فيليب سالم الإنسان الوفاء والولاء والقلب الكبير
فيليب سالم الإنسان الوفاء والولاء والقلب الكبير
الدكتور علي أبو سالم
Monday, 13-Mar-2023 06:45

حينما قررتُ الكتابة عن البروفيسور فيليب سالم «الإنسان»، لم أكن على معرفة كافية أشعر معها بالطمأنينة التي تمكّنني من أن أقول ما يناسِب مقام هذا الرجل المهيب. كنت ممزقاً بين محورين متنافسين: فيلب سالم العالم والطبيب، وفيليب سالم الإنسان والمفكر الثائر. انّ معرفتي بالبروفيسور سالم تسبق سنوات معرفتنا الشخصية، وذلك بفضل صديق مشترك كان له دور كبير في الإضاءة على هذا البروفيسور المبدع من بلادي، ألا وهو الشاعر المهجري الراحل نعيم خوري.

نعيم خوري كان المعلّم الذي لم ينسَ تلميذه. كما أن التلميذ فيليب سالم لم ينسَ معلمه قط. عَبَر هذا التلميذ المحيطات ليكون بجانب معلمه عندما علم بمرضه. وبما أنّ فيليب سالم العالم والطبيب، وفيليب سالم الإنسان والمفكر لا ينفصلان، ارتأيتُ أن أبدأ كلماتي بما قاله نعيم خوري عن فيليب سالم: «رائعٌ على اندهاشٍ هذا الفيليب سالم، الصديق أولاً والإنسان دائماً، يثير فيك اللحظة المحبّبة والشعور الدافق والحيرة العذبة الطالعة من عين الضيعة».
نعم، التقيت البروفيسور فيليب سالم عندما زار أستاذه في عام 2000 وخَصّ ملبورن بزيارة وكان يومها برفقة معلّمه، فاكتشفنا معدن هذا الرجل ومدى صدق نعيم خوري عندما كان يتحدث عن تلميذه. وكان لنا الشرف في مجلة الجذور، مجلة الثقافة العربية في أستراليا، أن يحمل غلاف عددها الرابع لوحة رسمها الفنان فؤاد تومايان للبروفيسور الزائر وعنواناً رئيسياً من أقواله: «ويلٌ لإنسان لا تربطه محبة بأخيه الإنسان وبالأرض». يا الله! ما أجمل هذا القول الذي يجسّده قولاً وفعلاً على مدى مسيرته المهنية والفكرية والإنسانية.


مَن علّمني حرفاً حرّرني من عبوديّتي
بعد اثنين وعشرين عاماً، قامت مؤسسة الجذور الثقافية في أستراليا بإحياء ذكرى «الأستاذ» نعيم خوري في حلقة خاصة تحمل عنوان «نعيم خوري في البال»، واتّصلتُ بالبروفيسور فيليب سالم ودعوته للمشاركة في هذه الحلقة الخاصة فوافق فوراً وبدون تردد. كيف لا وهو الذي قال: «أشكركم لإعطائي الفرصة للحديث عن نعيم، أستاذي وصديقي وحبيبي. كان عمري تسعة أعوام، وكان نعيم يعلّمني اللغة العربية كل صيف على مدار أربعة أعوام. وأُؤكد لكم أنّه لولا نعيم لما كانت لغتي العربية بالشكل التي هي عليه الآن. وعندما نتحدث عن التلميذ والأستاذ يقولون: «مَن علّمني حرفاً كنت له عبداً». وأنا دائماً أقول إن هذه المقولة خاطئة: «من علّمني حرفاً حررني من عبوديتي».


بطرّام حكاية عشق
ومرّت شهور وجدتني بعدها أتصل به ثانية طالباً منه أن يحلّ ضيفاً على برنامج «الجذور هذا المساء» في حلقة خاصة نتحدث فيها عن «فيليب سالم الإنسان»، فوافق وكانت من أجمل وأطول الحلقات على الإطلاق. دامت ثلاث ساعات ونيّف، وقال عنها فيليب سالم: «إنها سابقة لم يخصّ أحداً بها على الإطلاق طيلة مسيرته المهنية والإنسانية»، جاءت كعرس وفاء لمن أحبهم وأحبوه، بل للإنسانية والأرض التي ولد فيها. تحدث سالم عن بلدته بطرّام وعن أهلها وبيوتها وطرقاتها وحقولها وبساتين الصنوبر والزيتون وعن رائحة الأرض المنسوجة من الشمس كجسر يعبر عليه ليدخل عالم الطيبة والبساطة والوفاء، والأهم من ذلك عالم العطاء والتفاني وحب الإنسان الذي يشعرك بالرضا والسعادة. فبطرّام وناسها هم عائلته الكبرى... عشق سالم لبطرام ذَكّرني بعشقي لمدينتي بيت لحم التي تنتظر حريتها لتحلم على هواها.
يقول سالم: «كان لوالدي تأثير قوي في تكوين شخصيتي وتوقي إلى العلم، إلاّ أن لوالدتي الدور الأساس في خياراتي العلمية». ويُضيف: «عند التحاقي بالجامعة الأميركية في بيروت للدراسة، تفتّحت آفاق جديدة، وأكثر ما أحببته من المواد تلك المتعلقة بالفكر والأدب والفلسفة، والتي أثّرت بي كثيراً لدرجة أنني كنت أميل للتخصص في الفلسفة بدلّ الطب».
كما انسحبت هذه السياسة من سالم إلى المستوى العام، فرأيناه يُشخّص أمراض مجتمعه ويصف لهذه الأمراض العلاجات المناسبة.

theme::common.loader_icon