إحموا النساء من عنف الذكورية الفضفاضة
إحموا النساء من عنف الذكورية الفضفاضة
سمر فضول الخوري
Tuesday, 11-Oct-2022 06:45

إرتفعت في الآونة الأخيرة ظاهرة العنف ضدّ النساء، حتى طُبع العام 2022 بسلسلة جرائم ارتكبت بحق نساء من طالبات واعلاميات وزوجات.. «أوقفوا قتل النساء»، «نصدّق الناجيات»، «العدالة للنساء»... شعارات ترفع في كلّ مرّة تقتل فيها إمرأة أو تنجو أخرى من العنف، أو الإغتصاب.. الى أن أشعل مقتل الطالبة مهسا أميني أخيرا في العاصمة الإيرانية طهران على يد شرطة الأخلاق، ثورة نسائيّة تحت شعار «امرأة حياة حريّة» تخطّت الحدود الإيرانية وحصدت تعاطفاً من مختلف البلدان العالم.

وفي ظل غياب أيّ إحصاءات رسمية تحدد حالات العنف بحسب النوع الإجتماعيّ في عالمنا العربي، يمكن وبجولة سريعة على أبرز أحداث العام الحاليّ تسجيل ارتفاع منسوب ظاهرة العنف ضد النساء:

 

تجلّت أبرز حلقات مسلسل العنف ضدّ النساء في لبنان في جريمة أنصار الرباعية، التي هزّتْ البلاد، وذهب ضحيّتها أربع نساء (أم وبناتها الثلاث)، وبعد أقلّ من 48 ساعة على جريمة الكهف، فُجع اللبنانيون بسقوط امرأة في عكار على يد شقيق زوجها لخلاف حول الميراث. أحداث المسلسل الدرامي توالت، فوقعت في أسبوع واحد ثلاث جرائم عنف ضدّ النساء، إحداها في مخيم عين الحلوة في صيدا، والضحية فتاة من ذوي الإحتياجات الخاصة، أقدمَ عمها وشخص آخر على اغتصابها. وتعرّضت أم لولدين، لإعتداءات عنيفة على يد زوجها، أدت الى كسور في قفصها الصدري ودخولها المستشفى حيث جرى استئصال طحالها. لتضج بعدها مواقع التواصل الاجتماعي بخبر إقدام زوج الضحية هناء خضر (21 عاما)، على إحراقها من خلال إشعال قارورة غاز، وصولا الى مقتل الصيدلانيّة في بلدة المروج...

 

وفي فصل جديد من فصول جرائم النظام الذكوري، وقعت 7 جرائم قتل بحق نساء وطفلة خلال شهرين في سوريا، على يدّ أحد أفراد عوائلهن وأقاربهن من الدرجة الأولى والثانية، منها «بدافع الشرف»، وأخرى بدافع إخفاء جريمة شرف، ولخلافات عائلية، أو جرّاء الضرب المبرح.

 

وتشهد جرائم قتل النساء والعنف الأسري زيادة كبيرة في العراق، فبحسب منظمة «اليونيسف» فقد ارتفعت نسبة حوادث العنف القائم على النوع الاجتماعي بين عامي 2020 و2021، بنسبة 125 %، مُتخطية 22 ألف حالة.

 

وفي إقليم كردستان، أقدم رجل على إحراق زوجته وهي على قيد الحياة، وقتلت فتاة على يد شقيقها المراهق بطلقة نارية، وأثارت قضية مقتل امرأة متحولة جنسياً في الإقليم، على يد شقيقها العائد من أوروبا، الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي مطلع شباط. وشهدت هذه السنة أيضاً مقتل 11 امرأة في الإقليم، غالبيتهنّ بطلق ناري.

 

وفي آذار، عثر على الشابّة العشرينيّة ماريا سامي، والمعروفة على مواقع التواصل الاجتماعي بمنشوراتها المدافعة عن حقوق المرأة، جثّة على قارعة إحدى الطرق في أربيل.

 

وتصدرت جرائم قتل الطالبات في مصر الاخبار هذا العام، اذ ما تزال قصة نيرة أشرف، طالبة جامعة المنصورة، التي ذُبحت بوحشية على يد زميلها نهاراً أمام جامعتها ماثلة في الأذهان، وعلى غرار نيرة، لقيت «سلمى» مصيراً مُشابهاً إذ قتلت عمداً في مكان عام، طعناً بالسكين. وتلتها قصة وحشية أخرى لزوج ذبح زوجته، في المدينة نفسها، بعد أيام من جريمة نيرة، وما كانت إلّا ساعات حتى خرجت قصة اغتصاب رجل لشقيقتين طفلتين داخل مصعد.

