في طرابلس... طفلة تصنع "حليًا من الخرز" وتساهم في تعليم رفاقها!
في طرابلس... طفلة تصنع "حليًا من الخرز" وتساهم في تعليم رفاقها!
ماريا رحّال
Friday, 28-Oct-2022 12:46

أدعى دولا صوفيا، عمري تسع سنوات وأعيش في مدينة طرابلس. أعرّف عن نفسي كتلميذة أولا، وثانيا كـ"بائعة خرز" وهذه المهنة مدعاة فخر لي. لدي صفحة على تطبيق "انستغرام" وهي "دولا بوتيك". أبيع من خلالها الأساور والعقود باشكال والوان متنوعة ومميزة.

في زمن، يعاني به أطفال لبنان من وطأة أحد أسوأ الانهيارات الاقتصادية في العالم ومع فقدان الامل بظهور أي تحسّن في المدى القريب، تتكاثر أعداد العائلات اللبنانية العاجزة عن سداد الأقساط المدرسية. الأمر الذي قد يجبر تلك الاسر على إتخاذ تدابير مكروهة تتماشى مع البؤس الساري في البلاد كعدم إرسال أطفالهم الى المدرسة. دولا صوفيا، طفلة الـ٩ سنوات لم تقبل واقع الاطفال البائس والموجع، فرغم انشغالها بدروسها وجدت لنفسها بعض الوقت لتساهم في مساعدة طلاب باتوا معوزين وهم غير قادرين على متابعة دراستهم. هذه الطفلة فضلت العمل بال"خرز" ومساعدة رفاقها على اللعب كباقي الاطفال بهدف إنقاذ الطفولة.

 

وتابعت صوفيا قصتها  لـ"الجمهورية" قائلة: "تعلّمت من خلال صفحتي الكثير وأعطتني الخبرة والتجربة كما دفعتني الى حب المساعدة والعطاء. فمع مضي كل شهر أو شهرين تقريبا اجمع ما أدخره من مال من خلال مهنتي المتواضعة وأقدّمه الى مدرستي لمساعدة احد من التلامذة العاجزين عن تسديد اقساطهم المدرسية. وعندما يسالني البعض "صوفيا، ماذا تريدين ان تصبحي حين تكبرين؟" أجاوبهم بكل سرور "طبيبة أطفال"، هذا حلمي الذي أتمنّى تحقيقه لأنّني لا أحبّ أن أرى أيّ طفل يتألّم".

 

لارا الرفاعي مسؤولة "تريبولي شاريتي هاوز"، وهي جمعية تكوّنت من عمل فردي وتأسست منذ بدء الازمة الاقتصادية في لبنان، كان لها الفضل في تشجيع دولا ودفعها على الانضمام الى العمل التطوعي. وهكذا انطلقت مبادرتهما منذ شهر رمضان المبارك بالتحديد عندما كانت دولا صوفيا ترافق لارا ويوزعان وجبات الطعام على المحتاجين.

 

أثناء ذلك اكتشفت لارا ان دولا تحب العمل بالخرز فقررت ان تشجعها بفتح صفحة خاصة بها، تعرض عليها كل ما تصمّمه من أعمالها اليدويّة الخرزية. وهكذا اشتهرت دولا صوفيا كـ"أصغر متطوعة" و"بائعة خرز" في طرابلس.  ومن يدعمها اليوم هم معارف واقارب واصدقاء وحتى مشاهدين على صفحتها الخاصة ايضاً.

 

وفي حديث مطوّل مع والدة دولا لـ"الجمهورية"، أخبرتنا عن شخصية ابنتها الفريدة والمميزة قائلة: "دولا طفلة اجتماعية بامتياز ومحبوبة من الجميع، وتتكل على نفسها في كل أعمالها تطوعية كانت أم عادية، فاذا ارادت شراء غرض ما هي بحاجة اليه تجمع المبلغ من مصروفها ومن ثم تذهب لشرائه، هكذا ربيتها واعتقد ان مهمتي نجحت، لانها اليوم تعلمت كيف تعتمد على نفسها وكيف تشعر مع الآخرين من حولها، وكيف تتضامن معهم، وكيف تساعدهم ان كانوا بحاجة اليها، وهذا اثمن ما امتلكته ابنتي".

 

سألنا والدة دولا عن السبب الرئيسي الذي دفعها هي وزوجها على تشجيع ابنتهما على مساعدة الآخرين وعن سبب انضمامهما الى العمل التطوعي مع لارا مسؤولة جمعية "تريبولي تشاريتي هاوس"، فقالت: "مع بداية الازمة الاقتصادية في لبنان تعطل عمل زوجي ومررنا بضيق وبفترة صعبة كأغلبية اللبنانيين وعندما تحسنت أحوالنا المعيشية شعرنا بالمسؤولية تجاه كل من هم حولنا وكنا مؤمنين أن هناك ناس خيّرة ستدعم مبادرتنا وهذا ما حصل معنا اليوم، وما فاجأني أكثر هو ان ابنتي دولا كانت هي المشجعة الاولى لنا".

 

من خلال صفحة أنشأتها على "انستغرام" تمكنت دولا أن تحدث فرقا يبقى بسيطا نسبة الى ضخامة الازمة التي طالت شريحة كبيرة من الشعب اللبناني وحملتهم اثقالا كبيرة بعد ان تخلت الدولة عن واجباتها تجاههم.

 

يقول جبران خليل جبران: "أولادكم ليسوا لكم أولادكم ابناء الحياة"، فكيف لو كان صغارنا على هذا القدر من المسؤولية والوعي؟ وكم كانت هذه المبادرات البرعمية لتحدث تغييرات اجتماعية بناءة؟ صدق جبران، اولادكم ابناء الحياة، صانعوها ومطوّروها، فاحسنوا الاعتناء بمستقبل الانسانية واثقلوا كبار الغد بالمعرفة والقيم الطيبة.

theme::common.loader_icon