الدورُ الماروني وأشباحُ الكرسي
الدورُ الماروني وأشباحُ الكرسي
جوزف الهاشم
Friday, 02-Dec-2022 06:00

من كنيسة مار مارون في رومـا، كان الأحد الفائت للبطريرك الماروني بشارة الراعي عِظَـةٌ إنجيليةٌ وكـلام...

 

والكلامُ من كنيسة مار مارون، ومن رومـا بالذات، لَـهُ غيرُ معنىً ودلالات، وقـدْ يستوحي قصّـة كـلِّ تمثالٍ من تماثيل رومـا التي يتوحَّدُ فيها الإلـهُ والوطن.

 

يقول سيّدنـا: «نصلّي من أجل الإستقرار في لبنان وانتخاب رئيس جديد للجمهورية.. ويتساءل: ما إذا كان المقصود من التلاعب بالإنتخاب محـوَ الدور الفاعل المسيحي عامـةً والماروني خاصةً..».

 

وأذكر جيّداً، وأعتقد أنّ غبطتَـهُ يتذكّر: عندما أخـذ الفراغ الرئاسي يتصاعد زمنيّاً قبل انتخاب العماد ميشال عـون، أنني توجّهتُ إليه في غير لقـاءٍ مع بعض الزملاء وألحَحْنـا عليه القيامَ بـدور فاعل وموقفٍ صارم وفـقَ مجموعةٍ من التدابير الثائرة على هذا الإنتهاك، حتى لا يشكّل الفراغ الرئاسي سابقةً قابلةً للتكرار، وحتى لا يتكرّر «التلاعب بالإنتخاب الرئاسي ويؤدّي إلى محـوِ الـدور المسيحي والماروني خصوصاً».

 

ومع أنّ غبطة البطريرك قد تفهّم عميقاً خطورة اللحظة التاريخية، وأعـرب عن مواجهتها منعاً لمحاذيرها، إلاّ أَنّ حسابَـهُ الكهنوتي لم يكـن مطابقاً لحساب التلاعب السياسي بالإنتخاب الرئاسي.

 

ولكنَّ الحـقّ الرئاسي والسياسي لا يتحقّـق بالصلاة: المسيح عندما تحـوَّل بيتُـه - بيتُّ الصلاةِ - إلى مغارة، لم يواجـه لصوص الهيكل بسلاح الـروح القدس، بـل امتشق سوطاً وراح يطرد التجّار والصيارفة والكهنة الغارقين في الكفـر.

 

والدور السياسي والماروني لا يتحقّـق بالتمنّـي والإستجداء، بل بوحدة الموقف وصلابـة الحضور ومستوى القيادة.

 

الحضورُ الماروني التاريخي الذي أحدث انقلاباً حضارياً رائعاً في المفاهيم السياسية والوطنية والفكرية والأدبية، تقلّص دوره عندما راح يـدور على نفسه في انعطافاتٍ سياسية ومادية صاخبة.

 

«وكلّ بيت ينقسم على ذاتـه يخرب».

 

والدور الماروني الفاعل والراجح والقوي، هو الذي يستقوي بقـوة العقل، ولا يستضعفُ نفسَـهُ بغرور العظَمةِ والهوَسِ السلطوي، كالفراشة التي يجذبُها المصباحُ فترقص حولَـهُ حتى تحترق فيه.

 

والرئيس الماروني القـوي هو الذي لا يدنّس الـدور الماروني الفاعل، ولا يفشّل المارونية العقلية بعصبيَّةِ العقل وأسطورة الجنَّـةِ المفقودة ، وكانت آخـرُ محطّاتها أسوأ بلاياها.

 

نعم، إنّ الصراع الماروني على السلطة ليس حديث العهد، بل كان منذ ما قبل الإستقلال، ولكنّ الـدور الماروني مع الكبار يكبر ، وإنْ كبـرَ معهُ الصراع.

 

ويصغر الـدور الماروني ويمحو ذاتـه في ذاتـه، عبـر شخصية تتـقّمصُ ثنائية متناقضة ومتوتّرة ، بين ذريعة الحـق الماروني وجنون الحكم، ومن الصعب أنْ يكون الإنسان في ثنائية ذاتـه واحداً وإثنين معاً، وأن يكون صادقاً لهذين الإثنين في ذاتـه.

 

الرسولان بطرس وبولس أبـرز الرسل في المسيحية وأكثرهم زهداً وتقشّفاً كانت بينهما خلافات حتى المواجهة، ولكن على طريق التبشير، لا على طريق بعبدا.

 

والخطيئة الأصلية التي يرتكبها المبشِّرون الجُـدُد، هي في الصراع على طريق بعبدا ولا يفصل بينهما إلاَّ المـوت، هكذا على طريقة الشاعر «امـرئ القيس» الذي لـم يجـد خياراً إلّا بين الموت والمُلْك، وفي حقيقة الواقع أنّ الملوك ليسوا هم الذين يموتون بل الرعية، الرعية الضحية والملِكُ هو البطل.

 

الحقوق المارونية يا سيدي لا تستردّ دورها، ما دامتْ مسكونةً بشبحِ الكرسي ومحكومةً بالأشباح.

theme::common.loader_icon