 

ثم بعد ذلك شاعت قصة مقتل المذيعة شيماء جمال على يد زوجها القاضي أيمن حجاج، الذي استدرجها إلى منطقة نائية ثم خنقها وشوّه وجهها بحامض الكبريت.

 

وليس بعيداً شهدت ليبيا، في أسبوع واحد، خلال شهر تموز المنصرم، مقتل 9 نساء بينهن طفلتين، فضجت وسائل التواصل الاجتماعي بحملات مندّدة بتصاعد وتيرة الجرائم في حق النساء في ليبيا.

 

تنحو المجتمعات العربية نحو تعنيف المرأة والتمجيد بالذكورية على رغم من كل الحملات التي تطلق عبر مواقع التواصل الاجتماعي او تلك التي تقودها الجمعيات التي تدافع عن المرأة ودورها داخل العائلة وفي المجتمع، وهنا لا بد من تبيان الاسباب التي تكمن خلف ارتفاع هذه الجرائم بمقدار كبير في زمن يعتقد كثيرون أنّ للمرأة حصة كبيرة من الحقوق داخل المجتمع تمكّنت من كسبها بعد نضال طويل دفعت فيه أثماناً باهظة.

 

وتشرح الناشطة النسوية والصحافية مريم ياغي الاسباب التي لا تزال تقف عائقاً أمام نيل المرأة لحقوقها القانونية التي تحميها من كافة انواع العنف، فتشير الى أنّ «مختلف الدول العربية تفتقر لوجود قوانين تحمي المرأة من العنف الاسري وان وُجدت في بعض الدول الا أنها تبقى غامضة وغير كفيلة بحماية المرأة».

 

أمّا علاج تلك الظواهر ضد المرأة فيجب أن يكون، في رأي ياغي، «وقائياً وعقابياً»، وتوضح «في حالة الوقاية يجب أن نكون أمام نصوص قانونية رادعة تضع حداً للعنف ضدّ النساء بمختلف أشكاله. أما العقاب فهو بشقين: الاول عندما نكون أمام نصوص قانونية لا تحدد ماهية العنف الاسري، ففي غالبية الدول العربية لا يوجد قانون حول العنف الاسري باستثناء تونس فنلاحظ غياب الاعتراف بمصطلح اغتصاب الزوجة أو العنف الجنسي ضمن اطار العائلة، بمعنى آخر نحن امام قانون غير شامل يتضمن كافة انواع التعنيف.

 

امّا الشق العقابي الثاني فهو المرتبط بوقوع الجريمة حيث لا تزال بعض الدول التي تدّعي مكافحة جرائم الشرف تناور في تطبيق القوانين التي تحد من هذه الجرائم.

 

ومثالاً، في لبنان تم إلغاء ما يسمّى «جرائم الشرف» واستبدلت بمادة تتحدث عما يسمّى «جرائم تقع تحت وطأة ثورة الغضب الشديد». وخير مثال على ذلك ما حصل مع الضحية منال عاصي التي قتلت على يد زوجها، واستأنف محاميه الحكم المشدد بحق الزوج ولجأ في مرافعته الى النص الذي يتحدث عن الغضب الشديد عند وقوع الجريمة، فاستفاد زوج عاصي منه وتم تخفيف حكمه الى خمس سنوات».

 

والى القوانين، تتحدّث ياغي عن الأعراف والتقاليد التي تحمّل المرأة المعنّفة سلَة من الإتهامات، على مبدأ «الله يعلم شو عاملة؟» وغيرها من الأسئلة المشككة بمظلومية الضحيّة، فحتى التضامن في العالم الافتراضيّ مع أي ظاهرة من ظواهر العنف يكون مشروطاً مع استسهال تحميل الضحية الذنب». و عليه، تخوض المرأة في مجتمعاتنا حربا ضروسا على القوانين والتقاليد التي تحد من حريتها وتسعى لتكبيلها، وتسعى عبر الجمعيات التي ترفع شعار تحرير المرأة من السلطة البطريركية الى تثبيت حقها القانوني بنصوص دستورية واضحة تحميها من التعنيف الجسدي والنفسي وتحررها من هيمنة الاعراف التي مضى عليها الزمن والتي تبرر الذكورية بعناوين فضفاضة تسمّى تارة جرائم شرف وطوراً ثورة غضب شديد...

 

ففي ظلّ إجحاف القوانين والتقاليد والأعراف، كيف يمكن تلافي تمادي الجرائم ضد المرأة؟

theme::common.loader_icon