لبنان نفطي.. لبنان بلد فني أيضاً!
لبنان نفطي.. لبنان بلد فني أيضاً!
منير الحافي
Saturday, 22-Oct-2022 07:32

لبنان بلد نفطي بحسب الخبراء، وها هو اتفاق ترسيم الحدود البحرية يشهد على ذلك. لكنه أيضاً بلد فني. وكما النفط والغاز المتوقعان سيغذيان الخزينة بالمال، فإنّ الفن التشكيلي بدأ بضخ الأموال إلى الاقتصاد وإلى ذوي الفن ومقتنيه.

 

بداية، أستطيع القول إنّ هذا العام 2022 شهد تسجيل أعلى نسبة اقتناء للفن اللبناني في تاريخه قاطبة. وعلى الرغم من أنّ السنة لم تنتهِ بعد، إلّا أنّ الأرقام تشير إلى كسر الرقم القياسي في هذا الشأن. وهذا يدلّ إلى أمرين: تقدير للفن اللبناني من جهة، وانغماس المستثمرين في اقتصاديات الفن من جهة أخرى. ورغم كل هذا التقدّم، إلاّ أنّ السوق الفنية اللبنانية ما زالت في بداياتها، لكن في الوقت نفسه نحو التطور باضطراد، لجهة الأرقام وتوسعها محلياً وعالمياً في فترة ليست ببعيدة. يبدو وكأنّ مقتني الفن أصبحوا يتعاملون مع هذه السلعة الجميلة، بنفس المناورة التي يتعاملون فيها بمحافظهم الاستثمارية المالية. فحجم الاستثمار في الفن يزداد ويتطور عمّا كان عليه لتزيين البيوت والقصور، إلى تزيين المَحَافظ المالية! وكما كان المقتدِر يستثمر في البيوت والأراضي والعقارات والأسهم وغيرها من سلع استثمارية ومالية، صار أخيراً يتجّه وبشكل ملحوظ نحو الفنون. بلغة الأرقام مثلاً، حصلت مزادات علنية في شهر واحد هو شهر تشرين الأول في بيروت ولقيت إقبالاً لشراء 200 لوحة فنية لرسامين لبنانيين، بما يزيد عن مليون دولار أميركي نقداً.

 

هذا عدا ما يتمّ بيعه من قِبل الفنانين أنفسهم والمعارض الفنية (الغاليريات) التي تشهد أعلى نسبة عروض لفنانين معاصرين في تاريخ لبنان. كما أنّ كثيراً من الفنانين اللبنانيين يلقون إقبالاً على فنهم في المزادات العلنية العالمية. والإقبال يتوزع بين حدود الفنانين الرواد المؤسسين مثل مصطفى فروخ، والمعاصرين مثل جميل ملاعب وحسن جوني، والفنانين الواعدين مثل وسام ملحم وتميم متلج. والسؤال المطروح بقوة هنا: هل أصبح لدينا في لبنان صناعة فنية تشكيلية متينة، تشكّل أساساً لمستقبل متطور لهذا القطاع؟ الجواب هو نعم! فكل المؤشرات تدل إلى ذلك. لكن أسعار الفن التشكيلي في لبنان مقارنة مع الأسعار في بلدان أخرى ما زالت متدنية. وكل الدراسات الفنية تؤكّد أنّ مستوى الفنان اللبناني ولوحاته ومنحوتاته لا يقلّ أبداً عن مستوى الفنون العالمية المتقدّمة. والسؤال الثاني المتوقع: من هم الفنانون والفنانات الذين سيكونون في المقدّمة من حيث الإبداع في الفن اللبناني؟ يعتمد هذا الأمر على عوامل عدة: منها الموهبة أولاً، ثانياً حسن اختيار الإدارة في التعامل مع السوق. ويبدو أنّ مقتني الفن لا يكتفون بشراء اللوحات الزيتية كما جرت العادة، بل هم اتجهوا نحو شراء المنحوتات والصور الفوتوغرافية واللوحات المائية. وهذا يشجع أصحاب هذه الفنون على العمل بشكل أكثر راحة، وعلى العطاء، وعلى التنافس نحو الأفضل وربما الأربح!

 

إلتقيت منذ أيام بفنان فرنسي أتى أخيراً إلى بيروت ليعرض فنه في سوق فنية نشطة. جاء من باريس ليشارك اللبنانيين حركتهم المشجعة. وهو روى أمامي أنّ بيروت عاصمة مهمّة للثقافة العالمية والحركة الفنية التي لم يرَها في أفخم عواصم العالم.

 

بالفعل من يمشي في الجميزة ومار مخايل شرقاً وحتى في الحمراء وفردان غرباً، يرى افتتاح مراكز فنية لتسويق الفن اللبناني وإعطاء فرص ظهور لفنانين لبنانيين جدد ولفنونهم الجميلة. هذا الأمر مشجّع جداً لهذه المواهب المعطاءة الموجودة هنا. تُصرف مئات آلاف الدولارات على هذه الصناعة. ومئات الآلاف الاستثمارية ستؤدي إلى أمرين مهمّين: اكتشاف فنانين لبنانيين سيتوجّهون نحو العالم العربي والعالم من جهة، ومن جهة أخرى مضاعفة الربح في الاستثمار الفني. فما يُصرف عليه مئة ألف سيُنتج مليوناً. وهكذا.

 

برأيي مستقبل الفن في لبنان واعد. وألمس شخصياً أنّ مستقبل هذه الصناعة ذهبي! لبنان سيعود إلى الخريطة العالمية عبر الغاز والنفط من جهة والفن ومجالات واعدة أخرى، من جهة ثانية. عبر التاريخ تميّز لبنان بمصارفه ومدارسه ووسائل عيشه المميزة من خلال شعبه الرائد في الأعمال والرؤية. الفن سيكون هذه المرة محرّكاً رئيسياً في دعم الاقتصاد، عبر زيادة الاستثمار في هذا القطاع، ناهيك عن دعم الفنانين. والفن في النهاية هو عنصر مهم في تعميم الذوق العام في بلد فقد جزءاً كبيراً من مظاهر الانتظام بسبب التطورات المالية والاقتصادية والاجتماعية التي أضرّت بمواطنيه.

theme::common.loader_icon