الفنانة التشكيلية زهى عبد الساتر «تروي» بلوحاتها مئة قصة وقصة!
الفنانة التشكيلية زهى عبد الساتر «تروي» بلوحاتها مئة قصة وقصة!
منير الحافي
Thursday, 08-Sep-2022 06:35

الطبقة الأرضية من بناية تراثية جميلة في منطقة مار مخايل في الأشرفية -بيروت، إختارت الفنانة التشكيلية زُهى عبد الساتر أن تتخذها مرسماً لتنتج لوحاتها المميزة. تعتبر أن هذا المكان «بيتها الثاني» غير الذي تسكن فيه مع زوجها أحمد وولديها كريم وكاي. في بيتها الفني، جنينة ملونة وجدران صارت مزينة بلوحاتها التي بدأت ترسمها منذ حوالى ٤ سنوات. هي زهى بنت عباس عبد الساتر من بلدة إيعات قرب بعلبك وأمها من زوطر الشرقية في النبطية لكن العائلة عاشت في بيروت وولدت زهى وإخوتها في العاصمة. لها ثلاثة أشقاء، شابّان هما علي وزاهي يعملان في المجال العلميّ والطبي، وبنت هي ميسون تعمل في مجال التربية والتعليم.


كانت زهى خلال الفترة الدراسية مجتهدة في مجال العلم لكن الأدب عاد وجذبها في الجامعة فدرست الأدب الإنكليزي في الجامعة اللبنانية الأميركية ثم أكملت الماسترز في الأدب المقارن. في تلك الرسالة الجامعية كان مطلوباً منها أن تشتغل على مقارنة ثقافتين مختلفتين كلياً. فإذا بها تختار رواية عربية لكاتبة مصرية لتقارنها مع لوحات سلفادور دالي! معتبرة اللوحة «رواية» مرئية مشوقة بدلاً من اختيار رواية مكتوبة. زهى الفنانة التشكيلية تعتبر أنها لم تدرس تقنيات الرسم وإنما عبّرت رسماً وفناً تشكيلياً عن مئات الروايات والنظريات الأدبية التي قرأتها ودرستها. الناظر إلى لوحة زهى يرى فيها رسماً وأدباً وبعض الكلمات المختارة من اللغتين العربية والإنكليزية. وهذا خليط يميّز فنها. أما طريقة التعبير عن ذلك عبر لوحة فنية فتقول إنها «علّمت نفسها بنفسها». تعلمت الفن مثل الموسيقى لوحدها وعزفت على البيانو. كما اشتغلت في التصوير الفني «من دون معلم». وبما أنها ترسم من دون قواعد معينة ترى نفسها «حرة أكثر». لأنه إذا تعلمت الفنانة «التكنيك» وهي طفلة على يد أستاذ فإنّ ذلك يقيّدها. هي ترى أنها ليست بحاجة إلى تقنية الرسم المرتبطة بقاعدة. هذه الحرية في الرسم هي ما يميّز لوحات زهى. فعندها الهواية والشغف والشعور والريشة ووسائط الرسم. لذلك تولد اللوحة. هي «تروي» قصصاً في لوحاتها لذلك تدخل الكلمات المكتوبة فيها لأنها «تساعدها في التعبير أكثر». أما الناس، فهم الذين يقرأون هذه اللوحات وهم الذين يفهمونها كلٌ على طريقته.


زهى تعتمد هذه الطريقة في الرسم منذ أربع سنوات. أما قبل ذلك فكانت تصور بشكل فني وتشتغل فوق الصورة بطريقة الفوتوشوب. رسمت حتى الآن حوالى مئة لوحة بمئة قصة. رسمت مواضيع مستوحاة من يومياتها، وأحاسيس مع أولادها، وقصصاً تراها في الشارع، إلى مواضيع من كتبٍ قرأتها. إجادتها للإنكليزية وللأدب الإنكليزي إضافة إلى العربية، أعطتها هامشاً واسعاً من اختيار الروايات والقصص والمواضيع. من الأمثلة التي رسمتها: المرأة ونظرة الدين إليها، الديمقراطية، الحرية، الحنين إلى الطفولة، إلى عشرات المواضيع الأخرى.


