«حزب الله» السنّي وحكومة الـ «س. ل.»
«حزب الله» السنّي وحكومة الـ «س. ل.»
جوزف الهاشم
جريدة الجمهورية
Friday, 12-Apr-2013 00:23
هكذا... وكأنّ الوحي قد هبط على ممثلي الأمة، فإذا الذين آمنوا يتلقّون هَمْس الملاك، ويكلّفون تمام سلام رئاسة الحكومة. مع أن تمام سلام هو الخيار السليم الحكيم، على ما يتحلى به من حكمة ورصانة، وعراقة سياسية ترَعْرَعَتْ في بيت وطني تاريخي.

ومع أنه انطلق من "بيت الوسط" مرشَّحاً، فقد أَعلن مكلّفاً، أَنه منْ بيت الوطن. ومن كان بيته بيتَ الوطن يُدعى، فإن يمَّمَ شطْرَ المسجد الحرام، فللصلاة... وإنْ تعرَّب، أو تغرَّب به المقام، فللتفهُّم والتفاهم.

أما الذين أَذعنوا لمشيئة وحْي التكليف، وفي قراءة ذهنية لمواقفهم نرى: ــ ولو افتراضياً ــ أن هناك من يراهن ضمناً على أن يكتفي رئيس الحكومة بلقب دولة الرئيس عبر حكومة محكومة بعمرها الانتخابي، ومحرومة من الترشّح النيابي، للحدّ من جموح زعامته البيروتية على المستقبل اللاَّمنظور.

وثمةَ بعضٌ آخر تلقَّى التكليف على قاعدة: "ليس حبّاً بعلي بل نكاية بمعاوية..."، فاشترط أن تكون الحكومة حكومة وحدة وطنية، تحمل لقباً طويل الأجل يحقق لرئيسها استمرارية سلطوية لزعامة بيروتية عريقة تنافس الحريرية الحكومية، على خلاف من يدخلون ملكوت السرايا الحكومية من باب الإستيراد والتصدير، ولا ظلَّ لهم على الأرض، ولا على أرض الشارع السنّي في بيروت.

وفي قراءة افتراضية أيضاً نرى: أنَّ رئاسة الحكومة في لبنان تبطِّن سّراً آخر، حين أصبحت موقعاً محورياً، ومحوراً مركزياً للتجاذب، في ظل الصراعات الدائرة على خلافة الزعامة السنّية في المنطقة، منذ أن كان فراغٌ وصدىً بغياب الزعيم العربي جمال عبد الناصر. ومنذ أن استطاع الرئيس حافظ الأسد أن يفرض نفسه زعيماً باسم السنّة وناطقاً رسمياً إسلامياً عن العرب لدى دول الغرب.

ومنذ أن بدأت عملية "كسحِ الألغام" باغتيال الشيخ حسن خالد، والرئيس رشيد كرامي، وتهجير الرئيسين صائب سلام وتقي الدين الصلح الى ديار الاغتراب السياسي، بهدف الإستئثار بالساحة السنّية في لبنان والولوج منها الى رحاب المنطقة.

ولم تفلح من بعد محاولات قطرية ــ تركية خجولة، لملء فراغ الزعامة السنية في المنطقة العربية، لأنّ القامة القطرية وإن كانت ندّية اليد، فهي أدنى من مساحة العالم العربي. ولأن السلطنة "التركية" وإن شهَرَتْ ساعدها المفتول، وخلعَتْ على جسمها الأسمر عباءة سوداء، إلا أنها تحتاج الى لسان يخاطب الأمة دونما مترجمين.

وحدها السعودية إذاً، تبدو خليقة هي اليوم براية الميدان تعلو فوق خيولها المطهّمة، ولأنها هي الأَولى بمعروفِ حلِّ المشاكل العسيرة في لبنان، بروح أخوية رعوية دونما هيمنة أو احتواء على غرار ما كان في الطائف، فلن يكون عسيراً، على علي عواض عسيري، وخلْفَهُ إبن سلطان وتاج، أن تكون هناك إطلالة سعودية، إن تعثَّرتْ بالأمس وفق معادلة (الـ س. س.) فقد تفلح اليوم وفق معادلة (الـ س. ل.).

ولأن الأمر بهذا القدر من الحجم. فمن الخفّة إسقاط حجم الحكومة ووهجها حتى ولو كانت حكومة الإشراف على الإنتخابات، بل يـقتضي أن يكون أعضاؤها من أصحاب المناعة الوطنية، والخبرة السياسية، والقدرة الشخصية أي على صورة رئيسها ومثاله.

ولا مجال في ظلّ تأجّج الصراعات، ورجاحة الأحوال والأثقال، أن نلجأ الى حكومة من المديرين أو من المكتومي القيد، أو من الذين تدمَّت ركابهم من الزحف، أو من الذين يُطْلق عليهم خطأ إسم التكنوقراط.

إنه الرهان الكبير أمام اللبنانيـين وقد طال انتظارهم لحكومة تحمل حمامة سلام وغصن زيتون، حتى لا تظل المصانع الكيماوية تُفبرك تأليف حكومات بلا زيتون ولا حمامة.
theme::common.loader_icon