مع تلاحق حوادث غرق المراكب «الهشّة» والمكتظة بالمهاجرين الهاربين من جحيم الواقع اللبناني، تُطرح تساؤلات عن اسباب تفلّت «الأمن البحري» وكيف يتمكن المهرّبون من تنظيم الرحلات المتكررة، الواحدة تلو الأخرى، فينجو بعضها ويصل الى شواطئ «الحلم» المفترض بينما يتعثّر بعضها الآخر وينتهي الى مأساة مؤلمة، كما حصل قبل أيام على ساحل مدينة طرطوس السورية.
هناك من يعتبر ان المؤسسة العسكرية تحديداً معنية بضبط الهجرة غير الشرعية عبر البحر، محمّلاً إياها مسؤولية الحوادث التي تحصل والتقصير في مكافحة ظاهرة تهريب البشر.
ولعل الظرف السياسي الحالي وحرارة السباق الرئاسي يضعان الجيش في الواجهة والمواجهة اكثر من اي وقت مضى، وبالتالي هو يبدو حاليا كأنه موجود تحت المجهر بحيث ان كل ما يفعله او لا يفعله بات موضع رصد دقيق لدى خصومه وداعميه على حد سواء.
لكن مصدرا أمنيا واسع الاطلاع يؤكد ان الجيش يستخدم كل طاقته لتنفيذ مهماته في كافة الميادين، وخصوصا بالنسبة الى ما يتعلق بالتدابير العملانية، لافتا الى ان القوات البحرية تبذل أقصى مجهود ممكن لسد الثغرات التي يتسرب او يتسلل المهربون منها.
ويوضح المصدر انه يتم دائما تقييم الاوضاع العملانية وتفعيل الإجراءات بقرار من القيادة وأجهزتها في اليرزة، مشيرا الى انه واضافة الى العمل الأمني الدؤوب لمديرية المخابرات في ملاحقة شبكات التهريب على البر، ضاعفت القوات البحرية جهودها لضبط مراكب الهجرة غير الشرعية قدر الإمكان، ضمن الامكانات المتوافرة، «من دون أن يعني ذلك أن هناك قدرة كاملة على ضمان عدم حصول أي خرق مئة في المئة».
ويلفت المصدر الى ان لدى الرادارات البحرية القدرة على الكشف والرؤية، «إلا ان اساليب المهربين وتحايلهم على الاجراءات المتخذة تحول دون ملاحقتهم والقبض عليهم احيانا»، موضحا ان الرادار يلتقط آلاف النقاط على شاشته، «وهذه النقاط تحتاج إلى كثير من التدقيق لمعرفة وجهتها وطبيعتها».
ويروي المصدر انّ هناك «مئات القوارب للصيادين في البحر وصولا الى عمق اربعة اميال في المياه الإقليمية، حيث تعمد مراكب الهجرة الى الاختلاط بها والتغلغل بينها للتمويه، ثم تلجأ الى المناورة داخل خطوط عملها ومن بعدها تنطلق بسرعة عند تخطّيها الاميال الأربعة لتصل الى خارج المياه الاقليمية، الأمر الذي يُصعّب في بعض الأوقات مهمات الزوارق العسكرية المكلفة ضبط عمليات الهجرة غير الشرعية وَمَنعها».
ويشدد المصدر على حاجة سلاح البحرية اللبنانية الى مزيد من التجهيزات والمراكب المتطورة للقيام بدور اكبر في ملاحقة قوارب التهريب، «الى جانب تحديث المراكب المعتمدة حاليا».
ويكشف المصدر ان المهرّبين يستغلون أيضا الوضع «الرمادي» على خط الحدود البحرية بين لبنان وسوريا من أجل تحقيق مآربهم، «إذ يعمدون الى الابحار لمسافة قريبة (حوالى ٥٠ مترا عن الشاطىء) وصولا الى المياه السورية لتجنب التقاط الرادارات لهم، وبعدها يتابعون مسيرهم داخل المياه الاقليمية السورية في اتجاه الشواطىء الاوروبية».
ويلفت المصدر الى انّ «من بين الوسائل التي يعتمدها بعض المهربين لتجاوز التدابير الاحترازية، نقل الركاب بقارب صغير لا يلتقطه الرادار الى مركب يكون متوقفا في عمق المياه الإقليمية ويتولى استكمال الإبحار بهم الى المجهول، كذلك يناور البعض خلف السفن الكبيرة وبمحاذاتها لكي تصعب عملية كشفه».
ويؤكد المصدر الامني انه توجد شبكات منظمة لاستقطاب المهاجرين وإقناعهم بالهجرة غير الشرعية مقابل مبالغ مالية طائلة، وهذه الشبكات تضم لبنانيين وسوريين وفلسطينيين، وهي تتوزع الادوار والصلاحيات بين أعضائها.
ويوضح انّ صاحب المركب الذي غرق قبالة ساحل طرطوس (ب. د.) اشتراه من احد السوريين في جزيرة أرواد بنحو 36 الف دولار، فيما تولى سماسرة استقطاب «الزبائن» بعد «تجميل» الرحلة لهم.
ويؤكد المصدر ان الجيش لا يكتفي بالسعي الى ملاحقة القوارب عقب انطلاقها، «بل يحاول تقفّي أثر المتورطين على البر بالدرجة الأولى، في إطار الأمن الاستباقي، وهو تمكّن من توقيف عشرات منهم عندما كانوا لا يزالون في مرحلة التخطيط والتحضير، من خلال عمليات ناجحة نفذتها المخابرات بعد مراقبة دقيقة».
ويضيف المصدر ان «وقف التهريب البحري يحتاج الى تضافر جهود جميع الأجهزة الأمنية والقضائية، خصوصا لجهة التشدد في الأحكام التي تعنى بمكافحة جريمة التهريب وتداعياتها، بالتزامن مع معالجة الأوضاع الانسانية والاجتماعية التي يعانيها المواطنون في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة».