) للسحب من الودائع ولخدمة الدين، وهو إجراء غير دستوري ويشوّه الاسعار، ويتبع اسلوب التفرقة بين الدائن (المودع) والمدين (المقترض)، وقوّض عمل القطاع العام ووفّر فرصاً للفساد.
- وخصوصاً، سداد الديون بالدولار بالليرة اللبنانية على أساس السعر الرسمي، مما حقق أرباحاً طائلة غير عادلة للمقترضين على حساب المودعين.
- وُضعت قيود عشوائية على حركة رؤوس الاموال والسحب من الودائع للمقيمين وغير المقيمين.
- إتباع سياسة دعم باهظة كلّفت اكثر من 14 مليار دولار خلال سنة ونصف.
- منعت المصارف من التعامل في سوق القطع مشترية او بائعة في سوق القطع الحرّ، وبهذا حُرمت من تكوين سيولة ذاتية بالعملات الصعبة.
- أعلنت الحكومة عن توقف خدمة اليوروبوند في الداخل والخارج بقرار انفرادي، مما ادّى إلى تخفيض التصنيف الائتماني لأدنى المستويات.
تتابع الورقة، نتج من مجمل الإجراءات المتخذة:
- المزيد من استنفاد مصرف لبنان لمعظم احتياطاته (24 مليار دولار) خلال سنة ونصف بعد بدء الأزمة.
- خلق دولار «فريش» حُدّد حسب السوق الحر وآخر مصرفي قديم (لولار) يعادل اليوم اقل من 15% من الدولار الفريش.
- إنحدار في سعر الصرف في السوق الموازية، مما ادّى إلى خسارة في قيمة الليرة والودائع بالليرة إلى ما يفوق 98%.
- إنخفاض كبير في الاجور والدخل الحقيقي.
- المزيد من الانهيار الاقتصادي وارتفاع البطالة - حيث خسر الانتاج ما يقرب من الثلث- وارتفاع التضخم إلى ما يفوق الـ 1600% منذ بداية الأزمة.
وكانت الإجراءات لصالح (المقترَض) كالدولة والقروض الخاصة وليس المقرض.
وورد في الورقة، انّ الحل المالي المقترح من قِبل حكومة ميقاتي الصادر في 9/9 / 2022، هو مصدر الخلاف الأساسي بين الدولة والمواطن والعديد من المصارف والمؤسسات.
تمحور الخلاف حول تحديد الخسارات المزعومة وكيفية التخلص منها (ابتداءً من خطة «لازار» ولغاية الخطة الحالية للرئيس ميقاتي) وقدّرت الخسارات بـ73 مليار دولار. وهل هي خسارات أم التزامات؟
من دون أدنى شك هي التزامات تحتاج إلى إعادة جدولة.
اعتبرت الخطة انّ معظم الالتزامات هي خسارات، وهذا خطأ فادح. انصبّ اهتمام الخطة على معالجة الخسارات المزعومة وعلى شطب معظم الودائع بالمقابل، وليس على إحياء الاقتصاد واستعادة النمو، واستقرار الاسعار وسعر الصرف.
وأشارت الورقة إلى ملخص لأهم ما يسمّى ركائز ومبادئ خطة الحكومة:
1- فك الترابط بين حسابات المصارف التجارية وحسابات مصرف لبنان والموازنات والديون السيادية. هذا يعني شطب الحسابات المشتركة بين الفئات الثلاث، مما يؤدي إلى تقليص غير مسبوق في ميزانيات االقطاع المصرفي. هذا يعني الغاء ودائع المصارف في مصرف لبنان، والغاء سندات الدولة لدى المصارف.
2- إعادة الملاءة لمصرف لبنان، ومشاركة الدولة فقط في استعادة ملاءة مصرف لبنان بـ 2.5 مليار دولار فقط - ضمن قدرتها على تحمّل الديون، بينما الدولة هي مسؤولة كلياً عن خسارات مصرف لبنان إن حدثت.
- إلغاء التزامات مصرف لبنان بالعملة الصعبة تجاه المصارف، 65-70 مليار دولار، وبالمقابل يتطلب هذا الإجراء شطب معظم الودائع وخصوصاً بالدولار.
- إصدار حقوق لصالح المصارف للتعويض عن هذه الالتزامات، وهي حقوق غير مضمونة وتفتقد إلى اية قيمة حقيقية، ولا تستطيع الدولة تمويلها الّا بعد عدة اجيال.
3- إعادة هيكلة ورسملة المصارف القادرة على الاستمرار بعد استيعاب الخسائر.
خطة الحكومة تقترح إطفاء او تحويل إلى الليرة وإلى صندوق استرداد الودائع، مجمل الودائع التي تفوق 100 الف دولار العائدة إلى نحو 250 إلى 300 الف حساب على اقل تقدير. وبافتراض انّ كل حساب يعيل 4 اشخاص فهذا يعني انّ اكثر من مليون شخص سيُحرم من الحياة الكريمة.
وذكرت الورقة، انّ اي خطة يجب ان تستهدف دخول الاموال الخاصة وليس المساعدات الرسمية، وهي قروض يجب اعادتها وتشجع على استمرار الفساد.
وانّ برنامجاً مع صندوق النقد لا يشجع بالضرورة دخول الاموال الخاصة، كونها تثبت انّ الدولة عاجزة عن إدارة اقتصادها.
وتقترح الورقة خطة بديلة تقوم على مبدأ انّه لا حاجة لإعادة الودائع ولا لشطبها ولا لشطب ديون الدولة وديون مصرف لبنان، كما ذُكر في خطة ميقاتي ذاتها: لا يستطيع أي قطاع مصرفي في العالم ان يردّ كل الودائع فوراً - و لا دولة في العالم تستطيع إعادة كل ديونها فوراً.
كما لا نطرح في هذه الخطة بيع مؤسسات الدولة للتعويض عن كبار المودعين المقدّرة بنحو 20% من مجموع عدد الحسابات، وتحوز على 80% من مجمل قيمة الودائع .انما الهدف استعادة فعالية إنتاج هذا القطاع من خلال خصخصة إدارته اولاً.
الحل يكمن بتوفير السيولة للمصارف واستعادة الثقة، وانتهاج اصلاحات ناجعة وبالتسلسل، بدلاً من الانتظار حتى يتمّ الاتفاق مع صندوق النقد.

