الفنان التشكيلي محمد عبد الله: «شاعر» المنحنيات في اللوحات!
الفنان التشكيلي محمد عبد الله: «شاعر» المنحنيات في اللوحات!
منير الحافي
Thursday, 02-Mar-2023 06:34

أحبَّ محمد عبدالله الفن منذ نعومة أظفاره وكان يتأثر بالمجلات المتخصصة بالرسوم المتحركة. كانت تجذبه الخطوط ويحاول تقليدها. وكانت أية لوحة يراها على أي برنامج أو مسلسل على التلفزيون، يحفظها برأسه ويحاول أن يعيد رسمها. طبعاً أحياناً كان يصيب وأحياناً أخرى لا. تطور الأمر معه وصار يرسم على الأوراق البيضاء في الكتاب أو الدفتر. في سن الدراسة الجامعية ذهب نحو دراسة الفنون رغم معارضة الأهل «لأن الفن لا يطعم خبزاً». وبعدما يئسوا من تصميمه، باركوا له دراسة الفن في الجامعة اللبنانية. درس عبدالله الفن في ثمانينات القرن الماضي على كبار الفنانين في لبنان أمثال علي شمس وفاطمة الحاج ورفيق شرف وحسن جوني وكامل لطفي وعدنان المصري وفيصل سلطان ومحمد الرواس وجميل ملاعب. كما تعرف مع جيله من دارسي الفن على مارون حكيم وإلياس ديب وعلى أعمالهما حين كانوا يقومون بزيارات للفرع الثاني في الجامعة إذ كانت بيروت مقسمة «شرقية وغربية».

 

خلال هذه الفترة تعرف على فن حسين ماضي وصليبا الدويهي وخليل الصليبي وداوود القرم ومصطفى وفروخ وعمر الأنسي. كان يشاهد أعمال هؤلاء الكبار «فيخزنها» في الذاكرة.

 

معروف عن عائلة عبدالله وهي من بلدة الخيام في جنوب لبنان كثرة الشعراء المشهورين من أمثال عصام العبدالله ومحمد وحسن وعبدالحسين العبدالله. عندما يُسأل محمد العبدالله لماذا لم يكن شاعراً يقول :»لا جواب».

 

رسم محمد عبدالله بيروت وناسها وشوارعها و»الحالات» التي تحصل فيها. مثل: الجالسين في المقهى، في المطعم، في البيت، النساء والرجال والأولاد. هناك ما يشدّه لرسم بيروت دائماً. كان يعرفها في حالتها السابقة الجميلة ويراها الآن. يحب بيروت ولبنان ويرسم طبيعته. كما يرسم الذاكرة التراثية البصرية «للبلد» بكل ما فيه. كان يستمع إلى «الكبار» كيف كانوا يعيشون و»ينزلون إلى البلد» أي وسط بيروت كما كانوا يسمونه. كانوا يستقلون التراموي والقطار اللذين لم يشاهدهما جيله ولا الجيل الذي تلاه. يحب أن يرسم بيروت «هذه المدينة الصاخبة التي تلمّ العالم حواليها». فيها كل الأطياف وكل الثقافات وكل الاتجاهات. كان يمكنك أن ترى العالم كله وأنت جالس في مقهى صغير أو في مطعم كبير في بيروت فلا تحتاج إلى أن تسافر خارج لبنان لترى العالم!

 

في فترة أخرى من الزمن رسم لبنان والمناظر الطبيعية والبنايات. رسم أيضاً لوحات فيها نساء بأحجامهن الطبيعية. وما لبثت الفكرة أن تطورت عنده. فظهر شكل المنحنيات بطريقة مضخمة وملتفة على بعضها البعض. وتطورت الفكرة وترسخت عبر معرض «كاماسوترا» في العام ٢٠١٧ في غاليري آرت لاب. عندها توضحت لديه بأن هذه هي الأجساد التي يريد أن يرسمها. فخرج من الجماليات العامة إلى الجماليات «الخاصة» التي يراها هو. سافر عبدالله إلى مصر فاطلع على ثقافة جديدة ومواضيع جديدة وألوان جديدة تنتمي إلى البيئة المصرية. رأى الشمس والصحراء والوجوه الكادحة بأم العين وفي فنون الرسامين المصريين المجتهدين. يعتبر أنه «تعلم في مصر أشياء جديدة واطلع على أعمال العديد من الفنانين». كذلك اطلع على النحت المصري المميز والنحاتين المصريين الرواد. وهنا تلاقى مع المصريين في تقدير «المنحنيات» التي نفذها مصريون بارعون تأثروا بالفن الفرعوني الغارق في القدم والحضارة.

 

ما يميز فن محمد عبدالله البساطة. اللوحة عبارة عن «لونين أو ثلاثة وشوية خطوط» يستطيع أن يصل بهم إلى الفكرة التي يريدها بالضبط. ليس هناك «ثرثرة» والألوان تركب مع بعضها فتعطيه الشعور بالرضى عن العمل. الجرأة موجودة عنده فهو رسم «كاماسوترا» الذي تناول المرأة المغرية المثيرة من دون ابتذال.

 

يعتبر أن سوق الفن ناشط في لبنان خصوصاً في السنوات الثلاث الأخيرة. في العام ٢٠١٩ حصل الانهيار المالي ونشط سوق الفن ٤٠٠ بالمئة عما قبل. والفن استثمار ناجح لكن يجب أن يكون نَفَس المستثمر طويلاً. ومن عنده «سوسة» جمع اللوحات، يقوم بحفظها في بيته وينتظر. بالنسبة له، هو يرسم لوحات ويبيع بعضها ويترك أخرى له. عندما يرسم لوحة أخرى يمكن أن يبيع اللوحة القديمة. كل ذلك مرتبط بمزاج الفنان واختياره. مقتني الفنون ربما يشتري اللوحة ليستمتع بها وعندما يجد لوحة أخرى يستمتع بها أكثر من الأولى يبيع القديمة ويحتفظ بالأخرى. وهكذا تدور الدائرة. أما الفنانون فيرسمون لأنفسهم ويعرضون للناس، ويجمعون من أعمال غيرهم. كما يتهادون اللوحات في أحيان كثيرة.

 

«منحنيات وديوك» محمد عبدالله في غاليري كاف في الأشرفية، فيه هواية الفنان «الشاعر» وشغفه. المعرض افتتح في ٢٤ شباط ويستمر حتى ٢٥ آذار. يمكن محبّي الشعر أن «يشاهدوا» القصائد معلقة على الحيطان!

theme::common.loader_icon