دقائق إرهاق من خارج اللعبة... بدلاً عن الضائع
دقائق إرهاق من خارج اللعبة... بدلاً عن الضائع
شربل البيسري
Saturday, 03-Dec-2022 06:33

نظراً لما يقضي اللاعبون من أوقات في الملعب احتُسبت 517 دقيقة وقت بدل عن الضائع في مباريات دور المجموعات من كأس العالم قطر 2022، أي بما يعادل 5,74 مباريات إضافية إلى الـ40 التي لُعِبت، وهي أرقام قياسية مقارنةً بالنُسخ السابقة من البطولة الأولى في كرة القدم.

وصلت الاضافات للوقت بدل الضائع بمعدّل الوسطي للدقائق المضافة إلى شوطَي كل مباراة بنحو 6,5 دقائق (13 دقيقة/المباراة)، ممّا يُنذر بأنّ الأدوار الإقصائية ستحمل معدّل 140 دقيقة لعب بدلاً من 120 اعتيادية في حال وجود تمديد إلى شوطَين إضافيَّين، وحوالى 18,3 مباراة بدلاً من 16 مقرّرة، بالتالي نصل إلى حوالى 7 أو 8 مباريات إضافية على صعيد البطولة ككل إذا ما تمّ إضافة الدقائق المحتسبة إلى الـ90 الأصلية.

 

بكلامٍ آخر، سيُتَرجَم هذا التحوّل في إضافة 9 أو 15 دقيقة أحياناً كوقت بدل عن ضائع في شوط واحد من المباراة، إلى أن تلعب المنتخبات الأربعة التي تصل إلى نصف النهائي وتخوض مباراتَي النهائي أو تحديد المركزَين الثالث والرابع، مباراةً ثامنة بدلاً من 7 في حوالى 28 يوماً، أي بمعدّل مباراة كل 3,5 أيام بدلاً من 4.

 

وتثير هذه التغييرات على قوانين احتساب الوقت عن طريق الحُكّام، سخط الأندية الأوروبية واللاعبين المُجهَدين بالروزنامة المكدّسة بالمباريات القارية (دوري أبطال أوروبا، الدوري الأوروبي) والمحلية (الدوريات الخمس الكبرى وبطولات الكؤوس) والنافذتَين الدوليتَين (كأس العالم، دوري الأمم الأوروبية والمباريات التحضيرية).

 

فإنّ إيقاف الوقت على ساعات الحُكّام عند احتساب ركلة مرمى، رمية تماس، احتفال بالهدف، خطأ، تبديل، ركلة جزاء، مراجعة الإعادة بالفيديو... لم يَعُد جزءاً من اللعبة، إنّما العكس صحيح في ما سبق. فلطالما حاول اللاعبون والمدربون الاعتماد على هذه الثواني من أجل التقاط الأنفاس والعودة إلى التمَركز بعد الركلات الثابتة والهجمات المرتدة. كما أنّ أجهزة الاستشعار الحرارية لا تتوقف عن أخذ الإحصاءات عن اللاعبين خلال هذه الثواني، وبالتالي تُعَدّ تحرّكاتهم خلالها جزءاً مهماً من مجريات المباراة، خصوصاً أنّهم قادرون على استغلالها لتسجيل أهداف من ركلات ثابتة تحرّك بسرعة أو استغلال عدم وجود لاعبي الخصم في منطقتهم عند الاحتفال بهدف للردّ بهدف آخر.

 

بالإضافة إلى هذه الجوانب، تزايَدت أصوات المدرّبين المطالِبة بإعادة الأمور إلى نصابها، مُعتبِرين أنّ اللاعبين لا يَنقصهم أي إجهاد إضافي، وقوائمهم لم تَعُد تحتمل غيابات إضافية، خصوصاً أنّ معدّل خطر الإصابة خلال هذه الدقائق المضافة كوقت بدل عن ضائع يرتفع ليلامس الخطّ الأحمر، مثال على ذلك ما حصل مع لاعبي السعودية، إيران وويلز الذين تعرّضوا إلى إصابات.

 

كما أنّ الأشواط الإضافية عادةً ما كانت تحمل إصابات إضافية، ولطالما فُتِح نقاش تقليص مدّتها أو حتى إلغائها من الأساس (كما حدث في كأس رابطة الأندية الإنكليزية). وهنا يكمُن دليل أنّ الاتحاد الدولي للعبة لم يُجرِ دراسة جدوى صحية قبل إقرار هذه التعديلات.

