معركة الربيع المقبل في أوكرانيا: فصل الانتحار (1 / 2)
معركة الربيع المقبل في أوكرانيا: فصل الانتحار (1 / 2)
أكرم بزي
Thursday, 02-Feb-2023 06:54

يعتقد كثير من المحللين الغربيين أنّ فصل الربيع المقبل سيكون "معركة الفصل" بين الحلف الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وأوكرانيا من جهة، وروسيا من جهة أخرى. فواشنطن تدفع أوروبا أكثر فأكثر لكي تتوغل في الحرب، من طريق إرسال المساعدات العسكرية خصوصا الدبابات، لِما تمثّله من "تفوّق" تقني وتكنولوجي على الدبابات الروسية، ولا سيما منها الدبابات الألمانية الصنع "ليوبارد 2" القتالية، لِشنّ هجوم مضاد على القوات الروسية، وهي تدفع ألمانيا بالتحديد لانغماسها أكثر من أي دولة أوروبية أخرى، وذلك لأسباب تتعلق بالاتفاقيات الاقتصادية وحجم التبادل التجاري الذي كان قائماً بين روسيا وألمانيا.

 

فروسيا تحضّر قواتها الآن لمحاولة جديدة، مع كثير من الدبابات، "ويمكن أن تخسر أوكرانيا فيها بعض المناطق وأن تتكبّد خسائر فادحة. بحسب القائد السابق في قوات "الناتو" هانزلوتر دومروزه، وخبراء آخرين، الذين يتوقعون "هجوماً (روسيّاً) في الربيع، فيه معارك دامية وشرسة". (دويتشيه فيله 5/2/2023).

 

لا يمكن التنبؤ بما ستؤول إليه الحرب، والنزاع الدائر الآن ما زال يحمل كثيرا من التكهنات والمفاجآت، والتي لا يعلم بها إلّا مَن يخطّط من كلا الطرفين لها "الأطلسي ـ الروسي"، أو الراسخون في العلم على المستوى المخابراتي والمعلوماتي، فمنهم من يقول إنّ هزيمة روسيا حتمية، والآخر يقول انّ روسيا على قاب قوسين أو أدنى من تحقيق مآربها في إقليم "دومباسك"، فهناك أكثر من سيناريو على هذا الصعيد ولها تداعيات متناقضة على صانعي القرارات في الغرب والاطسي عموماً.

 

المراقبون والمحللون الغربيون ذهبوا بعيداً في رسم سيناريوهات فشل الهجوم الروسي وتحليل نتائجه على الشكل الآتي:

السيناريو الأول والأقل احتمالًا، هو أن توافق روسيا على هزيمتها بقبول تسوية تفاوضية بشروط أوكرانيا. وهذا شِبه مستحيل مع إعطاء بوتين هامش الاحتفاظ بشبه جزيرة القرم ومُقاضاة السلام في أماكن أخرى. ومع ذلك، فإنّ هذه النتيجة غير مُحتملة في عهد بوتين، نظرًا لأنّ مقاربته للحرب كانت متطرفة منذ البداية.

السيناريو الثاني، سيسعى الكرملين إلى إطالة أمد الحرب ويمكن لروسيا أن تختار شَن هجوم نووي على أوكرانيا. عندها ستتجه الحرب نحو مواجهة عسكرية مباشرة بين "الناتو" وروسيا. ستتحوّل روسيا دولة مارقة، وهذا من شأنه أن يقوّي اقتناع الغرب بأنّ روسيا دولة عدوّة ولا يمكن التفاهم معها كونها تسعى الى ضم الدول الأوروبية التي انسلخت عنها.

السيناريو الثالث، ستجري المعارك الحاسمة ليس في أوكرانيا بل في أروقة الكرملين أو في شوارع موسكو. حيث يستمر الروس في السير وراء قيصرهم "غير الكفوء" فقط إلى نقطة معينة. على رغم من أنّ بوتين قد جلب الاستقرار السياسي إلى روسيا - وهي حالة ثمينة بالنظر إلى التصدعات التي حدثت في سنوات ما بعد الاتحاد السوفيتي - إلا أن مواطنيه قد ينقلبون عليه إذا أدت الحرب إلى الحرمان العام. (فورين أفيرز- كانون الثاني و شباط /2023).

 

هذا بحساب الغربيين، أمّا لو نَظرنا قليلاً إلى نتائج المعركة لوجدنا أن الروس استحوَذوا على 4 مناطق استراتيجية على حدودهم كانت الى وقت ليس ببعيد تابعة لهم، أيام الإتحاد السوفياتي قبل أن يتفكك. وبالتالي، فإنّ بوتين يعتبر أن المعركة قاب قوسين أو أدنى من تحقيق كل أهدافها، خصوصاً بعد ضَم ما يشكّل مجموع 20 % من مساحة أوكرانيا و70 % من حجم الاقتصاد الأوكراني، والتي تقع في (لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزاباروجيا).

 

ولكن هل سيسمح الحلف الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة لروسيا بتحقيق "النصر الروسي"، فالضغط الأميركي على الأوروبيين لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، والشعوب الأوروبية عانَت وما زالت تعاني من انهيار للوضع الاقتصادي وغلاء الأسعار، خصوصاً الطاقة والغاز... والضغوط التي تمارس الآن على الدول الأوروبية لتسليح أوكرانيا بكافة أنواع الأسلحة الفتاكة، ومنها الضغط لتسليم أوكرانيا نحو 118 دبابة فقط بعد أن وافقت الحكومات الغربية، والتي ستصل خلال مراحل تبدأ بعد فترة وتنتهي بعد 4 اشهر على خط جبهة يمتد إلى مئات الكيلومترات، مع تأمين غطاء جوي لها، وهذا يأخذنا إلى القول انّ أميركا تسعى إلى دفع أوروبا في اتجاه التوغل أكثر فأكثر، والدوافع على الشكل الآتي:

1 - إستمرار دفع الدول الأوروبية وتوريطها في النزاع ضد روسيا.

2 - توسيع الهوة بين اوروبا وروسيا بحيث تضمن عدم عودة العلاقات بينهما كما كانت في السابق، خصوصاً بالنسبة الى ما يخص التبادل التجاري والاتفاقيات الاقتصادية.

3 - ضمان صمود أوكرانيا والحفاظ على التوازن، بحيث لا تبدو أوكرانيا قد تعرّضت لهزيمة ولا روسيا.

4 - ضمان عدم عودة اي علاقة بين روسيا والمانيا، خصوصاً في مجال الطاقة.

5 - الحفاظ على وحدة صف الدول الغربية وتعزيز حلف الأطلسي أكثر من السابق لِما له من فائدة، خصوصاً على مستوى تعزيز التعاون في صناعة الأسلحة وتشغيل مصانع الغرب العسكرية.

فبحسب خبراء أوروبيين إنّ كلفة وحدة الصف هذه ستجعل اقتصاديات اوروبا ومصانع الأسلحة تعمل لفترة أكثر من 15 سنة لكي تُعيد صناعة الخسائر التي تكبدتها أوروبا حتى الآن.

theme::common.loader_icon