أهم بنود الخطة البديلة:
- الإعلان عن صيانة والحفاظ على كل الودائع بأي عملة كانت. وهذا يعيد الثقة بالدولة والمصارف.
- التحرير الكامل والمباشر لسعر الصرف لجميع المعاملات والقطاعات، وليس فقط توحيده كما تقترح الحكومة وصندوق النقد.
- إلغاء جميع القيود المكبّلة على السحب حسب عدة تعاميم استنسابية لمصرف لبنان المركزي.
- استعادة المصارف لدورها في سوق القطع (سوق العملات الاجنبية).
- إعادة التوازن للأسواق المالية.
- إعادة الثقة بالمصارف.
- إعادة السيولة للمصارف وباستعمال الشيكات المصرفية وبطاقات الائتمان بقيمتها الحقيقية للدولار (الدولار المصرفي يوازي الدولار «الفريش»)
تشجع تقليص الطلب على الدولار النقدي وتعزز العودة إلى استعمال النقد الافتراضي- شيكات وبطاقات ائتمان.
- إستعادة المودعين التعامل من دون قيود مع المصارف، تعيد الثقة لليرة اللبنانية.
- يُحرّر مصرف لبنان من واجب التدخّل في سوق القطع ويخوّله التركيزعلى السياسة النقدية التي تستهدف النمو ولجم التضخم. ويستطيع مصرف لبنان بعد تحرير سعر الصرف خفض نسبة الاحتياطي الالزامي، ليوفّر سيولة اضافية للمصارف.
- تحقيق توازن مالي لحسابات الدولة: تحرير سعر الصرف يجب ان يرافقه تحقيق توازن مالي، وهذا يصبح ممكناً من خلال سعر صرف حرّ وإعادة جدولة ديون الدولة، ويساهم في استقرار سعر الصرف. والتوازن المالي يؤدي إلى تحسين أداء ميزان المدفوعات وإلى ثبات سعر العملة المحلية.

إعادة هيكلة المصارف
من الأفضل ان تعالج إعادة هيكلة المصارف إذا دعت الحاجة، بعد الاصلاحات المذكورة، لإعطائها فرصة التعافي من خلال هذه الاجراءات. ومن السابق لأوانه ان يبدأ الاصلاح في القطاع المصرفي اولاً. فالقطاع المصرفي يعاني من السياسات الحالية ويستطيع التعافي من خلال الاصلاح الذاتي مع الاجراءات المذكورة أعلاه.
- تحويل صندوق الضمان الاجتماعي والصناديق الخاصة إلى أساس نقدي بدلاً من وضعها الحالي، لتوفّر الضمان الصحي والتقاعد المستدام للقطاع الخاص، من خلال ضريبة مخصصة للضمان، يساهم فيها الافراد والشركات، وقد تساهم الدولة بجزء من التكلفة كبديل لتخصيص ايرادات للحماية الاجتماعية.
انّ هذه الإجراءات كفيلة بإعادة الثقة للمصارف ولليرة اللبنانية، مما يخول عودة المصارف إلى عملها الطبيعي.
كما يحتاج لبنان إلى اصلاحات في مجالات عدة، مالية ونقدية وقطاعية وقضائية وفي الادارات العامة.
ختاماً، انّ اعلان التزام الحكومة اللبنانية ضمان حقوق المودعين هو غير واضح وغير اكيد، وعلى صندوق النقد ان يأخذ موقفاً داعماً للمودعين، كون المودع هو ركيزة الدولة ومنقذها».

theme::common.loader_icon