أستطيع أن اتزوج من أقاصي الأرض ولا استطيع ان أتزوج بنت الجيران
أستطيع أن اتزوج من أقاصي الأرض ولا استطيع ان أتزوج بنت الجيران
فادي عبود
Saturday, 04-Feb-2023 06:47

باتت الطائفية اليوم الهاجس المسيطر على المجتمع، وعادت أحاديث التقسيم والحرب الأهلية وفشل العيش المشترك وتصاعد الخطاب الطائفي والمذهبي الحاد. وفي لمحة تاريخية عن لبنان، نرى انّ النظام الطائفي ساهم في تراجع المواطنة، وانعدام المساواة وضياع الدولة، والطائفية تختلف عن التعددية الدينية، فالتعددية الدينية تعطي المجتمع غنى ثقافيًا واجتماعيًا، اما الطائفية فتؤدي به إلى التقسيم والتفتت.

والتعددية الدينية هي عبارة عن مجموعات اعتنقت اديانًا مختلفة ومفاهيم إيمانية مختلفة، من مفهوم الموت وما بعد الموت والحساب والإرث... الخ، ومن الواضح، انّ هذا الاختلاف هو في المفاهيم الدينية واحياناً حتى ضمن الدين الواحد ومن شخص إلى آخر، ولكن الله رحوم وهو سيحاسب كل انسان على قناعاته وممارساته، والمهم ان تكون النيات صافية وسليمة، والّا يحاول احد ان يلعب دور الله على الأرض، ويبرّر القتال والتكفير والحكم على قناعات الآخرين، وان لا يؤدي «اقتتالنا على السماء إلى إفقادنا الارض والمجتمع» ، فالله يرفض الاقتتال باسم الدين.


هذا التعدّد الديني لا يجوز ان يكون شرارة للفتن والحروب والنزاعات، فلو اراد الله ان يدمّر الجنس البشري او أي جزء منه، لتحقق ذلك فورًا، ولم ينتظر منا ان ندمّر أنفسنا بسبب الاختلاف في العقائد الإيمانية والحروب الطائفية. وخصوصًا انّ الأديان السماوية كلها تشدّد على التقرّب من الآخر واحترام الحرّية الفردية والانفتاح ورفض التعصّب.


ولم يتمكن لبنان من تحقيق التلاحم والتقارب المطلوب بين أبناء مجتمعه، وأحد الاسباب هو قلّة الزواج بين مكونات المجتمع المختلفة. فالزواج المدني مرفوض، والزواج الديني يحتّم ان يتخلّى احد من العروسين عن دينه ويتزوجان بحسب دين معين. فهل من المعقول ان لا يتمكن مواطن من بلد ما من الزواج بمواطنة من بلده، إبنة جاره القريب مثلاً، بسبب الاختلاف الديني، ولكن يمكنه ان يتزوج فتاة من بلد آخر فقط لأن دينهما واحد. ما هذا الوطن الذي يمنع الزواج بين مواطنيه!


من هنا، نود اقتراح طريقة جديدة تساعد هذا المجتمع في تحقيق مزيد من التلاحم، ان يتمّ تزويج العروسين دينيًا في حضور رجلي دين يمثلان الانتماء الديني لكل من العروسين، من دون الحاجة إلى ان يتخلّى احد عن دينه، ويحتفظ كلا العروسين بمفاهيمهما الدينية ويمارسانها بحرية، وبالطبع يكونان متفاهمين ومتفقين على حدود الشخص الفردية في العلاقة، كما على سبل تربية الاولاد، وغيرها من الامور البديهية في العلاقة الزوجية المسؤولة. وبالطبع هذا يتطلب إصدار قوانين تناسب هذا الطرح.


هذه الطريقة توفّر على كثيرين السفر إلى الخارج للزواج، وتمنحهم فرصة الزواج الديني من دون ضرورة التخلّي عن دينهم، كما تساهم في خلق عائلات منفتحة، متعدّدة الثقافات والانتماء، يتمتع اولادها بتسامح أكبر وفهم أكبر للآخر. ولديها فائدة اقتصادية، حيث تبقى الأموال في لبنان بدل صرفها في الخارج. فعندما يحصل الزواج في لبنان تصبح إمكانية قضاء شهر العسل فيه أكبر، مما يعود بالفائدة على الاقتصاد والسياحة.


وبالطبع، يستطيع أي شخصين ان يختارا طريقة زواجهما بحرية، ان كان الزواج الديني او أي نوع آخر، يجسّد قناعتهما المشتركة.


نعم، نحن قادرون على تحقيق التواصل والوحدة المجتمعية من دون إلغاء الآخر وتدميره. فكلما زاد التواصل بين أبناء المجتمع الواحد، زادت فعالية المجتمع وقدرته الاقتصادية والاجتماعية، وهذا ينعكس خيرًا على الجميع.


وهنا أعود إلى قصة إبريق الزيت، على الرغم من أن لا علاقة لها بموضوعنا اليوم، الّا انني لا استطيع الّا انّ اذكّركم بضرورة إقرار الشفافية، وهي الباب الرئيسي للخروج من أزماتنا ومشكلاتنا. نحتاج إلى إقرار قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة بالسرعة المطلوبة.

theme::common.loader_icon