أرسلت إلى نيويورك مؤخراً لوحة تمثّل شخصاً ينحني مثل العتّال ذاهِب لينتخب. اسمها: خرافة الديموقراطية. ضمّنتها جملة: «هكذا يكون الاقتراع» باللغة الإنكليزية. voting be like هي لم تقصد من هذه اللوحة أن تتحدث في السياسة وإنما في الفلسفة وتعني أن التصويت (الديمقراطية) يشبه الاستعباد! لماذا؟ لأن النظام السياسي في كل أنحاء العالم يعتبر التصويت ديمقراطية إنما في حقيقة الأمر برأي زهى، أن هناك خيارات ويقوم الناخب باختيار واحدٍ من هذه الخيارات. فالناخب ليس عنده خيار أن يخلق خياراً. وإنما عليه أن يختار بين عدة خيارات مفروضة عليه. في الولايات المتحدة الأميركية مثلاً، يذهب هذا الناخب ليختار بين الديمقراطي والجمهوري. يختار ولا يحق له أن يخلق خياراً ثالثاً. إذاً لا حرية للناخب. وكذا في كل العالم. هذه اللوحة هي واحدة من أربع لوحاتها أرسلت إلى الولايات المتحدة لتكون ضمن مجموعة لوحات لفنانين لبنانيين تباع في مزاد فني ويذهب ريعها لدعم طلاب الجامعة اللبنانية الأميركية خلال أسبوعين من الآن.
كيف ترسم زهى؟ إذا رأت موضوعاً يجذبها تشعر بإحساس قوي تجاهه لكنها لا تستطيع أن تحوله فناً إلا إذا كانت في حالة «رَواق». تحتاج إلى الهدوء لتفصل نفسها عن الحياة اليومية وضجيجها. تقول إن زوجها أحمد، وهو معالج نفسي، كتب لها شعراً في الآونة الأخيرة. فتأثرت بهذه الكلمات وحوّلتها قطعة فنية فأخذها أحمد ووضعها في مكتبه لتكون اللوحة «له». تحضّر زهى في الوقت الحالي لمعرض فردي لها مع ١٨ لوحة في «بيتها الفني» في مار مخايل في تشرين الثاني المقبل. الخريف تحبه وتحب ورقه الأصفر خصوصاً أن شجيرات حديقتها تسقط أيضاً في تشرين. تذكر أن معرضها الفردي الأول في الرسم كان في آذار الماضي، وكان اسمه «اللامحكي». في تشرين سيقام معرضها الثاني وهي «ستتكلم وسيكون المعرض مليئاً بالأخبار عما هو موجود في لوحاتي»! شاركت زهى أيضاً في عدد من المعارض الجماعية. وتتحدث خصوصاً عن مشاركتها في متحف «ريفر فرونت» في شيكاغو بالولايات المتحدة في كانون الأول ٢٠٢١. كما شاركت وهي في سن صغيرة (٢٠١٠) في معرض عن التصوير موضوعه «المرأة والفقر» في أوهايو - أميركا.


تعتبر أنها غزيرة الإنتاج. يمكن أن ترسم في يوم واحد ٧ لوحات ويمكن أن تبقى شهراً كاملاً من دون أن تحمل ريشة. كل ذلك يتوقف على الإحساس. عَلّمت لست سنوات في اللبنانية الأميركية اللغة الإنكليزية والأدب الإنكليزي. كانت في سن الثالثة والعشرين حين درّست طلاباً يصغرونها بأعوام قليلة وكانت تعاملهم كأصدقاء وهم لا يزالون على تواصل معها لليوم. توقفت الآن عن التعليم لتتفرغ للوحات لأنّ لديها قصصاً كثيرة ترويها عبر لوحاتها!

theme::common.loader_icon