الفنانة سوزي ناصيف: شهرزاد تروي على القماش!
الفنانة سوزي ناصيف: شهرزاد تروي على القماش!
منير الحافي
Friday, 03-Feb-2023 07:51

سوزي فاضل ناصيف، فنانة تشكيلية لبنانية تعيش في دبي. إلتقيت بها في منزلها في بلدة حامات شمال لبنان خلال زيارة لها لموطنها. والبيتُ كما أصحابه، يوحيان بأصالة المكان ولبنانيته. الزهور والأشجار تستقبل الزوار. عند الباب سوزي والعائلة، وفي الداخل الفن بكل أنواعه.

أسألُ سوزي: ولدتِ في حامات، فماذا تعني لك هذه البلدة وكيف أثرت في رسم شخصيتك الفنية؟ تقول: أمضيت سنين طويلة في دبي، وتنقلت في دولٍ عديدة حول العالم، إلا أن لبنان سيبقى موطني، من أرضه نبتت جذوري، منه البداية وسيبقى حبي الأبدي. ولبلدتي حامات مكانة خاصة جداً في قلبي. إنها قطعة من الجنة على ساحل لبنان الشمالي بين بحره المتلألئ وجباله الخضراء. إنها لوحة فنية خلّاقة، لي بين أحضانها ذكريات منها الجميل ومنها الأليم، وقصص كثيرة وطفولة رائعة غذّت روحي بالجمال والنقاء، وأغنت خيالي بأجمل الصور. ترافقني حامات أينما ذهبت، فألوان فصولها المتنوعة تنعكس على لوحة ألواني، وفي لوحاتي عموماً. لي عين كعين النسر تلتقط أدق التفاصيل وتقتنص الفرص متى وُجدت. هذه العين هي هدية بلدتي حامات لي!

 

وماذا عن العيش في دبي؟ كيف أثّر الانفتاح العربي – العالمي عليكِ؟ «أن تعيش في مدينة دبي يعني أن تكون محاطاً بتنوع حضاري مذهل ورائع يجمع بين الثقافتين العربية والعالمية، وبجمالٍ يُغني تجربتك. دبي مدينة منفتحة، حيث يبدو الصعب سهلاً والمستحيل متاحاً، هذه السمة الاستثنائية أتاحت لي اكتشاف مختلف أشكال الفنّ ووسعت آفاقي مما أثرى الحس الإبداعي لدي. دبي هي بيتي الثاني، وأنا ممتنة لكل ما قدّمته لي ولكل الأبواب التي فتحتها لي محلياً وعالمياً. علمتني دبي أن لا حدود للأحلام وأن كلمة المستحيل مجرد عائق أمام طموح الإنسان. أثرها واضح في لوحاتي، تلمسه من خلال الألوان الجريئة وأوراق الشجر الذهبية وأعلام الموضة الشهيرة والتنوع الكبير في مختلف نواحي الحياة. ما إن تشعر برمال دبي على كتفيك، لن تتمكن أبداً من التخلص منها»!

 

وكيف تحولت سوزي من كاتبة الى رسامة إثر العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام ٢٠٠٦؟ تقول: «الفنّ ملاذي مذ كانت في السادسة من عمري. عبّرت بالفن عن نفسي، ورسمت صورةً عن موطني لبنان، عن منزلي، وحديقته الغّناء، والطيور المحلقة في سمائه ودفء شمسه.

 

في العام ٢٠٠٦، وصلت إلى لبنان لقضاء عطلتي الصيفية، ولم يمضِ على وجودي بضعة أيام، حتى شنّ العدوان الإسرائيلي حرباً في تموز من ذلك العام. السيء في الأمر كان أنني حبيسة أرضٍ تتعرض لعدوانٍ لم أتوقعه حين قررت المجيء، والجيد هو أنني كنت حبيسة أرضٍ أحبها. هذا التناقض، أشعل في نفسي مشاعر مختلطة من الغضب والحزن، فلجأتُ كعادتي مذ كنت طفلة إلى كتابة الشعر لأخفف من وطأة غضبي وحزني، إلا أن الكلمات لم تكن كافية لأُفرغ من خلالها كل ما اعتراني من مشاعر. حملت الريشة والألوان وبدأت بالرسم. ساعدني ذلك على التخلص من كمٍ هائل من مشاعر أثقلت روحي في تلك الفترة الصعبة على لبنان.

 

أمضيت ٣٣ يوماً تتقاذفني مشاعر الحيرة والألم والضيق والارتباك والخوف. كنت أرسم بلا هدف، أرمي مشاعري ألواناً وأشكالاً على قطع قماش. أصبح الرسم من يومها، ملاذي الآمن ورحلتي في هذه الحياة».

 

تؤمن سوزي بمقولة شهيرة للفنان العالمي بيكاسو: «كل ما يمكنك تخيّله هو حقيقي». تعتبر أن فنّها «مستوحى من الألم، غني بالمشاعر ومفعم بالقوة». تقول: «أحاول من خلال لوحاتي استكشاف أعمق المعاني والمشاعر الخفية الكامنة وراء الأحاسيس الإنسانية، وفهم جوانب معانيها المتعددة. ومن هذا المنطلق أرى أن للحياة عنصرين: الأحلام والواقع. أحب تصوير العلاقة السريالية والشاعرية بين هذين العنصرين». يمكنك القول «إني أجمع تعابير الوجوه، والنظرات، والخيالات، وأعبّر عنها بجرأة من خلال لوحاتي لكي تتواصل مع مشاعر المشاهدين».

 

هي فنانة «تسحرها حكايا الناس، وتعابير وجوههم السعيدة والتعيسة. أنا شهرزاد من نوع خاص، أحكي الحكايا بطريقتي، وأنسج تفاصيلها على لوحاتي».

 

لا تصنف نفسها فنانة سريالية أو واقعية، بل تجد للوحاتها نسقها الخاص الذي تسمّيه «سوزيسم» تصفه «بالجمال والتنوع والتشابك» من خلال الفن، وتستعمله لإنتاج حوار يساعدها على التواصل مع أشخاص يشاهدون فنها ويشاهدونها عبر فنها!

 

وهل تعتبر سوزي المرأة أكثر تفوقاً من الرجل في الفن؟

 

«يتمتع الإنسان، سواء أرجلاً كان أم امرأة، بنقاط قوة تميّزه عن غيره، ويرى الحياة من زوايا قد لا يتشاركها مع أي إنسان آخر. يسلّط الفن الضوء على قدرات الإنسان، فيثبت أن القوة والإلهام ليست حكراً على جنسٍ دون الآخر.

 

نحن كائنات خارقة لها عيوبها ونقاط قوتها وضعفها. كل شخص، بغضّ النظر عن وضعه الاجتماعي وجنسه وهويته يخوض معركة. لا أدري ما المغزى من وضع العوائق في درب الآخرين، لا أدري لم لا نجمع قوتنا لنقضي على ضعفنا بدلاً من الغرق في وصمات جنسانية فيها من النرجسية والتحيز والفساد ما يكفي ليدمرنا».

 

سوزي ناصيف، في نشاط دائم في ورشتها الخاصة ومعرضها في دبي. هناك تعرض لوحاتها، وتحاول الترويج لفنانين لبنانيين وعرب من خلال عرض أعمالهم الفنية. وحالياً تركز على التحضير لمعرض فني في بيروت خلال فصل الصيف، وهو معرضها الأول في موطنها... لذلك كلّها حماس وشوق لهذا اللقاء.

theme::common.loader_icon