 

لا فعالية... لا جمال

تحدّت مدرب منتخب إنكلترا غاريث ساوثغيت عن «فقدان لاعبيه الفعالية» خلال الدقائق الـ14 المُحتسبة في الشوط الثاني ضدّ إيران، بعد 13 دقيقة احتُسبت في الشوط الأول، علماً أنّ فريقه كان متقدّماً 3-0 و4-1 ثم 6-1، قبل أن يقلّص «تيم ميلي» الفارق مرةً ثانية.

 

ما يُقصد بالفعالية لدى اللاعبين هو أنّ بعض منتخبات الطليعة تحديداً تعتمد أسلوب الضغط العالي لتدافع. وبالتالي فإنّها تهاجم الخصم وتقطع الكرات منه في منطقته أو منتصف الملعب لحماية مرماها من سَيل الهجمات، ومثال على ذلك ألمانيا وإنكلترا وبلجيكا والبرازيل. وغياب قدرة اللاعبين على الضغط العالي والفعّال بسبب التعب والإرهاق، وحتى الإجهاد البدني المتراكم بفعل تكدّس المباريات، يُفقِد هذه الفِرَق إمكانياتها وقد يتسبّب في الأدوار الإقصائية المقبلة بإقصائها نتيجة «أهداف من خارج اللعبة».

 

فهذه الأهداف التي يُسجّلها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في مرمى منتخبات طليعية، وربما لصالح منتخبات أخرى، لن تؤدّي إلى رفع مستوى اللعبة على المدى الطويل أو اكتشاف مواهبة جديدة أو جعل اللعبة «أكثر صوابية»، إذا ما أضفناها إلى السياسات التكنولوجية لإعادة تأكيد كل هدف، وهنا ضربٌ آخر في إنسانية اللعبة والأخطاء التي هي جزءٌ أساس منها.

 

فزيادة الإصابات في صفوف مختلف الفِرَق، خصوصاً مَن في القمة، لن يزيد من تشويقها بفعل أنّ الأهداف تُصبح باهتة الأسلوب كما مجريات اللقاء، نتيجة غياب القدرات الفنية عند بعض اللاعبين والتركيز العالي عند آخرين مؤثرين، لأنّ دخول لاعبين غير جاهزين أو ليسوا بالمستوى المطلوب سيزيد من ابتعاد الأجيال الشابة إلى الألعاب الالكترونية بدلاً من أن ينجح «فيفا» في استقطابهم إلى اللعبة الأصيلة.

 

فوائد مالية فقط...

يحاول «فيفا» استمالة الاتحادات المحلية إلى جانبه ضدّ اللاعبين بالنسبة الى ما يتعلّق بهذه التعديلات المؤذية، عبر زياداته لمستحقاتها المالية إلى الحدّ الأقصى، إثر ارتفاع إيجارات الإعلانات في الملاعب مع زيادة مدة المباريات، بالتالي مدة حضور الجمهور في الملاعب الثمانية وأمام الشاشات حول العالم.

 

حتى أنّ الـ»تيك توكرز» مُستفيدين من هذه التعديلات عبر طريقة احتساب وقت المباريات، لأنّهم ينقلون الأجواء المباشرة من المدرجات عبر خدمة البث المباشر التي يوفّرها تطبيق «تيك توك»، المتفوّق على «إنستغرام لايف»، «إنستغرام ريل» و»سناب شات». فهؤلاء المستخدمون، خصوصاً الـ»إنفلوانسرز» من بينهم، يحقّقون أموالاً طائلة عبر خدمات الهدايا التي يقدّمها لهم الذين يتابعهونهم، فيستعيدون ثمن التذاكر وحتى إيجارات الفندق والمصاريف اليومية.

 

لكن لا شكّ في أنّ «فيفا» أفاد من أن يُصبح وسم #كأس_العالم الـ»ترند» رقم واحد على «تيك توك، إنستغرام، فيسبوك، توتير وسناب شات» في أكثر من 200 دولة حول العالم، لزيادة الإيرادات المالية والتعبئة الجماهيرية للعبة الشعبية الأولى في العالم، حتى وإن كان على حساب صحة اللاعبين بشكل عام، وجمالية اللعبة في بعض النواحي.

theme::common.loader_icon