كاريزما طلال حيدر في «مسَا النور»: رحّبَ بالنقد كما لن يفعل الشعراء!
كاريزما طلال حيدر في «مسَا النور»: رحّبَ بالنقد كما لن يفعل الشعراء!
عبد الغني طليس
Saturday, 18-Mar-2023 06:37

بعد انتهائي من تصوير المقابلة التلفزيونية في برنامجي «مسَا النور» التي كانت صِدامية جداً مع الشاعر طلال حيدر، شعرتُ أنّ على الرجل أن يندم لقبوله الاستضافة، نظراً لما كان فيها من الأسئلة التي تضرب على أوتاره الحسّاسة، ويتوجّه بها البعض اليه كانتقاصٍ من قيمته ووزنه وشعره، ومع ذلك كان يواجه بصدر مفتوح وأريحية إنسانية ،لا بل كان سعيداً فوق العادة، لأنّ هناك من سلَك معه هذا المسلك العميق الذي يتناول شعره، بتركيباته وإيقاعاته، واستلهامه بعض المأثورات الشعبية القديمة وتضمينها في قصائده كأنّها من المتن الشعري الخاص به.

الرحابة والعفوية والدقّة التي تجلّت في ردود أفعال حيدر، وفي تعليقاته، وفي ترحيبه بنَبش خصائص شعره الداخلية، ساعدتني في «التمادي» في نقل النقد المتداول عن نتاجه، إليه، كمن يحاول اكتشاف الشاعر في أساسيّاته: اللغة والخيال والمعنى الجديد المدهش غالباً، والذكاء الفني .. وكلها عناصر متوافرة وغني بها شِعر طلال حيدر! والغريب أنّ الشاعر لم يمتقع كما قد يمتقع غيره إذا وُضع في هذا الموقف، ولا أعلن رغبته في قطع الحلقة، ولا قام بأي تصرّف يوحي بأنّه «سينتقم» في أي لحظة على الهواء، والأهم الأهم أنّه لم يشعر بأنّ ثمة ما يجب أن يعترض عليه أو يرفضه، فأكمل المقابلة إلى آخرها، وهو يتمنى لو كان لنا وقت أطول لنتحدّث أكثر عنه وعن شِعره وحياته في هذه المرحلة من العمر، لا سيما وأنّ ديواناً شعرياً جديداً سيصدر له قريباً بعنوان «طالع ع بالي»…


أغلب الشعراء قاطبةً لا يرضى بنقد أدبي لشِعره حتى ولو كان عابراً. يكتب كل شاعر كأنّها آخر الكتابات الشعرية في العالم، ويمارس نوعاً همجياً من الفوقية في حال طُرحت عليه مسألة إشكالية في شِعره، متداوَلة ومعروفة لدى قارئيه وحتى محبّيه، في الشكل والمضمون واللغة والأفكار وفي أي شيء!


الدفاعات التي يعتمدها أغلب الشعراء في هذه الحال هي بدايةً الإستخفاف بالسؤال والسائل، والصعود فوراً إلى قمة جبل الثقة المستوردَة من إعجاب هنا أو هناك، أو رأي لهذا وذاك في شعره، أو من عدد الكتب التي في رصيده، وإطلاق العبارات النارية .. وأحياناً يكون للشاعر في المكتبات كتب لم يَعرف بها أحد، ويعتبرها هو شخصيّاً تحَفاً فنية ..أما طلال حيدر فكأنّه كان في حاجة إلى من يناقشُه في شعره على هذا المستوى، فكان صارخاً ترحيباً لدى سؤاله عن «معرفته بالأوزان والإيقاعات من عدمها»، وهاتفاً بالمحبة لدى سؤال عن كونه شاعر صُوَر لامعة «فلاشات» أكثر مما هو شاعر قصيدة تتميز بوحدتها الفكرية، وراضياً مرضيّاً في استفهامٍ عن الأمثال أو التعابير الشعبية التي يدخلها في شِعره ..والأقسى كان استيضاحي حقيقةَ أنّ قاموسه الشعري محدود بمفردات بعلبكية الطابع يقلبّها بين قصائده،هي نفسُها ولو أدّت إلى معانٍ متشابهة ..


وغير ذلك من الأسئلة التي بقدر ما أنِسَ بها طلال وفرِحَ بنقاشها، أعتقد أنّها كان يمكن أن تقطع أي صلة بيني وبين أي شاعر آخر قد يتعرّض في مقابلة معي لهذا الموقف!
يحبّ الشعراء أنك واجهتَ طلال حيدر، وحاكَمته، في أمور سلبية عدة، وغير شعرية في حياته أحياناً، لكنهم لا يرون الأمر حكيماً أن يكونوا هم في مكانه، فهم خارج النقد وخارج السلبيات وخارج السماح لأحد بمجرّد توجيه اعتراض على شعرهم، وإلا يمكن ان ينقلب موقعك من شاعر إلى «لا شيء» ومن مقدّم برنامج إلى «ثرثار» ومن حاضر في الحياة الثقافية إلى «متفرّج»!


لذلك، أشكر طلال حيدر شاعراً كبيراً يقول ها أنذا أمامكم، أقرأوني كما تريدون .. ويمتلك من الجاذبية والكاريزما والثقة العالية ما يجعل كلامه العادي شِعراً أحياناً.

theme::common.loader_icon